كلود ناصيف حرب وأفكار اغترابيّة
كُتب جميل الدويهي في 25 تمّوز 2017
بدأت مسيرة الأديبة الإعلاميّة كلود ناصيف حرب مع مشروع "أفكار اغترابية" الذي أطلقته بُعيد هجرتي الثالثة إلى أستراليا أواخر عام 2014، وكانت كلود تكتب ما يشبه الخواطر المتفرّقة، وفي مواضيع مختلفة يغلب عليها طابع الإعلام أكثر من كونها أعمالاً أدبيّة متكاملة، وعندما أرسلتْ مقطوعاتها الأولى، تلمّست بإحساسي النقديّ وخبرتي الأدبية العميقة أنّ كلود ستشق طريقها في عالم الأدب، ولكنها تحتاج إلى مزيد من التركيز والابتعاد عن النمط الإعلامي السائد، نحو عالم جديد أكثر ألقاً وجمالاً. وكتبتُ مقدمة لكتاب كلود قبل أن تفكّر في نشره بسنتين، وانتظرت منذ ذلك اليوم، وكانت كلود قد نشرت قطعتين أو ثلاث قطع، فقلت في نفسي: "سأكتب لها مقدّمة، وأنا عالم علم اليقين أنها ستصل ذات يوم إلى مستوى عال يسمح لها بالنشر”. والذي يطّلع على مقدمتي لا يجد فيها أمثلة، وأضفت إليها استشهاداً واحداً أو اثنين من أواخر ما كتبت كلود. ولم تعلم كلود بأنني كتبت مقدمة لكتابها إلا عندما أعلمتها أوائل الشهر الماضي، بأن مشروع "أفكار اغترابية" قد جمع لها أعمالها، وأعدّ لها غلافاً للكتاب، وأرسلتُ إليها ملفّين، واحداً للكتاب وآخر للغلاف، لكي تطلع عليهما، ولم يكن عليها سوى الطباعة، وكانت تلك مفاجأة كبيرة لها، أسعدتْها، وفتحت لها مجالاً للانطلاق في عالم الأدب. وليس لأفكار اغترابية وصاحبه أي فضل في مسيرة كلود، فهي تشبه نفسها، وروحها الطيبة لا تحتاج إلى من يوفر لها الظروف للمضي في رحلة الجمال والإبداع. ومثلما شعرت كلود بالسعادة، نحن نشعر معها، ونشاركها خلجات أفكارها، ونعتبر أن ما فعلته وما فعلناه أيضًا ليس لنا فيه شيء، لأن الله هو الذي وفر لنا جميعاً سبل الإبداع والفكر الراقي، وهو الشاعر العظيم. وإذا كان هناك مَن يتمنطقون بالذهب والنحاس والمظاهر الخادعة فلسنا منهم، ولن ننتتمي إليهم في يوم. رحلتنا هي رحلة الصدق والأمانة، وسنقف مع كل إنسان صادق ونبيل ويحترم الحقيقة، ولا تهمنا القشور التي تلمع، لأنها ستسقط عند المقارنة النقدية الصادقة، وعندما يكون هناك مَن يدرسون الأدب عن علم وليس عن صداقات، وتحزّبات، ونكايات، وحروب على كل مبدع حقيقي
و"أفكار اغترابية" وصاحبه مستعدان دائماً لرفع مستوى الأدب المهجري الراقي المتعدد، والمتنوع، والمتفرّع، والشامل، شعراً، ونثراً، وفكرًا، وتاريخاً، ودراسات وباللغتين العربية والإنكليزية، والمتميز حقيقة وفعلاً... لأن التميز لا يكون إلا بمقدار العمل وليس بإطلاق التسميات عشوائياً، ولا يتحقق إلا تحت شعار "ضعوا كتبكم على الطاولة". وها هي كلود ناصيف حرب تضع أول كتاب لها على الطاولة، وأرجو أن لا يكون الأخير. وحسب علمي أنّ "أفكار اغترابية" يختزن المزيد من الأعمال لها، وسوف لا نتردد في تلبية ندائها عند إشارتها
كما ينبغي أن نوضح أن "أفكار اغترابية" يضم مجموعة كبيرة من الأسماء اللامعة، والأسماء الجديدة التي انطلقت منه، وقد يتاح لنا في يوم من الأيام أن نساعد الكثيرين على تحقيق أحلامهم، ويكون لهم دور في الحركة الأدبية المهجرية، التي يجب أن تقوم على أدب راق ورفيع، بعيد عن التكلف، والتصنع والنظم الركيك... فالأدب شيء والإدعاء شيء آخر
هنيئاً لكلود ناصيف حرب باكورتها "كلمات من أعماق الحبّ"، وقد شرفتني كلود في أن أختار له العنوان الذي يليق به، ويختصر ما فيه من عمق، وأبعاد جمالية، وحب لا ينتهي
تهنئة من كلود ناصيف حرب
بعد تأسيس مشروع الأديب د. جميل الدويهي
أفكار إغترابية
أدب، ثقافة، فكر إنسانيّ وأدب راق
للأديب اللبناني الدكتور جميل الدويهي
ألف مبروك لمناسبة إطلاق موقعك الرائع "أفكار اغترابية"
وإن شاء الله افتتاحية الموقع افتتاحية خير
لننعم أكثر بقراءة ومتابعة أعمالك الادبية الراقية
حقًا موقع جميل يا * دكتور جميل * أعجبني جدًا
من حيث تصميم موقع أفكار اغترابية، قالبًا ومضمونًا
