مقابلة الأديبة مريم رعيدي الدويهي مع الأديب د. جميل الدويهي
عن مظاهر التجديد في أدبه
في 12 - 11 - 2024
*في قضيّة المدوّر العامّي أشبه والداً أنجب طفلاً وسمّاه، وأرادوا أن يأخذوه منه-
*جادلت المفكّرين والفلاسفة وقفزت على أنواع الشعر، والنثر، ولا أستقرّ على حال-
مقدّمة: يعتبر الأديب الدكتور جميل الدويهي من أهم المجدّدين في الأدب المهجريّ، فإنّه في العديد من أعماله الشعريّة والنثريّة، خرج على المألوف والشائع في الأدب، ووضع لبنة لنهضة مهجريّة ثانية، باعتراف النقّاد والأدباء عامّة. ومن أستراليا، الأرض البعيدة ليس جغرافيّاً فقط، بل ثقافيّاً أيضاً، قام الدويهي بثورة على الجمود والنمطيّة التي كانت سائدة من قبله، وكانت أستراليا قارّة معزولة، ولم يكن أحد يصدّق أن أديباً من هناك، يمكن أن يحدث تغييراً، ويثبت أن الأدب العربي الأسترالي حالة فارقة، وتستحقّ الدراسة والبحث
تحدّثت إلى الأديب الدويهي، وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة، التي قد تسهّل لنا الخوض في كتبه، واكتشاف العلامات التجديديّة والمضيئة في أعماله التي تجاوزت 62 كتاباً، مختلفة الأنواع والأنماط الأدبيّة والفكريّة والتأريخيّة والترجميّة
كيف تعرّف التجديد في منجزاتك الأدبيّة المتعدّدة؟
- علينا أوّلاً أن نفرّق بين الحداثة والتجديد، فالحداثة هي موضة، صرعة استولت على عقول الكثيرين الذين اندفعوا بوعي، أو من غير وعي إلى ما يعتبرونه خروجاً على المألوف في الأدب. وانصبّت اهتمامات أغلب الحداثيّين على قصيدة النثر، وفتحوا الباب على مصراعيه أمام جحافل لا عدّ لها، لكي تسجّل مواهبها في سجلّ الحداثة، فاختلط الحابل بالنابل. والحداثة إن لم تكن موزونة فكريّاً وفلسفيّاً، وتحتوي على قيم عالية، إنّما هي قشور، فليست الحداثة أن نرتدي الثياب الممزّقة، ونطيل شعورنا، ونواكب كلّ ما يناقض المبادئ السامية، بل ينبغي أن تكون الحداثة مضبوطة بالحكمة والتأنّي، ليبقى الأدب أدباً، ولا يتحوّل إلى فوضى – كما نرى الآن. أمّا التجديد، فيختلف كثيراً، ويمكن أن أسمّيه التحديث تحت سقف المعقول. وفي حالتي، أعتقد أنّني نجحت، فقد نظرت من حولي لأكتشف النواقص في الواقع الثقافيّ، وأضفت من عندي فروعاً لم تكن معروفة من قبل، وظللت تحت سقف القيَم التي تحدّد العلاقات الإنسانيّة. ولكي تعرفي الفرق بين الحداثة والتجديد الذي حقّقته، فقارني بين قصيدة نثريّة لا تنفع لشيء، وبين كتاباتي التي تنظّم المدينة - مدينتي، وتأخذ بيد الإنسان إلى دروب الخير والفضيلة
الحقيقة أنّ كتاباتك بحر محيط، ولا أعرف أين أبدأ، وأين أنتهي. حتّى أنّ الدارس لأدبك يحتار في أيّ موضوع يخوض. لكنّك تتحدّث دائماً عن تعدّد الأنواع الذي هو خميرة للتجديد. وهذا ما نريد أن نعرف عنه أكثر
- لقد عدّدت في الأنواع شعراً ونثراً. ومعاذ الله أن أقول إنّني تفوّقت على المدرسة المهجريّة الأولى، فأدباء تلك المرحلة، كانت أنماطهم محدودة، فلم يعرفوا شعر التفعيلة مثلاً. وطبعاً لا ألومهم في ذلك ولا أتّهمهم بالتقصير. فقد كتبوا في الأنواع المعروفة في زمانهم. وفي الأربعينيّات والخمسينيّات – أي بعد انتهاء الرابطة القلميّة، ظهرت مدارس جديدة، واتّجاهات لم تكن موجودة من قبل. وعلى الرغم من أنّني لا أدّعي النبوغ في كلّ ما كتبته، يمكنني أن أحدّد لك سبعة أنواع شعر كتبتها جميعاً، هي العموديّ، والتفعيلة، والشعر المنثور الذي أطلق عليه تسمية "نثر أو شعر"، والمدوّر، والزجل، والتفعيلة العامّيّة، والمدوّر العامّي
وفي النثر، كتبت الرواية، والقصّة القصيرة، والفكر، والتأريخ، والدراسة النقديّة، وترجمت مجموعة من الكتب. وكلّ ما أذكره لك منشور على موقعي (كتب جميل الدويهي)، لكي لا تكون هناك أيّ مبالغة من قبلي أو أحاديث خرافة، أو ما يسمّى ادّعاء
هل تعتبر أنّ ما كتبته من شعر فيه تجديد؟
ليست مهمّتي أن أحكم على نفسي. الذي يهمّني أن أقدم نصّاً مفهوماً يوصِل إلى شيء، وفي الغالب، لست مغرماً بالهذر الكلامي، والمعاني الغامضة. وإذا كان توجّهي نحو القيَم يناقض الحداثة فأنا أقبله. أمّا من حيث تعدّد الأنواع، فاسمحي لي أن أقول إنّه منذ بدء الشعر عند العرب، لم يكتب شاعر واحد مجموع الأنواع التي أكتبها. وكنت رائد الشعر المدوّر في أستراليا، وقصيدتي الأولى من هذا النوع "الصلب ملهاتي ومأساتي" نُشرت في جريدة "صوت المغترب" التي كانت تصدر في سيدني، العدد الصادر في 25 تموز 1991. وفي العام 2014، نشرت أوّل قصيدة شعر مدوّر عامّي بعنوان: بيتك حلو
هناك إشكاليّة في ريادتك للشعر المدوّر في أستراليا