مريح للنظر والقراءة ومتابعة الأخبار الأسترالية والعالمية والأهم من ذلك متابعة حروفك الراقية وأعمالك الأدبية بالإضافة للزملاء الكرام
أهلاً بنا في بيت القصيد ومن قلبي لك كلّ الحب والنجاح
مع خالص محبّتي واحترامي
كلود ناصيف حرب في 10 نيسان 2015
[] [] []
نُشرت الكتب التي أنجزتها الأديبة كلود ناصيف حرب، وتناولت مسيرة الأديب د. جميل الدويهي وأفكار اغترابيّة في الصفحة الأساسيّة للموقع
كما أنّ مقالات كتبتها عن الأديب جميل الدويهي منشورة في قسم كتابات عن أفكار اغترابيّة
كتب الأديببة كلود ناصيف حرب النقديّة عن جميل الدويهي ومشروع أفكار اغترابيّة منشورة على الصفحة الرئيسة للموقع Homepage
كلود ناصيف حرب في لقاء مع جريدة "المستقبل" الأسترالية
لا تستطيع الكتابة عن الحنين إذا لم يكن في قلبك الصفاء والنقاء الروحي
أمسيتي المقبلة ستكون برنامجاً أدبياً وموسيقياً، لأنّ الأدب والموسيقى يتكاملان
23 تشرين الأول 2017
قبل إطلاق مجموعتها الأدبية الثانية "عيناك مرفأ لحنيني" في السابع والعشرين من شهر شباط المقبل، في صالة جمعية كفرحلدا الخيرية (الوايت كاسل)، قامت الأديبة الإعلامية كلود ناصيف حرب وزوجها السيد سايمون حرب بزيارة إلى مكاتب جريدة المستقبل الأسترالية، حيث قدمت كتابها إلى أسرة التحرير، وكانت فرصة للقاء مع رئيس التحرير الأستاذ جوزيف خوري ومدير التحرير الدكتور جميل الدويهي صاحب مشروع "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الراقي. وكان حديث مع الدويهي حول الكتاب والأمسية المنتظرة، ومسيرة الأديبة كلود منذ البدايات وحتى انطلاقتها الإبداعية في مشروع "أفكار اغترابية"، وما بعد تلك المرحلة... علماً أن كلود أطلقت مجموعتها الأولى "كلمات من أعماق الحب" في عام 2017، ونالت أول جائزة من مشروع "أفكار اغترابية"، "جائزة الأديب د. جميل الدويهي - أفكار اغترابية للأدب المهجري الراقي"، وهي الآن تعد لإصدار مجموعة ثالثة في أواخر عام 2019 بعنوان "نغمات على قيثارة الحنين". وكلود تمضي بخطى ثابتة في مسيرتها الإبداعية، غير عابئة بالصعاب والمعوقات التي تحيط بالرحلة من كل حدب وصوب. وفي مستهل اللقاء، وجهت الأديبة حرب الشكر من أعماق القلب لتشجيع الأديب الدويهي لها، "والحديث عن كتابي الأول لا يمكن أن يمر من دون الشكر للرب والشكر لدعمك أنت، الأديب المحترم، الأنيق بكلمتك ومعاملتك للآخرين، والآخذ بيدنا لنكون في هذه الحديقة الجميلة، مشروع "أفكار اغترابية". هذا المشروع هو مثل حديقة متنوعة الأزهار والورود والأشجار الخضراء. ولو لم أكن نبتة صالحه لما كنت طلعت في هذه الأرض الطيبة التي فيها ثمار طيبة." وأضافت حرب: "علمني كتابي الأول أن أستمر ولا أتوقف، وعلمني أيضاً أنه ليس من استمرارية في الحياة إلا من خلال التعب. ونحن نتعب لنعطي، ولكن أحياناً نمر بظروف صعبة، ليس علينا فقط، بل لنتقبل الآخرين دائماً، خصوصاً أن هناك أناساً يحاولون تحطيم الإنسان الناجح بدلاً من أن يشجعوه ويساعدوه، وهم يعتقدون أنهم يستطيعون تحطيم قدراتك أو شجاعتك واستمراريتك، لكن الإنسان المؤمن بربه وبالحياة لا يمكن أن يتوقف أو ييئس. أنا من الأشخاص الذين تعرضوا لصعوبات ولا أعرف لماذا. وأعتقد أن بعض الناس لا يتقبلون أن تكون المذيعة أو الإعلامية أديبة في الوقت نفسه". وتمضي الأديبة حرب في حديثها لتعرب عن اعتزازها بكونها أديبة، وهذه الصفة جاءت من صفة مؤدب، "والناس يعرفونني بتواضعي وأدبي مع الآخرين، من هنا أفتخر بلقب أديبة وأصبح تاجاً على رأسي وأيقونة في قلبي، وبفضل مشروع "أفكار اغترابية" أستمر وأشكر الله على هذه النعمة". وعن الفرق بين كتابيها الأول والثاني تقول حرب: "ربما أصبح عندي نضوج أكثر واندفاع أكثر إلى الكتابة. وعنوان الكتاب اخترته بالتشاور معك، وهو يضعني أمام مسؤولية لأنك من عام 2017 أطلقت عليّ لقب "سيدة الحنين"، ما يجعلني أؤكد على نغمة الحنين في حياتي وكتاباتي. الكتاب الثاني فيه نصوص جميلة ونضوج