- إذا كانت الإشكاليّة ناجمة عن حسد ونميمة وتجهيل وتغييب، فهذه العناصر تدلّ على ضعف أصحابها، ولا تدلّ على ضعفي. وأذكر أنّني بعدما نشرت قصيدتي "الصلب ملهاتي ومأساتي" تحدّثت إلى أحد "القيّمين" على ما يسمّى الحركة الأدبيّة في أستراليا، فقال لي فوراً: إنّ الشاعر الفلاني كتب هذا النوع قبلك، فمضيت إلى جميع الكتب التي أهداني إيّاها "الشاعر الفلاني"، فلم أجد فيها قصيدة واحدة من هذا النوع. وسألت "الشاعر الفلاني" نفسه عن المدوّر، فأجابني بأنّه لم يكتبه مطلقاً، بل كتب نوعين فقط العموديّ والتفعيلة. وبدا لي بعد تلك الحادثة أنّ هناك من يريدون أن يكونوا ملكيّين أكثر من الملك، أو من يريدون "تشليحي" امتيازاً صنعته بنفسي، وإعطاءه لمن يفضّلونه أو يحبّونه أكثر منّي. ومثل هذه المواقف التمييزيّة أساءت إلى "الأدب"، وأثارت فوضى عجيبة في التصنيف، فإذا الأوّلون آخرون والآخرون أوّلون. وتكرّرت الحادثة أيضاً - وبضراوة، بعد أن نشرت قصيدتي "بيتِك حِلو"، ونشرت معها بياناً يفيد بأنّني أوّل من كتب قصيدة "المدوّر العامّي"، وإذا ثبت لي أنّ قصيدة من هذا النوع كُتبت قبلي، فأنا مستعدّ أن أتراجع عن الريادة. واندلعت معركة من السخف لا مثيل لها، وأخذ المطبخ نفسه يطبخ المكائد، فادّعى أحد الشعراء في لبنان أنّه كتب المدوّر العامّيّ قبلي، ولم يتمكّن من نشر قصيدته كبرهان علميّ لأنّه "نسيَها في البيت"، وراح آخر يرسل رسائل نصّيّة على الهواتف، معلناً أنّني ادّعيت حقّاً ليس لي، ثمّ أرسل إليّ أحد الشعراء في لبنان مقطعين صغيرين من قصيدتين، اعتمد فيهما الشاعر على ظاهرة التدوير، لكنّ القصيدتين غير مدوّرتين، وجاء التدوير فيهما بنسبة قليلة. وعلى الرغم من عدم اقتناعي بأنّ "قصيدة" كاملة كُتبت قبلي من هذا النوع، فقد أصدرت بياناً تراجعت فيه – بشجاعة – عن الريادة. فهذه القضيّة لا تضيف شيئاً إلى منجزاتي الضخمة التي تتوالى ولا تخفى على أحد. ولكنّ ريادتي تثبت في حالتين
الريادة في أستراليا بدون منازع. فلا أحد قبلي ولا بعدي في هذه القارّة كتب هذا النوع، لا فصيحاً ولا عامّيّاً
الريادة في عدد القصائد التي كتبتها من المدوّر العامّي: 34 قصيدة، تضاف إليها قصيدة نشرتها مؤخّراً بعنوان “عا بُرج المدينه هالصوَر”. وهذا العدد لم يكتبه كلّ شعراء لبنان والمهاجر مجتمعين
إنّ مشكلتي مع "المدوّر العامّي" الذي أطلقت عليه هذا الاسم بنفسي، تشبه مشكلة والد أنجب طفلاً، وسمّاه، وربّاه. ثمّ جاء آخرون وادّعوا ملكيّة الطفل وهم لا يعرفون اسمه! وقد كلفني التراجع عن الريادة، أن أتلفت مجموعتي "عندي حنين البحر للشط البعيد"(2017) التي ذكرت في مقدّمتها أنّني "رائد المدوّر العامّيّ"، وطبعتها من جديد بعد أن حذفت هذه المعلومة
أنت من أدباء قلّة عاشوا في المغتربات، وتناولوا في أعمالهم المجتمع الجديد. هل المدرسة الأولى فعلت ذلك؟
- حسب علمي، لا. ربّما كُتبت نصوص قليلة، تطرّق فيها أصحابها إلى بعض المظاهر المحلّيّة في بلدان الاغتراب. أمّا أنا، فنشرت رواية كاملة عن أستراليا، هي "الإبحار إلى حافّة الزمن"، وأصدرتها باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، وحشدت فيها مجموعة كبيرة من الحقائق والوقائع من المجتمع الأستراليّ، فبدوت وكأنّني أديب أستراليّ، ليس فيه شيء من اللبنانيّة، ما عدا أنّ البطل ريتشارد في الرواية من أصل لبنانيّ. وهذه الرواية تختلف موضوعاً عن جميع رواياتي الأخرى "الذئب والبحيرة"، "طائر الهامة"، "حدث في أيّام الجوع"، "بلطجي بيروت"، "ابن الصبحا"، "هيلانة صور”، "لكي لا تغيب الشمس – قدموس وهارمونيا"… فهذه كلّها تعالج قضايا لا علاقة لها بالمغترب الأستراليّ... وقد تنامى اهتمامي بالثقافة الأستراليّة، فكتبت مجموعة قصص قصيرة من أساطير السكّان الأصليّين، بعنوان "حكايات جدّة أبورجينيّة"، وكتاباً آخر عن قصص المستوطنين البيض الأوائل، بعنوان "أصوات من تيرا أوستراليس". وكانت قمّة اهتمامي بالأدب الأستراليّ، عندما نشرت دراسة أكاديميّة بعنوان "التأثيرات الشرقيّة والأسطوريّة في بواكير الشعراء الأستراليّين – نماذج هاربر، غوردون وكيندال"، وترجَم الكتاب فور صدوره الدكتور إميل شدياق إلى الإنكليزيّة
وهذه الكتب الأربعة – الإبحار إلى حافّة الزمن، حكايات جدّة أبورجينيّة، أصوات من تيرا أوستراليس، التأثيرات الشرقيّة والأسطوريّة في بواكير الشعراء الأستراليّين- تمثّل بحدّ ذاتها تفرّداً غير مسبوق في أدب المهاجر، فلم يسبق لأيّ أديب مهجريّ، لا في المدرسة الأولى ولا في الثانية، أن كتب هذا الكم من الكتب التي تعالج مواضيع محلّيّة، إضافة إلى مقالات عن الأدب والتراث الأستراليَّين، وترجمات لنصوص أستراليّة تظهر تباعاً في مجلّة "أفكار اغترابيّة – أدب وثقافة". وإذا كان الحنين إلى الوطن قد طغى على كتابات المهجريّين الأوائل، فإنّني لا أنكر أنّه حالة موجودة عندي، لكنّني لا أستسلم لها، وأنظر من حولي فأرى مجتمعاً جديداً أعيش فيه، وعليّ أن اسخّر قلمي – على قدر ما هو مستطاع- من أجله
أعمالك الفكريّة تدلّ عليك وعلى المدينة التي ترغب في تأسيسها. فحدّثنا عن تلك الأعمال
صبغتْ الأعمال الفكريّة مشروعي "أفكار اغترابيّة للأدب الراقي"، وأسبغتْ عليه قيمة حضاريّة، وفرضت الكتب الفكريّة المتتاليّة جوّاً جديداً لم يكن معهوداً من قبل، وأنتجت صدمة قد تطول تردّداتها. فقد كان الأدب في أستراليا يقوم على الزجل والتفعيلة العامّيّة، والشعر العموديّ والتفعيليّ، والشعر المنثور. ولا أنكر أنّ هناك محاولات للخروج من دائرة الشعر، لكنّها لم تكن ذات صدى كبير. وعندما أنشأت "أفكار اغترابيّة" كان النثر أحد أعمدة المشروع، بفروعه: القصّة القصيرة، الرواية (نوفيلا)، التأريخ، البحث الأكاديميّ، وفي القمّة الفكر. لماذا أقول في القمّة؟ لأنّكِ لو نظرت إلى كتابات جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، لوجدت أنّ القيم الفكريّة طاغية على تلك الكتابات. وقد تفوّق أدباء المهجر الشماليّ على نظرائهم في أميركا اللاتينيّة بالمحتوى الفكريّ. والشعر المهجريّ في نظري هو أقلّ أهمّيّة من الفكر. ولا ينقصنا شيء في أستراليا أن نكون روّاداً في نشر القيم الفكريّة، طالما نحن نتعلّم ونأخذ من السابقين، ونواكب تطوّر العالم من حولنا، والثورات الصناعيّة والإلكترونيّة، ووسائل التواصل الاجتماعيّ، ونغربل ما يقع تحت أبصارنا، ومايجب أن نمارسه أو نرفضه في الحياة
نحن في أمسّ الحاجة الآن إلى توعية الناس، فيما تسود مفاهيم غير طبيعيّة، لم تكن سائدة في عهد جبران ونعيمة. فكلّ شيء الآن يتّجه إلى التدمير الممنهج للأخلاق والمبادئ السامية، فأين هم شعراؤنا من كلّ ذلك؟ وهل يستطيع الشعر كوعاء أن يحتوي هذا الخضمّ الهائل من الإشكاليّات الحضارّية، والتهديدات المباشرة للدين والأخلاق والرؤى النبيلة؟
كان "في معبد الروح" أوّل أعمالي الفكريّة، ويحتوي على عظات في مواضيع وجوديّة وإنسانيّة عابرة للحدود. وظنّ الكثيرون أنّ هذا الكتاب لن يتكرّر، أو كما يقولون "فلتة شوط"، لكنّني ترجمته إلى الانكليزيّة في العام التالي، وأصدرت توأمَه "تأمّلات من صفاء الروح"، وترجمته أيضاً إلى الانكليزيّة… وكرّت السبحة: “رجل يرتدي عشب الأرض"، "هكذا حدّثتني الروح"، "بلاد القصرين"، "أفكار خارج العزلة"، "في ظلال الروح"، "جريحاً أغنّي كي لا يطفئوا الشمس"، "المتقدّم في النور"، رؤى من أجل مدينة بعيدة". وترجمت نصوصاً فلسفيّة من بعض كتبي إلى الانكليزيّة بعنوان "نصوص فلسفيّة"، كما ترجمتْ الأديبتان آمنة ناصر وسيلفيا يوسف الخوري نصوصاً إلى الفرنسيّة… والعدد لا يهمّ في اعتقادي، فما يهمّني المواضيع التي طرحتها، وناقشتها، وخرجت بخلاصات أساسيّة. وقد جادلت المفكّرين والفلاسفة، مثل أفلاطون، وأرسطو، وجبران، ونعيمة، والريحاني، وغوته، وروسو، ونيتشه، وشوبنهاور… ولست هنا في معرض الخوض في التفاصيل لأنّ الكمّيّة ضخمة، والقيَم كثيرة جدّاً، ويمكن لأيّ مطّلع استخلاصها، ليكوّن فكرة عن المدينة التي أريدها، وأسعى إليها
هناك ظاهرة مهمّة في كتبك الفكريّة، هي تسخيرك للقصّة القصيرة التي تملك مقوّماتها، لنشر أفكارك بطريقة جاذبة ومحبّبة. هل تعتبر هذا تجديداً أيضاً؟
بالتأكيد. لقد سبقني جبران خليل جبران إلى القصّة القصيرة التي تحمل مضامين فكريّة، والريحاني فعل ذلك بنسبة أقلّ. أمّا أنا فقد جعلت هذه الطريقة خطّاً مألوفاً، منذ "في معبد الروح" (2015)، حتّى "رؤى من أجل مدينة بعيدة" (2024)، أحاول أن أوصل رسالتي بطريقتين: الوعظ والقصّ. والأوّل قد يُشعر المتلقّي بالضجر، لكنّ الثاني ممتع، وله نكهة خاصّة جاذبة. الأقصوصة هنا بالتحديد ليست مادّة للرواية، بل وراءها مجموعة من الأسس البنائيّة التي أحرص على تظهيرها. وربّما يستهلك الحديث عن هذه الناحية بالذات أكبر قدر ممكن من الكلام، لو سمحت لي. فلنأخذ مثلاً أقصوصة نشرتها قبل أيّام بعنوان "الجنديّ والغراب"، فهي كناية عن حوار بين جنديّ على شفير الموت في الصحراء، وغراب يمثّل الشؤم في عيون البشر. هذا الحوار ليس للترفيه، بل لإظهار فكرة السلام الذي أؤمن به لإنقاذ البشريّة ممّا تعانيه. وقد أكون كرّرت العديد من الأسس التي أؤمن بها، لكن لا بأس في ذلك خصوصاً في الفكر، لكن في كلّ مرّة أتناول الموضوع من زاوية مختلفة
وقد يكون مفيداً نأ أقدّم أمثلة عن تحويلي للأقصوصة إلى عربة نقل أحمل عليها مضامين فكريّة، بعيداً عن الكلام المباشر. ففي كتاب "بلاد القصرين" كتبت نصّاً بعنوان "عندما غضبت نفسي" (ص 12)، بيّنت فيه التوازن بين الروح والجسد، فتحدثت عن رجل كانت عنده آلة موسيقيّة أراد أن يبيعها، فأخذها إلى متجر للتُّحف القديمة، وعرضها على صاحبه، فسأله صاحب المتجر: هل تريد أن تبيعها من غير الموسيقى التي في داخلها؟
فأجاب الرجل: نعم، أبيعها وحدها
فقال صاحب المتجر: أعطيك ديناراً واحداً
وإذا أردت أن أبيع الموسيقى وحدها؟
أعطيك ديناراً واحداً أيضاً
عند ذلك حكّ الرجل رأسه، وقال: أبيعهما معاً، فكم تدفع لي؟
فقال له التاجر: أدفع لك مئتي دينار
هذه الحواريّة تؤكّد على تناغم الروح (النغم)، والجسد (القصبة)، فأحدهما من غير الآخر زهيد، أمّا وجودهما معاً فعظيم الأهمّيّة