أكثر وحروف فيها عمق أكثر. والإهداء فيه فرح أكثر، وفي الكتاب فكرة جديدة ربما لم تحدث في تاريخ الأدب، فقد اخترتُ قصيدة لكَ أحبُّها ووضعتها في الكتاب... كما أهديتك نصاً من كتاباتي. وانتَ كنت معارضاً جداً لهذه الفكرة، وأتذكر كم رجوتك أن يُنشر النصان. وكنت مصرة على أن تكون صورة لك في الكتاب. وأحب أن أذكر هنا أن الله يضع دائماً في طريقنا أناساً يأخذوننا إلى واحد من طريقين، إما طريق الهاوية وإما طريق السماء لنرتفع، فأنا أشكر الله لأنه عرفني بك د. جميل وأشكرك أنت والسيدة مريم لكل دعم تقدمانه لنا، ولا أنسى فضل الغالي سايمون الذي يشجعني دائماً ويقف إلى جانبي. وهذه العائلة هي التي تشجعنا وتدعمنا لنستمر ولا نتوقف عند أي صعوبة. وتتذكر الأديبة حرب أنها بدأت منذ بدايات "أفكار اغترابية" في نشر أعمالها. وقالت كلود إن بعض الناس لا يسرقون الأثواب فقط، بل يسرقون الأفكار والصدق والمحبة، "ونحن يجب أن نعلّمهم أننا نبقى أوفياء مهما تمزق الثوب ومهما شوهوا". وعن ساعات الكتابة تقول كلود إن الأفكار تأتي إلى الإنسان غالباً في أوقات الليل، مثلما تأتي الأحلام، فالعبقرية تظهر في الليل، لأن المرء يستعرض مشاهد النهار فيحولها إلى مواضيع للكتابة. وأكدت حرب على عهدها للإله العظيم، فهي ستبقى الطفلة الروحية في قلب الرب، وقد أهدت للخالق هذا الكتاب "وإلى روح والدي الراحل جورج ناصيف الذي أرادني أن أكون وردة برية توزع عطرها على الناس ولا تنكسر أو تنحني لأيدي العابرين، وإلى والدتي الحبيبة السيدة جاندارك التي كلما تكلمت معي عبر الهاتف تسألني: ماذا تكتبين في هذه الأيام؟" وعن الصعوبات التي واجهتها والحملة المغرضة التي تعرضت لها من وراء البحار، تقول كلود: "المسامح كريم، والانسان الناجح يتعرض لمحاولات تحطيم من بعض الناس، وأنا أسامحهم، لكن أعتب على من يصدقون هؤلاء. وعلى كل حال فإن أي كلام غير صحيح يقال عني يصب في صالحي، فلو لم أكن مهمّة لما تكلموا عني بالخطأ. وقد أفادتْني الحملة ضدي لأنها جعلت اسمي يلمع في كل العالم بسبب الغيرة والتجني". وتقول كلود عن الوحي إن الإنسان الذي يملك الإيمان يأتي إليه الوحي من عالم نظيف... "الحنين هو نظافة الروح وأناقتها، ولا تستطيع الكتابة عن الحنين إذا لم يكن في قلبك الصفاء والنقاء الروحي. وأنا أؤمن بأن الإنسان يكتب كما يحس وكما يعيش حياته، كلامي هو حنين ويشبه طريقة معاملتي للآخرين وحياتي، وأنا بطبعي أحب السلام والحبّ... وأحب الحياة. وكلامي ينسجم مع طريقتي وتفكيري". وتضيف كلود: "نحن نكتب لغة الناس والمشاعر التي يعيشونها والعلاقات الجميلة، الحبيب الذي أكتب عنه أراه مثل أمير، يأتي على حصان أبيض، يحملني إذا تعثرت، ويحميني من غدر الناس، وفي عتم الليل يضيء حياتي، هو ملاك. أحس أن هذا البطل نقي ونظيف ووسيم". وتقول: "نحن رسالتنا جميلة في الحياة، كباقة ورد نهديها إلى الناس ونفرحهم، عندما تتأمل باقة الورد ترى كل وردة بلون، وبعطر وشكل، لكن كل وردة هي عالم. هكذا أشعر أن حروفي مثل باقة ورد. في نصّي "لمحتك تقطف وردة" تجد أن وردة يهديها حبيب لحبيته تصنع الفرح". وعن مجموعتها الثالثة "نغمات على قيثارة الحنين" تقول كلود إنها مجموعة حنين بامتياز، لأن النصوص نغمات على قيثارة الحنين، "وأحببت أن أكتب بالدارج، تأثراً بحروفك التي أحبها كثيراً... كتبتُ مقاطع قصيرة تأثراً بأعمالك، وأنتَ علمتني أن أضع صورة أمامي عندما تضيق بي الأفكار وأكتب من وحي الصورة، وأنا أحب الصور الرومنطيقية التي توحي بالراحة وصور الطبيعة وغروب الشمس، ولا أحب صور الضجيج والزحام لأن هذه الصور لا تسمح بالكتابة. وفي الكتاب الثالث أيضاً بطل غير معروف، وكل إنسان يقرأ ما كتبت يظن أنه هو كتبَه ووجهه إلى شخص يحبّه، كالزوج والشريك والحبيب، وأنا أطير مع البطل إلى السماء". وعن المقارنة بين كونها إعلامية وأديبة تقول: "ليتني بدأت بمشروع الكتابة منذ 7 سنوات، أو من 30 سنة. أنا أصلاً عندي هواية الكتابة وكنت مراسلة في لبنان لعدد من المجلات والجرائد، وعندي أرشيف كبير يثبت هذا الأمر، وعندما جئت إلى أستراليا، كانت البداية صعبة، فخفّت عندي شعلة الكتابة، وأعترف بأنني عندما بدأت بقراءة الشعر والأدب في أستراليا عادت الشعلة لتتوهج من جديد، وهكذا كل يوم أكتب، والآن ونحن في الطريق إلى هنا كتبت: "الأشياء الثمينة لا تتكرر في الحياة، لذلك لا أملك سوى أنا وانت". في الإذاعة كانت لغتي تختلف، كانت اتجاهاتي ثقافية أكثر من كونها أدبية، وفي كتابي الأول تعبنا لنحذف المواد غير الأدبية التي كنت أقرأها من وراء الميكروفون... أنا الآن في مكان آخر، وأفتخر كثيراً بهذا، وأحن إلى الإذاعة والميكروفون. وإذا عدت إلى مجال الإعلام سيتغير اتجاهي، وإطلالتي ستكون أقوى ومسؤوليتي أكبر. اليوم أفتخر بأن الناس يرحّبون بي كوني أديبة ويسألونني عن كتابي التالي، ومتى ستكون أمسيتك المقبلة؟ كما أعتز بأن نقاداً كباراً في أستراليا وخارجها قد كتبوا عني، وكل كلمة قالوها عني تستحق أن تكون كتاباً، وهم لم يقولوا إلا الحقيقة لأنني هكذا في الواقع. وكل النقاد كتبوا عن الحنين وعن صدقي وقلبي الطيب". وتلفت حرب إلى أن أمسيتها المقبلة ستكون برنامجاً أدبياً وموسيقياً، لأن الأدب والموسيقى يتكاملان جمالياً. وهنا سألنا الصديق سايمون عن وقوفه إلى جانب كلود فقال إنه دوماً يشجعها وإلى جانبها لكي تكمل عملها، "وأحياناً أطلب منها أن تكتب"... ويقول سايمون إن كلود تعامله كأولوية في حياتها ثم عملها الأدبي. وتختم كلود بالحديث عن "العرس الثاني" أمسية إطلاق كتابها "عيناك مرفأ لحنيني"، فمناسبة الكتاب الأول كانت عرساً للأدب، ويليق بالكلمة أن يكون لها عرس، والموعد هو 27 شباط المقبل الساعة 7 مساء في صالة جمعية كفرحلدا الخيرية. والدعوة موجهة إلى جميع الأصدقاء والأحبة وعشاق الأدب الراقي ليكونوا معنا في هذا العرس المميز
في لقاء مع د. جميل الدويهي
كلود ناصيف حرب عن مجموعتها
نغمات على قيثارة الحنين
الحبّ هدية من الله وأنا أترجمه في كتاباتي
9 كانون الأول 2019
تستعد الأديبة والإعلامية كلود ناصيف حرب لإطلاق مجموعتها الأدبية "نغمات على قيثارة الحنين"، في حفل يقام بدعوة منها ومن مشروع "أفكار اغترابية" للأدب الراقي مساء الأربعاء 12 شباط 2020، في صالة جمعية كفرحلدا الخيرية
وكلود شقت طريقها في الأدب، وحققت إنجازاً نوعياً بالانتقال من عالم الإذاعة إلى عالم العطاء الأدبي، الذي يطبعه الحب والحنين، بلغة شفافة، رقيقة، تدخل إلى القلب، وليس فيها ما يجرح، فكلود هي "سيدة الحنين"، والبوح العذري الذي يقترب من صوفية... والله هو الحب، كما تقول، ولو لم يكن كذلك، لانتهى العالم، وتهدمت الحضارة
منذ البداية في "كلمات من أعماق الحب" إلى "عيناك مرفأ لحنيني"، ثم كتاب توثيقي عن مشروع "أفكار اغترابية"- المشروع الذي انطلقت منه في رحلتها مع الأدب، ثم "نغمات على قيثارة الحنين"، وبعده "بدموع الورده كتبتلك... وهيك بحبك"، تبقى كلود هي هي، الأنيقة، المهذبة، المترفعة عن المادة، لكنها تنتقل من مرحلة إلى مرحلة بخطى وئيدة، فلا تبالغ في التعبير، وتنتقي كلماتها بتعب، وتتأنى على نصوصها. ولولا هذا التطور، لكانت كسرت أقلامها، وانصاعت للسكوت الذي يهدد كل صوت مختلف، وكل محلق خارج سربه... فكما للسكوت عينان وأذنان، فللصبر والإصرار أعين وآذان وقلب ينبض، وروح تتوق غلى ما هو سام ونبيل
تقول كلود إن هناك فرقاً كبيراً بين انطلاقتها الأولى في "كلمات من أعماق الحب" وما هي عليه اليوم، وتؤكد وفاءها لمشروع "أفكار اغترابية”. فمع مرور الوقت أصبح لديها خبرة أكثر، وعمق أكثر في التعبير. وقالت إن "أفكار اغترابية" يشجعها ويقوي معنوياتها لتتابع طريقها في الكتابة
وتعبر كلود عن سعادتها بالنضوج الذي وصلت إليه في طريقة صياغتها الأدبية، والموضوع الذي تطرحه. وهي لا تحيد عن موضوع الحنين الذي تعتبره من مفرداتها التعبيرية الأكثر شيوعاً، وفي عنوان كتابها تنسجم لفظة "حنين" مع لفظة "نغمات"، "لأن كل حرف في هذا الكتاب هو نغمة على قيثارة"، ويخرج من حنينها لحبيب الروح الذي لا قبله ولا بعده