في كتاب "أفكار خارج العزلة" ص 8، هناك أقصوصة بعنوان "العابدون لأنفسهم"، تتصدّى للملحدين، وتثبت لهم أنّهم لا يستطيعون تقديم برهان على زعمهم بعدم وجود الله. وفي الكتاب نفسه، ص 71، قصّة قصيرة بعنوان "خطيئتي" تؤكّد أنّ الإنسان لا يخلو من الخطيئة مهما اجتهد وأراد أن يكون صالحاً ونقيّاً. وفي كتاب "هكذا حدّثتني الروح"، ص 46، أقصوصة بعنوان "مؤمن وكافر" ترفض اتّهام إنسان بالكفر إذا كان جاهلاً للديانات. وفي "رجل يرتدي عشب الأرض"، ص 36، واحدة من أجمل القصص القصيرة التي كتبتها في حياتي، بعنوان "امرأة تعرفني"، أبرهن فيها التوازن بين الليل والنهار، فهما متكاملان: النهار ظلام يختفي، والليل نور يخبو
وفي كتاب "تأمّلات من صفاء الروح" أقصوصة بعنوان "العباقرة الأربعة"، ص 63، أجادل فيها جبران خليل جبران، ونيتشه، وغوته، وأمين الريحاني، في قضايا يطرحونها، وأبرهن خطأها من خلال أمثلة
وهكذا أستخدم الأقصوصة لتحقيق غايات فكريّة أصبو إليها
المذاهب الأدبيّة، أين أنت منها؟ وكيف أضفت في هذا المجال؟
لا أعتقد أنّ مذهباً أدبيّاً عرفته البشريّة، لم أكتبه، فالكلاسيكيّة موجودة في ثلاث روايات لي: “ابن الصبحا"، "هيلانة صور"، و"لكي لا تغيب الشمس - قموس وهارمونيا"، والرومنطيقيّة تنبض في كثير من قصائدي، والواقعيّة في روايات "الذئب والبحيرة"، و"حدث في أيّام الجوع"، و"بلطجي بيروت"، وفي العشرات من قصصي القصيرة. وقد مزجت بين الواقعيّة والرمزيّة في قصصي القصيرة أيضاً، وهو ما يُعرف بالرمزيّة- الواقعيّة، بحيث لا تكون الرمزيّة غامضة، بل تؤدّي إلى مفهوم واقعيّ. وقد تتعجّبين إذا قلت إنّني استخدمت الدادائيّة، خصوصاً في "حاولت أن أتبع النهر… النهر لا يذهب إلى مكان” وهو مجموعة من الشعر المنثور. ولا أخجل من الدادائيّة لأنّني لست مثل الذين أطلقوها في أوروبا في الربع الأول من القرن العشرين، فلست أدخّن، ولا أشرب الكحول، ولا أتعاطى أيّ مخدّر، وأحترم القيم التي تربّيت عليها، والدادائيّة ليست حكراً على المهلوِسين. ومن النصوص الدادائيّة، من كتاب "رجل يرتدي عشب الأرض" ص 34، نصّ بعنوان "أنا أكتب وهم يتكلّمون"، أقول فيه
"عَليّ أن أضيء لهم، أن أكون بابور كاز، شاحنة نقل، أحملهم على ظهري، صعوداً وهبوطاً. كلّما سعلوا أمجّدهم، كلّما ناموا وقاموا إلى الصلاة. كلّما تلعثموا أصفّق لهم. أعمل مُصفّقاً بأجْر معقول
يسيطرون عليّ بالسحر والتنجيم. يتمتمون بكلمات لا أفهمها.نسيت فقه اللغة. نسيت أنّني تعلّمت اللغة. كتابتي باطون، أعمدة من خشب، أصباغ للأحذية
يحتجزونني في علبة، يحرقونني بالأسيد. يضعون عليّ شروطاً لآكل من أرغفتهم، لكنَّني آكل الأرغفة وألتهم الشروط
غير قادر على الصمت. ضفدعة في بركة. محرّك ديزل لا يتوقّف عن الهدير. الريح قامتي، والبرق من معجزاتي
أقول للأعمى أعمى في عينه. أقول للبحر: أنا أنزلتك عن يدي طفلاً
وكبرتَ في غمضة عين. لو علِمت أنّك ستصبح مشاغباً، كنت أعطيتك
لساحر. كنت أنقذتك من المدّ والجزر. كنت علّقتك في خزانتي وارتديتك في ليلة العيد
هذه اللغة بعيدة كلّ البعد عن أجواء الأدب المهجريّ. ولو قرأتُ هذا النصّ لأحد، لاعتبره نوعاً من التخريف، والمشكلة الأعمق هي أنّ مشتغلين بالأدب هنا، لا يعرفون أنّ هذا النوع موجود
أمّا السورياليّة، فهي وريثة الدادائيّة، ولم تنجُ منّي أيضاً. ففي كتاب "صمت الغابة"، ص 81، أقصوصة بعوان "الخير فقط" أصوّر فيها أنّني في مصعد، والمصعد يخترق سقف البناية، ويحطّ على الغيم، وهناك أواجه امرأة، ويدور حوار بيني وبينها... حوار فلسفي عميق عن الخير والشرّ
وفي كتاب "في ظلال الروح" أقصوصة أخرى بعنوان "جنون"، ص 17، هي قمّة سورياليّتي، ولو جمعتِ المفارقات الغريبة التي فيها، لصلحت أن تكون موضوعاً لرسم فوضويّ، يعبّر عن جنون عالم بأكمله
وفي الكتاب نفسه، نصّ آخر مشابه، ص 52، بعنوان "مشاهد من أحلام غير عاديّة". وعنوانه يكفي ليدلّ على أنّه سورياليّ
هذا التنوّع مرهق لك بكلّ تأكيد
- بالطبع هو مرهق. فما أهنأ الذي يكتب نوعاً واحداً! أنا أقفز على أنواع الشعر، والنثر، ولا أستقرّ على حال. ولا يمضي يوم لا أكتب فيه. وما يتعبني أكثر هو أنّ كلّ نوع يتطلّب لغة مختلفة، فالزجل يختلف لغة عن لغة الشعر المنثور، والمدوّر يختلف عنهما، ولغة الواقعيّة تختلف عن الرمزيّة، وهذه تختلف عن السورياليّة. ولكن القلائل فقط يشعرون بمقدار الصعوبة، أو تعمّدوا بنارها. وما أسهل القول إنّ فلاناً مبدع. وعندما تقتربين من أعماله تجدينها أقلّ من عاديّة. لكنّ المجد لمن لا يكتبون
الإعلامية العراقية عائدة السيفي تجري مقابلة مع الأديب الدكتور جميل الدويهي، نشرت في عدة وسائل إعلامية، منها مجلة النجوم الأسترالية في عدد شباط 2024
عملت مدرّساً في معاهد لبنانيّة، وفي معهد مار شربل – سيدني، وأستاذاً متفرّغاً ومنسّقاً لقسم اللغة العربيّة، في جامعة سيّدة اللويزة – لبنان بين عامي 2006-2013. وخلال تنقلاتي بين لبنان وأستراليا، عملت في الإعلام: جريدة صوت المغترب، الإذاعة العربية 2000 إف إم، التلفزيون العربي – القنال 31، جريدة الديار اللبنانية، وحالياً أعمل مديراً لتحرير جريدة المستقبل- سيدني.
س-3 ما هي نشاطاتك حالياً؟
ج- 6: بلغ عدد كتبي 60 كتاباً، مختلفة الأنواع، ففي "أعمدة الشعر السبعة" أثبت 7 أنواع شعر أكتبها. وفي دواوين أخرى مثل "كلما طلعت عا خيمتي"، و "قصايد عا قزاز الشتي" كتبت الشعر العامّيّ. وفي "عندي حنين البحر للشطّ البعيد" كتبت الشعر المدوّر العامّي، وفي "حاولت أن أتبع النهر… النهر لا يذهب إلى مكان" نشرت الشعر المنثور. هذه أمثلة اخترتها من الدواوين. أما في القصّة القصيرة، فنشرت "من أجل الوردة"، "أهل الظلام"، "صمت الغابة”... وفي الرواية "الذئب والبحيرة"، "طائر الهامة"، "الإبحار إلى حافّة الزمن" (نشرتها باللغتين)، "حدث في أيّام الجوع"، "بلطجي بيروت". وفي الفكر نشرت 12 كتاباً، منذ "في معبد الروح"، "تأمّلات من صفاء الروح"، "رجل يرتدي عشب الأرض"، بلاد القصرين"، حتّى "المتقدّم إلى النور". وصدر لي كتاب فكريّ باللغة الإنكليزية بعنوان "أفكار فلسفيّة"، وتُرجمت مجموعتان من أعمالي الفكرية إلى اللغة الفرنسية بقلمَي آمنة ناصر وسيلفيا يوسف خوري. وفي قصص الأطفال، نشرت لي دار أبعاد الجديد – لبنان ثماني قصص في سبعة كتب، أذكر منها "العجوز والفتى إبراهيم"، "الأحلام الغالية"، العازفة شهرزاد"… وفي الأكاديميا، نشرت مؤخراً دراسة عن ثلاثة شعراء أستراليين قدامى، ترجمها إلى الانكليزية الدكتور إميل شدياق… هذا مختصر قدر الإمكان.
ج-7: كلّ يوم عندنا جديد. أنا منهمك الآن في وضع اللمسات الأخيرة على رواية "ابن الصبحا"، وفي العام 2024، لديّ مجموعة من الإصدارات – كالعادة- سأكشف عنها تباعاً.
وتسألين سيدتي الفاضلة عن قصيدة يحبها الجمهور. هناك عديد منها، لكن أشعر أن واحدة من الشعر العموديّ، تعود إلى أوائل التسعينات من القرن الماضي، تحصد دائماً موجة من الإعجاب. وأتركها لحضرتك لتختاري الأبيات التي تعجبك:
تفهَّمي صمتي
أتحبُّني؟ كـــم مــــــــرَّة هـــــــذا السؤا لُ سمعتُهُ، ورفضــــــــــــــتُ أن أتكلَّمــا...
إن قلتُ: لا، وقــف الزمـان مكانَهُ، والعمرُ حاصـــــــــــــــــــره الظلام، فأظلما...
الـحـبُّ شيء لا يـفسِّره الــــــكـَـــــلا مُ، فلست أملِك حـــــــــــــــين يملكني فَما!
الحبُّ أوجــــــــــــــــــدني، وكنت خـرافةً، والحبُّ أسعــــــــــدنـــي، وكنت محطَّما
وهـــو الذي أحرقتُ فيه أصابـعي ودخلتُ فــــي أوجـــــــاعـــــــــــــــــــــــــــــه مترنِّما
كنت الغـــــريبَ، فضمَّني بجناحــــــه، حتَّى نسيتُ الــــــــــــواقـــــــــــــــــــع المتأزِّما...
إن قيلَ: ضاعت فـي البحار مـــــــــــــراكبي فأنـا أمــــرتُ البحـر أن يتحكَّما...
وأنـــــا الذي مـــــــا كـــــان ينبض قلبه، فإذا بـــــــه في الحبِّ صــــــــــــار معـلِّـمـا
من عشب عينيك اخترعتُ حديقتي، وصنعتُ مـــــــــــــــــــــن ذهب الأساور أنجُما
ونشرتُ ثوبَكِ فــــــــي الـــــربيـــع، كأنَّـه بستانُ ورد للفـضـــــــــــــــــــاء تبـسَّمـا...
إنـِّي أحبُّكِ فـــــــي بــــــــراءة شاعـــر، فتقـبَّـليـنـي حــــــــــــــائـــــــــــراً، متلعْثما!
وتفهَّمي صمـــــــــتي، فإنـِّي كاهــــــــــــــــنٌ فـي قلبه صـــــــلَّــى عليكِ، وسلَّـما...
إنْ كـــــان يُجْــــــدينا الـكـلام، فإنَّـنـي دوماً أحبُّكِ، يـــــــــا وجودي الأعظَمـــــــــــــا!