وتكرر كلود عبارة "وهيك بحبك" في كثير من النصوص، وتريد من ذلك أن تدعو الناس إلى الحب، ففي هذا الزمن مات الحب، ولم تعد المحبة موجودة عند الكثيرين. وأنا كما يلاحظ الكثيرون أتكلم بلسان كل إنسان، فكزوجة وحبيبة أتحدث باسم الزوجة والحبيبة، وكلمة الحب تختص بالإله العظيم، فالحب أجمل هدية من الله تعالى، وأحب أن أترجمه في كتاباتي، وأقوله للحبيب والصديق ولكل الناس، فلغة الحب ليس لها حدود
وإلى أين ستتجه كلود في المستقبل؟ إلى الإعلام أم إلى الأدب؟ تجيب: لو توجهت إلى الإعلام مرة أخرى فلا أستطيع الابتعاد عن الأدب الذي صار جزءاً مني، وإذا يمر يوم واحد لا أكتب فيه، أشعر أن هناك خطأ ما في حياتي، أو هناك فكرة ضاعت مني. وأحياناً، أكون في السوق فتخطر لي فكرة، أسجّلها على الهاتف، لكي أعود وأكتبها بطريقة أدبية. وفي إحدى الليالي، تراءت لي أفكار شعرية جميلة، فقلت في نفسي: عندما يطلع الصباح سأكتب ما خطر لي، لكن كلام الليل محاه النهار وذهب إلى النسيان، فمن الضروري أن ندون أفكارنا في هذه الكتب التي ستبقى في مكتباتنا وبيوتنا ولدى أصدقائنا
وتلفت كلود إلى ضرورة أن يكون الحرف مهذباً نقياً، "وبما أنني ابنة مشروع "أفكار اغترابية"، فإنني ألتزم بهذا الرقي الذي جعله المشروع شعاراً أساسياً لمسيرته الثقافية والفكرية"، وقد أهدت كتابها "بدموع الوردة كتبتلك... وهيك بحبك" إلى "أفكار اغترابية" كعربون شكر ووفاء، وتهنئة بنجاح زيارة الوفد الاغترابي إلى لبنان خلال الصيف الماضي
ونسأل كلود عن مدى التزامها باللغة الراقية، بينما يعتمد بعض الأدباء على الكلام الجارح والألفاظ السوقية المبتذلة، فتقول: الكتابة مرآة لنفسية صاحبها، وانعكاس لفكره وعالمه، ولا يمكن أن أتخلى عن احترامي للناس، وعن تهذيبي، ونقاوة حروفي. هكذا أرى طريقي، ولا يمكن أن أكتب كلمة قبيحة حتى لو كنتُ متألمة... في نصوصي الحنين، والحب، والأمل، والرجاء، وليس هناك عتاب أو حقد أو بغض. هكذا هو قلبي وهذه نفسيتي
وفي ختام حديثها وجهت كلود كلمة شكر إلى المؤسسات والأفراد الذين سيقدمون الرعاية لحفل 12 شباط، وأبناء الجالية الذين سيتوجهون إلى الحفل - العرس 3، برعاية جمعية كفرحلدا الخيرية وأفكار اغترابية. كما شكرت جريدة المستقبل الأسترالية التي احتضنت نصوصها، وكانت لها نافذة مضيئة لتطل منها على الجالية والعالم
المجوس بشّروا بولادة المسيح
إعداد كلود ناصيف حرب
نشر في العدد السنوي لجريدة المستقبل الأسترالية مطلع عام 2020
الديانة المجوسية من الديانات الوثنية القديمة، ولها إلهان اثنان، إله للخير وإله للشر، بحيث يكون بين هذين الإلهين صراع مقيم ودائم إلى قيام الساعة. وباعتقاد أتباع الديانة المجوسية أن الساعة ستقوم بعد أن ينتصر إله الخير على إله الشر. ويُعتقد أن الديانة المجوسية جاءت قبل الديانة الزرادشتية. وكانت منتشرة في بلاد فارس وجوارها. ولا شك في أنها عُرفت أيضاً في اليهودية. وينسب إبن خلدون المجوسية إلى "كيرمرث"، وهو من أبناء آدم، والبعض قالوا إن "كيرمرث" من أبناء نوح
وكلمة المجوس فارسية الأصل، أو يونانية، أو جاءت من لغة بني إرم (إرم ذات العماد)
ويعبد المجوس النار، وبعضٌ منهم يعبد الكواكب. وهذه العبادة لها صلة بأفكار دينية قد تكون تسربت من الهند، وهم يتشابهون مع الهنود في التقمص، والعلم بالغيب. والغريب أنهم الآن يؤمنون بالمسيح إلى جانب زرادشت. ويعود إيمانهم بالمسيح إلى أن ثلاثة منهم شهدوا على ولادته في مغارة بيت لحم، وقدموا له الهدايا، وأيضاً لأن النبي دانيال "سيد المجوس" قد بشّر بولادة المسيح قبل مئات السنين من مجيئه
نبوءة دانيال
كُتِبَ عن دانيال النبي في حديث ملكة مادي إلى بلطشاصر ملك بابل ما نصه: "يوجد في مملكتك رجل فيه روح الآلهة القدوسين، وفي أيام أبيك وجدت فيه نيّرة وفطنة وحكمة كحكمة الآلهة. والملك نبوخذ نصَّر أبوك جعله كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين... من حيث أن روحًا فاضلة ومعرفة وفطنة وتعبير الأحلام وتبيين ألغاز وحل عُقد وجدت في دانيال هذا الذي سماه الملك بلطشاصر" (دا 5: 11، 12)
واستمر شأن دانيال مرتفعًا بعد ذلك في مُلك داريوس المادي وفي مُلك كورش الفارسي كقول الكتاب: "فنجح دانيال هذا في مُلك داريوس وفي مُلك كورش الفارسي" (دا 6: 28)
وعين دانيال كبيرًا للمجوس ولكنه لم يلجأ إلى السحر، وتنبأ دانيال عن مجيء السيد المسيح وعن مملكته وحدد زمن مجيئه، وترك كل نبواته الصادقة في سفر دانيال. وقد ورد في نبوءة دانيال ما يلي
"سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك، وعلى مدينتك المقدسة، لتكميل المعصية وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي. ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا... يُثبِّت عهدًا مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يُبطّل الذبيحة والتقدمة" (دا 9: 24، 25، 27)
والمقصود بالأسابيع هنا أسابيع سنين وليس أسابيع أيام (أي أن الأسبوع يساوي سبع سنين). وقد تمت هذه النبوة بالفعل كما ذكرها دانيال النبي
وكتب دانيال أيضاً: "كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى قديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطيَ سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي لن يزول، وملكوته لا ينقرض" (دا 7: 13، 14)
وجاء في التوراة أيضاً: "ثم كتب الملك داريوس إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. ليكثر سلامكم. من قِبَلي صدر أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام إله دانيال لأنه هو الإله الحي القيوم إلى الأبد وملكوته لن يزول وسلطانه إلى المنتهي. هو ينجي وينقذ، ويعمل الآيات والعجائب في السماوات وفي الأرض" (دا6: 25-27)
ويبدو من هذا النص أن داريوس ملك الفرس كان يؤمن بالإله الحي القيوم الذي بشر به النبي دانيال. وكتب إلى كل الأمم التي تخضع لسيطرة فارس بأن يخضع الشعب لهذا الإله
المجوس يزورون بيت لحم
إذن كان المجوس الذين عاشوا في مملكة فارس وجوارها يعلمون ما هو الوقت الذي سيأتي فيه المسيح المخلص. وقد اعتمدوا على معرفتهم للكواكب لقياس الزمن الذي سيحل فيه الميلاد المجيد بحسب نبوءات سيدهم دانيال النبي... ولذلك شدوا الرحال من بلاد فارس على الأرجح نحو بيت لحم، أو بحسب الدراسات الحديثة من السعودية أو الأردن، وأراد الرب أن يكلمهم باللغة التي يفهمونها فأرسل إليهم كائنًا مميزًا، له صفات عجيبة؛ ربما يكون ملاكًا لامعًا يبدو في هيئة نجم. وكان ذلك النجم واضحًا مميزًا ويسميه المسيحيون "نجمة الميلاد" أو نجمة المغارة
ولمجيء المجوس إلى المغارة معنى مهم، وهو أن المسيح لم يأت من أجل اليهود، بل من أجل الأمم كلها، ولم يأت لديانة دون سواها
لقد جاء المجوس من المشرق إلى أورشليم قائلين: "أين هو المولود ملك اليهود، فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له؟" (مت 2: 2)
وقد قام النجم بهداية المجوس من بلادهم إلى موقع الميلاد، وكان النبي بلعام قد أشار إلى "نجم من يعقوب" سابقًا، وأشار الباحثون إلى أن النجم اللامع المذكور في إنجيل متى قد يكون اقتران كواكب المشتري وزحل والمريخ الذي تم بين عامي 6 و4 قبل الميلاد
وسجد المجوس للسيد المسيح وهو طفل، وسجدت له الأمم في كل حين
وعندما نقول "المجوس"، نسأل أنفسنا: كم من المجوس جاءوا إلى بيت لحم؟
يقول الإنجيلي متّى (أصحاح 2) إنهم أتوا "من المشرق إلى أورشليم". وبسبب ذكر ثلاث هدايا، البخور والمر والذهب، افترض أنهم ثلاثة أشخاص. وعلينا أن لا ننسى أن المجوس لم يكونوا وحيدين في المغارة، بل كان معهم الرعاة، وهذا الالتقاء يعني لقاء الأغنياء والفقراء، وكذلك اجتماع اليهود (الرعاة) والوثنيين (المجوس) تحت جناحي السيد المسيح