يـــــــومٌ وحيـدٌ لــــــــــــــــــــن أحـبَّـكِ بـعــــدَه: لـمَّـا تــــزول الأرض، أو تقعُ السمــــا.
رميتُ عمري إلى الأمواج
كتبتُ عنكِ، فخانتْني كتاباتي وضاعَ منّي بَريدي في المتاهاتِ
أقيسُ بالشبر أيّامي، فقد كبرتْ وما خرجتُ أنا من قعْر خيباتي
عندي شعورُ القناديلِ التي انطفأتْ ولي جروحٌ على عشب المسافات...
وكم أحِنّ إلى زيتون قريتنا ونكهةِ البُنّ في تلك المساءات!...
طفولتي لم تزل تجري، فألحقُها فكم ركبتُ خُيولاً من خيالاتي!
وشتلةُ الورد أسقيها، فتضحك لي وتسكب العطرَ في مجرى مساماتي...
ولا يزال هنا... العصفورُ يسألُني: متى الرجوعُ إلى قمحِ الصباحات؟
ما قلتُ إنّي غريبٌ، ساكنٌ قَفصًا ولا أرى الشمس في أرض الخرافاتِ...
أمشي وتمشي معي الذكرى، فأمنعُها ولو تغيبُ، تراءت فوقَ مرآتي…
وكم كذبتُ على نفسي، وما علمتْ! وكم فشلتُ بأدوار البطولات!
هل يخْبرُ البحرُ عنّي، أين ودّعني؟ وكيف ألقيتُ في المجهول مرْساتي؟
وكيف أوجدت خلف الغيم لي وطناً أضيعُ فيه بأرجاءٍ، وغاباتِ؟!
يا صوتَ فيروزَ، أرجعْني إلى وطَني حيث الحقولُ تنادي للفراشاتِ
وحيث راقصتُ من أحببتُها، ورمتْ عليّ شالاً رقيقاً في العَشيّات
وقبّلتْني وراء البيت، فانفلتتْ لآلئُ العقدِ حبّاتٍ وحبّاتِ...
وخصرُها من رخامٍ، قلتُ حين مشتْ: لعلّه تحْفةٌ من صُنع نحّات!...
يا ليتَني كنتُ تفّاحاً على يدها وما انتهتْ بيننا أغلى الحكاياتِ…
رميتُ عمري إلى الأمواجِ، فانكسرت سفينتي، واكتشفتُ الموتَ في ذاتي.
ج- 12: لبنان هو الأصل. كل الجمال والشعور بالانتماء. وأستراليا الوطن الثاني الذي أحبّه وأحترمه وله كلّ الوفاء. كلاهما في كفّة تتوازى مع الأخرى. وكلّ وطن له حسناته، على الرغم من ميلي الفطريّ إلى أرض الولادة، وملاعب الصبا.
ج- 13: كلّ الأمل بالجيل الآتي، والعالم يمضي قدماً إلى الأمام. ومَن غير الشباب قادر على النهوض به؟ نصائح أربع لديّ لكلّ شابّ وشابّة: العِلم، الوعي، محبّة الإنسان إلى أيّ معتقد انتمى، والسعي من أجل السلام في عالم مصاب بجنون الحروب.
ج- 14: صحيح أنّ الحياة تكتنفها صعوبات وإخفاقات. لكن لا أعترف بالسقوط من جرّاء الصدمة. فالمقاتل الجريء يقتحم المعركة ولو بيد واحدة. والطيور لا تطير إلى الوراء – كما أقول في كتابي "في معبد الروح". لذلك أعتز بنجاحي، وأتعلّم دروساً من الإخفاق، لكي أنتصر. والنجاح لا يكون اختياراً إلاّ عند الضعفاء، أمّا عند الأقوياء، فالانتصار قدر، والخيار الآخر هو اللاحياة.
س-15: هي إبداعاتك المتميزة؟ وهل حصلت على تكريم أو شهادات تقديرية من أين؟ وكيف؟ ومتى؟
ج- 15: الناس هم الذين يحكمون على أعمالي المتميّزة. ولو حكمت عليها، لاحترت في أيّ مجال. أما الجوائز التقديرية فعندي منها الكثير، وأحملها في أسفاري. ولكن منذ العام 2015 تقريباً، لا أحصل على جوائز، وذلك بعد إطلاق جائزتي "أفكار اغترابيّة" للأدب الراقي.
س- 16: هل لديك كلمة تحبّ أن تضيفها على الرحب والسعة؟
ج- 16: بالطبع هي كلمة شكر وتقدير لك حضرة الأستاذة العزيزة عائدة السيفي، ولجميع وسائل الإعلام التي ستنشر هذه المقابلة. وسنخصّها بالشكر في حينه. الرب يوفق الجميع.