ويختصر متّى الإنجيلي صفات المجوس الثلاثة بكلمة "حكماء"(مت 2: 1 و 7 و 16)، وقد تكون هذه الكلمة تعني "الملوك" في ذلك الزمان، أو القادة، أو زعماء القوم. وعلى الرغم من أن الإنجيل لا يذكر أسماء المجوس، فإن التقليد يذكر أنهم جسبار ملك الهند، وملكيور (ملكون) ملك فارس، وبلتازار ملك من بلاد العرب
وتروي التقاليد القديمة ان هناك مغارتين تذكران بالمجوس: مغارة في دير كاتمسا بالقرب من دير مار الياس الواقع على الطريق بين القدس وبيت لحم حيث استراح المجوس في زيارتهم الى بيت لحم. وهناك مغارة تحت الكنيسة في دير مار ثيوذسيوس في بيت ساحور حيث دفن القديس ثيوذسيوس هو ووالدته ووالدة القديس سابا، لجأ إليها المجوس في عودتهم الى بلادهم تفادياً للقاء مع هيرودس الملك
هؤلاء هم المجوس الذين عاينوا شهادة الميلاد إلى الشعوب، وكانوا أول من سجد للمسيح، وقدموا له الهدايا في تلك المغارة الصغيرة المتواضعة، التي انطلق منها نور المعرفة والمحبة والإيمان إلى العالم أجمع
كتب بادرو الحجة - سيدني
عن إطلاق باكورة كلود ناصيف حرب
الزميلة والكاتبة كلود ناصيف حرب أصدرت باكورة أعمالها وجمعتها في كتاب بعنوان (كلمات من اعماق الحب) وسيتم توقيعه في صالة ماري ماكلوب داخل دير مار شربل - سدني يوم الجمعة ٢٧ تشرين الاول ٢٠١٧ السابعة مساءً
واللافت في هذا الإصدار الادبي بالاضافة لكتابات وخواطر الحب للزميلة كلود، مقدمة مميزة للدكتور الراقي جميل ميلاد الدويهي بعنوان "الحب قنديل الحياة" والذي ترك بصمته الأدبية الراقية في هذا العمل المميز
الف مبروك للزميلة والعزيزة كلود ناصيف حرب مولودها الادبي البكر وتحية محبة وتقدير للدكتور جميل الدويهي الذي يتبنى الأدب الراقي وينشر المحبة والسلام في ارجاء جاليتنا
***
وبعد الأمسية
برعاية وحضور سيادة المطران أنطوان شربل طربية راعي الأبرشية المارونية ونخبة من رجال الدين والراهبات وأبناء الجالية اللبنانية احتفلت الزميلة كلود ناصيف حرب بمولودها الأدبي الاول (كلمات من اعماق الحبّ)
اُمسية ادبية راقية عشناها في الجالية مع مشروع د جميل الدويهي للأدب المهجري الراقي الذي كانت أولى ثماره جائزته الأدبية لكلود ناصيف حرب
عرس ادبي راقٍ بامتياز واجواء فنية مميزة عشناها بالأمس داخل دير مار شربل في سدني
الف مبروك للزميلة كلود وشكرا د. جميل الدويهي والى اللقاء في ٧ شباط ٢٠١٨ مع امسيتك الادبية واصداراتك الغنية
كلود ناصيف حرب والحنين: التعبير يخرج من العينين في قدسيّة اسمها الصمت
(جولة في نصّ "كيف لا أحنّ إليك؟" بقلم د. جميل الدويهي)
30 كانون الثاني 2018
لا نكاد تعثر على نصّ لكلود ناصيف حرب لا نجد فيه لفظة "حنين". وحنين كلود التي جاءت من باب الإعلام إلى الأدب هو تعبير عن شعور حقيقيّ ونبيل وصادق. وبصفتي من محبّي كتابات هذه المرأة المشاغبة في حنينها، الراقية في تعاطيها مع الناس، الرقيقة في انتقائها لمفرداتها، أجد نفسي متتبّعاً لنصوصها، وأقرأها بشغف، فهي ذات لغة خاصّة. صحيح أنّها لا تدّعي الأدب، وليست في مستوى جبران وسعيد عقل ونزار قباني وغوته وموليير، لكنّها لا تيئس، وهذا ما يغبطني في شخصيّتها، وتلاحق الأمل والحلم، حتّى بات العديد يريدون اللحاق بها ومعرفة السرّ الذي استطاعت من خلاله أن تقتحم عالم الأدب وتثبت نفسها في كتاب صغير، أنيق، ليست فيه رموز كثيرة ولا سوريالية معقّدة، بل لغة واقعية عذبة تتسلل من بين الضلوع إلى القلب. ولكن هذه البساطة لا تعني السطحية، بل بساطة صعبة، ولا يستطيع أن يعرف أسرارها إلا القليلون، وخصوصاً أولئك الذين تعوّدوا أن ينفذوا إلى الروح الداخليّة، ويفهموا تعابيرها ومكنوناتها. فما أجمل هذه البساطة في قول كلود: "أكره حين أصمت فتخرج الكلمات من عينيّ، فالصمت أحياناً يأتي بمعنى ويحتاج إلى الإصغاء..". لا يمكن لأحد مهما كان أكاديمياً صارماً، أو متكابراً، أن يغض الطرف عن جمالية هذه الكلمات القليلة. حبّات من اللؤلؤ كانت