مقابلة الإعلامي في إس بي إس عربي الأسترالية، علاء التميمي
مع الدكتورين جميل الدويهي وإميل الشدياق
حول كتاب التأثيرات الشرقية والأسطورية في بواكير الشعراء الأستراليين
الدويهي: تأكيد التنوّع غير المسبوق في أفكار اغترابية
الشدياق: ترجمت حوالي 40 صفحة في اليوم الأول
أجرى الإعلامي في إذاعة إس بي إس عربي أستراليا الأستاذ علاء التميمي مقابلة مع الدكتور جميل الدويهي، مؤلف الدراسة الأكاديمية الفريدة من نوعها "التأثيرات الشرقية والأسطورية في بواكير الشعراء الأستراليّين"، ومقابلة أخرى مع مترجم الكتاب إلى الانكليزية الدكتور المبدع إميل الشدياق. وقال الدويهي في المقابلة إن الكتاب هو خلاصة لشعر ثلاثة أستراليين قدماء، هم تشارلز هاربر، آدم ليندسي غوردون وهنري كيندال. وهؤلاء نماذج عن شعراء أستراليين تأثروا بالأسطورة الشرقية، وكتبوا قصائد تستوحي هذه الاساطير، وتربط بين الأدب الأسترالي وتلك الاساطير الغنية بالرموز والمعاني الغيبية. "وبدأت فكرة الكتاب عندما كنت أصدر مجلة أفكار اغترابية في عشرة أعداد منها، وكنت أترجم نصوصاً لشعراء غربيين، فوقعت على بعض القصائد لشعراء أستراليين قدماء هم الثلاثة الذين ذكرتهم. ولفتني أنهم سبقوا توماس إليوت صاحب "الأرض الخراب" التي أثرت في الشعراء العرب منذ العام 1922وما بعد. وقلت: لماذا لم يستوحِ الشعراء العرب من هؤلاء الشعراء الأستراليين مثلاً، وهم أسبق من إليوت"؟
أضاف الدويهي: الغريب أن شعر أليوت وصل إلى الشرق بعد الحرب العالمية الأولى، أماّ الشعراء الاستراليون هؤلاء فإن شعرهم لم يصل الى الشرق، على الرغم من أنهم كتبوا كتبوا قبل إليوت بأكثر من ثلاثين عاماً. من هنا قررت أن أصدر كتاباً عن هذه النقطه بالذات، التأثر بالأساطير والتراث الشقي لدى شعراء أستراليين قدامى. والكتاب صدر أصلا ًباللغة العربية، وقام الدكتور الصديق إميل الشدياق بترجمته الى اللغه الانجليزية في هجرة معاكسة، فقد كان من الأفضل أن يُكتب بالانكليزية وينقل إلى العربية. وسارع الدكتور الشدياق مدفوعاً بإعجابه بهذا الكتاب إلى ترجمته، فكان هدية مزدوجة باللغتين في وقت متقارب جداً
وقال الدويهي: اللافت أن هؤلاء الشعراء الثلاثه لم يحظوا بكثير من الاهتمام في النقد الأسترالي، فقلما نقع على دراسة أو كتاب أو حتى مقالة صغيرة عنهم، فكان الكتاب هذا سابقة، ولم يكن لديّ مصادر كثيرة أعتمد عليها
وسأل التميمي الدويهي عن جهوده لتعميق الادب المهجري الراقي من خلال مشروعه الرائد أفكار اغترابية، وهل هذا العمل الفريد هو تعبير وعربون تقدير لشعراء أستراليين غير معروفين لدى ابناء الجالية العربية في استراليا، وكأنك تريد أيضاً أن تعطي صبغة تقديرية من الجانب العربي الى الجانب الاسترالي وانت تعيش في استراليا؟
أجاب الدويهي: نعم. هذا من الأهداف المحددة للكتاب. طبعاً الهدف الأول هو توصيل المعلومة، والهدف الثاني هو التأكيد على أفكار اغترابية وتنوعه غير المسبوق شعراً ونثراً ورواية وقصة قصيرة وفكراً وتأريخاً، وباللغتين. "وألفت إلى أن هذا الكتاب هو الثالث من سلسله كتب صدرت عن الأدب الأسترالي من أفكار اغترابية، الأول هو "حكايات جدّة أبورجينيية"، الذي وثقت فيه مجموعه كبيرة من الأساطير الغنية من التراث الابورجيني الاسترالي. وهو أول كتاب عربي على الإطلاق في هذا الموضوع، والثاني هو "أصوات من تيرا أستراليس" الذي جمعت فيه باقه من قصص المستوطنين البيض الأوائل في استراليا، والحكايات الغريبة التي حدثت في ذلك العصر. وجاء كتاب التأثيرات الشرقية الأكثر أدبيه وأكاديمية، وهو مؤلف من حوالي 19,000 كلمة بالعربية، وحوالي 21,000 كلمة بالانجليزية. وهذا في المنطق الجامعي يعادل دراسة دكتوراه... إذاً هناك عده عصافير بحجر واحد تقصدنا أن نصيبها في هذا العمل
وأشار الدويهي في المقابله إلى أن الجلسة الحوارية حول الكتاب ليست عامة، وليست كالمهرجانات التي يقيمها كل عام في سيدني أو في ملبورن ، بل هي مناسبة تقتصر على الضيوف المشاركين وأصدقاء، وتتضمن مطالعات نقدية من أستراليا وخارجها، مشيراً إلى أن النقد يضيء الطريق، فربما نحن نرتكب أخطاء في المسيرة، وربما نقول شيئاً غير صحيح. ووظيفة هؤلاء الأساتذه والنقاد المشاركين أن يصححوا لنا، ويعبروا عن بعض الافكار التي قد نكون سهونا عن طرحها
وقال الدويهي: الأصل في الترجمة أن تخرج من الذات وليس بطلب من المؤلف. وكنت في أحدى الامسيات، فالتقيت بالدكتور إميل الشدياق وأهديته نسخه من كتابي باللغه العربية، وعدت إلى البيت، ولم يمر يوم أو يومان حتّى اتصل بي هاتفياً، وعبّر لي عن إعجابه الكبير بهذا الكتاب، وفاجأني بأنه ترجم عدداً كبيراً من الصفحات في يوم واحد. وأذهلني أنه استطاع في هذه الفترة القياسية أن يترجم حوالي 40 صفحة. ثمّ أردف بالقول إنه سيُتم ترجمة الكتاب، وهكذا كان. فالرغبة في الترجمة نتجت عن إعجابه بالمضمون الذي ربما قرأه لأول مرة في أستراليا
الدكتور إميل الشدياق قال في المقابلة إن الصديق الدكتور جميل الدويهي أهداه كتاباً عن التأثيرات الشرقية والاسطورية في بواكير الشعراء الأستراليين. مضيفاً: وجدتُ الدراسة الاكاديمية فريدة من نوعها، وأهمية الكتاب انه أول دراسه أكاديمية عن ثلاثه شعراء استراليين قدامى تأثروا بالاساطير الشرقيه. ومن الضروري نقل هذه الدراسة إلى القراء في الغرب ليطلعوا على مدى ووقع التأثيرات الأسطورية الشرقية على الأدب والشعر في أستراليا، والطريقة الوحيدة لنقل هذه الرسالة هي الترجمة. وهكذا كان، فابتدأت مسيرتي مع الكتاب إلى أن تمت الترجمة ونُشر الكتاب باللغة الانجليزية