مهملة، فجمعتها كلود في عقد صغير، أو سوار يلتف على اليد، فيطيب إليه النظر. التعبير يخرج من العينين، في قدسيّة اسمها الصمت... والنص "كيف لا أحنّ إليك؟" من كتاب "كلمات من أعماق الحبّ" يختصر عالم الشوق، فلا حبّ من غير حنين إلى اللقاء، ولو كان لقاء يمتنع. وفي ظنّي أن كلود من الناس الذين يعتنقون حبّ الروح لأنه خالد وأنيق. وحبّ الروح يصرخ به الصادقون والمترفّعون عن النزوات والمادّة: أحتاج إليك ولا أستطيع الاعتراف بذلك... مغرمة أنا بعالمي الخاصّ هدوئي... صمتي... ضجيج قلبي... فعالمي لا يفهمه أحد سواي أنا
ولست أدري، في هذا النصّ تحديداً، إذا كانت كلود من الذين يتقنون التمثيل في الأدب، فتتخيّل وتكتب... أو هي تقول الحقيقة عن نفسها. قد تكون أحبّت حقيقة أو تصوّرت مَن تحبّه، لكن هذا الحبّ من نوع آخر، عصيّ على التصديق...حيث تتوحّد فيه الذات مع الحبيب الغائب، وكأن الغياب هو حضور أيضاً، والتعبير يمتنع أن يصدر عن فم امرأة تدور حول نفسها وتدور من الحيرة، بحيث أنها لا تجد الكلمات التي تصوّر بها حبها، فتكتفي بالقول: كلّ كلمات الدنيا لا تملأ الفراغ حين تغيب عن عينيّ
إن التحليل النفسي لشخصية كلود ناصيف حرب في قصيدة "كيف لا أحنّ إليك؟" لهو صعب جداً، لأنّ صاحبته شخصيّة نادرة، تعشق وتحنّ من بعيد، ليصبح الحب في درجة الألم... وتريد في لحظة غضب من نفسها أن تعيش بلا قلب لكي تنجو من العذاب والحنين المتمادي: "في أوقات كثيرة نرغب في العيش بلا قلب، فالإحساس أصبح يؤلم جدّاً". ويتصاعد النص في لهجة راقية، مدهشة، تفاجئ المتلقي بمجموعة من التناقضات والمواقف المتعارضة: "أيقنت بأنّك حلم، وحلمتُ بأنّك واقع... أنا لا ألومك على الغياب، ولكن ألوم نفسي على الانتظار". في كلمات قليلة يتم كل شيء: يتم الحلم، والواقع، والغياب وانتظار طويل... والسؤال هنا: لماذا يكون الحلم بديلاً عن الواقع ويكون الانتظار بديلاً عن الغياب؟ التحليل ذاته يؤكد أن كلود تعيش في وضع التعذيب الذاتي من أجل أن يبقى الحبّ ولا يزول، والتعذيب للنفس هنا ليس مازوشياً masochist ، أي بهدف جذب اهتمام الآخرين والحصول على عطفهم بأي ثمن، لكنه تحمّل من نوع آخر، صوفيّة، وترفّع وصبر... فالهوى الجسدي سرعان ما يتلاشى، والحبّ الروحي هو الأبقى والأنقى. فلتعِش هي الحلم كتعويض عن واقع تخشى أن يصيبه الموت، ولتنتظر إلى ما شاء الله في محطة الوجود لصورة، لخيال، لرجل تحبّه وتحنّ إليه، لكنّه في الغياب يبقى وفي الحضور يتوارى... وما أجمله من تصاعد في الفكرة قول كلود: "نادوا باسمك فالتفت قلبي"، وهنا أحكّم الشعراء والنقّاد والمنتقدين وأسألهم بضمير أدبي: أليس هذا بربّكم من أجمل ما سمعتم من التعبير؟ أغار منكِ يا كلود، لأنّ هذا الكلام لك ولا تسمحين لي بسرقته... بحروف قليلة قليلة أشعلت ناراً على سطر وأحرقت كل المفاهيم الجامدة، وأعلنت من قلب النار أنّ الأدب حريّة... وأنّ الإبداع لا ينحصر بمقاييس وأزمنة، وأن لا حاجة للمبدع إلى أن يكتب كثيراً، فكلمة منه قد تغيّر وتُخيّل وتأخذنا إلى عالم بعيد وعميق. وعرسُك الأدبيّ كنتُ فيه أنا من المغامرين لا المقامرين، من المؤمنين لا المشكّكين، من الفرحين لا المتفارحين... لأنني أؤمن بقدرتك... وكثيرون بعد هذا العرس حزموا أمورهم وقرّروا أن تكون لهم أعراس، وكم جميل أن تحرّكي البحيرة الراكدة بصدى من كتاب أخضر هو كالربيع، كابتسامة الخلود. ثم تقولين وتقولين: "على توقيت ابتسامتكَ يضبط الياسمين موعد انتشار العطر"... أهذا من كلام بشر أم من كلام إلهة من عصور قديمة؟ إنّ فينوس في سحرها وجلالها حين سمعتك تقولينه، فرّت على غير هدى واعترفت بأنها خرساء باردة ولا تعرف كيف تحبّ... كما اعترفتْ بأنها لم تمنح أحداً حقّ التجول في تفاصيلها، كما منحتِ أنت ذلك الحبيب الخفيّ الذي تحنين إليه في كل مساء... وعند إشراقة كلّ صباح... فألف تحيّة لحنينك الساهر لأنّه سيّد الكلام... ورقيق كما كأس مترعة بالخمرة الطيّبة