وقال الدكتور الشدياق إن المترجم يجب أن يكون ضليعاً باللغتين العربية والانجليزية، وهو لم يجد صعوبة في نقل الكتاب، لأنه تعمق بدراسة اللغة العربية واللغة الانجليزية معاً. إنما كان هناك شغف وحب، وعنوان الكتاب "التأثيرات الشرقية والاسطورية في بواكير الشعراء الأستراليين" جعل فكرة الترجمه تلمع في رأسي بتأثير محوري ونفسي، وما إن بدأت بقراءه الكتاب حتى أخذت بالترجمه فوراً، كأنني كنت على موعد مع الكتاب، فترجمت حوالي 40 صفحة دون توقف في اليوم الأول وخلال بضع ساعات ولم أصدق ما حدث. والدافع هو الموضوع الشيّق وبراعة النص وبلاغة الاسلوب في كتاب الدكتور جميل الدويهي
وقال الدكتور الشدياق إنه عندما بدأ ترجمة الصفحات في اليوم الاول لم يكن بإمكانه التخلي عن قراءة الكتاب، لأنه وجد أن من الضروري ان يعرف الغرب ما كتب الشعراء الاستراليون الذين تأثروا بالاسطورة الشرقية
وأضاف: كنت على اتصال مع الدكتور جميل الدويهي دائمًا، وسألته عدة مرات عن بعض التعابير وماذا يعني بالضبط، واستيضاح بعض النقاط، لكي أنقل الصوره كما هي إلى النص الانجليزي
وعن خلفيه ترجمته الأدبيه قال الدكتور الشدياق إنه يترجم الشعر الموزون المقفى وينقله إلى الانجليزية أيضًا على الوزن والقافية. وهذا أمر صعب جداً. ولكن ما يساعده على ذلك هو أنه يكتب الشعر بالانجليزية والعربية والفرنسية، وهو ما سهّل عليه مهمة الترجمة
جميل الدويهي يفصل بين الكتابة والأدب والفكر
في مقابلة مع الإعلامية الصديقة ندى فريد - إذاعة صوت سيدني، أوضح الأديب د. جميل الدويهي الفرق بين الكتابة والأدب والفكر، واضعاً حدّاً للفوضى التي تسود الساحة الأدبيّة، حيث أصبح كلّ من يكتب أديباً، من غير مقاييس علميّة تثبت انتماءه إلى الأدب
المقابلة كانت قبل أيّام قليلة من احتفاليّة الأدب الراقي السادسة يوم 8 آذار 2023، وبالمناسبة أكد الدويهي أّنّ ليله موصول بنهاره، وليس عنده دقيقة راحة. ومن ضمن هذا الجهد كان التحضير للاحتفاليّة، خصوصاً أنّه صدرت عن أفكار اغترابيّة 6 كتب في غضون شهرين، وعُرض في الاحتفالية 40 كتابًا دفعة واحدة، في ظاهرة هي الأولى على الإطلاق
وشرح الأديب الدويهي عن روايته الخامسة "بلطجي بيروت"، وعن محتواها والحادثة التاريخيّة التي استندت عليها، وقال إنّها من نوع "النوفيلّا" أي القصّة، وليست رواية طويلة، فهو لا يميل إلى الروايات المملّة التي تأخذ وقتاً طويلاً لقراءتها. مضيفاً عبارته الشهيرة التي يكرّرها دائماً: المجد لمن لا يكتبون
كما تحدّث عن عمله الأكاديميّ المهمّ "التأثيرات الشرقيّة والأسطوريّة في بواكير الشعراء الأستراليّين"، وقال إنّه عاش مع الشعراء القدامى تشارلز هاربر، وآدم ليندسي غوردون، وهنري كيندال، واكتشف عندهم تأثيرات شرقيّة سابقة لـ "الأرض الخراب" التي كتبها توماس إليوت. وهذه الأخيرة أثّرت في الشعراء العرب تأثيراً كبيراً. وللأسف فإنّ أعمال الأستراليّين لم تصل إلى الشرق. وقد كُتب عنها القليل جدّاً، حتّى في أستراليا نفسها
وعن الفرق بين الكاتب والأديب والمفكّر، قال: إنّ صفة أديب تنطبق على المبدع الذي يخترع صورة مبتكرة. وأعطى صورة من شعره كمثَل
"من كتْر ما بتْصيبني بالعين علّم عا جلْدي لون كحلتْها"
وقال إنّه يكتب صوراً، وبعد مدّة يراها في بلدان أخرى. وبات يخاف على كلّ فكرة يأتي بها
أمّا الكاتب فهو الذي يكتب مقالة سياسيّة، أو تاريخيّة، أو علميّة، أو نقديّة... فالمؤرّخ مثلاً، لو كتب مجلّدات، لا يكون أديباً. والذي يؤلّف كتاباً عن شاعر أو أديب لا يكون هو أديباً، بل كاتباً لا أكثر
وقال الدويهي: إنّ الناس لا يصدّقون كلّ من يدّعي أنّه أديب، والإنسان يبدأ فعل الأدب في سنّ مبكرة، وفكرة أن يبدأ المرء بالأدب في سنّ الخمسين أو الستين من عمره غير مقبولة. لأنّ هذا يريد أن يتساوى بالأدباء، ويركب الحافلة من غير استحقاق
وفي موضوع النقد قال الدويهي إنّه يُخضع أعماله لنقده، وفي الوقت ذاته، إذا قرأ قصيدة جميلة يبدي إعجابه بها، وإذا قرأ قصيدة غير جميلة ليس مفروضاً أن يقول إنّها جميلة
وعن الفكر في الأدب، قال إنّ الفكر يرفع الأدب إلى درجة أعلى. فلا يعود الأدب جماليّاً فقط، بل يحمل فوق ذلك قيَماً وأبعاداً رؤيويّة لعالم جديد، مثل كتاب "النبيّ" لجبران، و"مرداد" لميخائيل نعيمة
وعن أسس الفكر الدويهي قال إنّها كثيرة، وأهمّها وجود الله، توازن الروح والمادّة، رفض المساواة في الإبداع، نقض العدد، نقض الحلوليّة بين الإنسان وخالقه، الفصل بين الخير والشرّ، ووحدة الدين الذي هو الله
___________
جميل الدويهي: مشروع "أفكار اغترابيّة" للأدب الراقي
مقابلة مع إذاعة إس بي إس - عربي عن كتاب "حكايات جدّة أبورجينيّة"
أجرت الزميلة سيلفيا مزهر، مديرة البرامج في إذاعة إس بي إس الحكومية - القسم العربي، مقابلة مع الأديب د. جميل الدويهي، في موضوع كتابه الجديد "حكايات جدّة أبورجينيّة" ، وهو أوّل كتاب من نوعه يروي 37 قصّة من تراث الأبورجينيّين وأساطيرهم، باللغة العربية. وتزامن ظهور الكتاب مع أسبوع "نايدوك" الأبورجيني.
وقال الدويهي في المقابلة إنّ الكتاب هو حدث فريد من نوعه، لأنّه رائد في هذه الفكرة، أي نقل قصص أبورجينية إلى القارئ العربي. وهو أمر لم يحدث مثله من قبل.
ولفت إلى أن أغلب قصص الأبورجينيز القديمة هي أساطير تفسيرية، وقد وضعت لتفسير الظواهر الطبيعية والبيئة المحيطة بهم. وقال إنّه أنجز رسالة ماجستير في العام 1988، عن الأسطورة في النثر اللبناني، وكان يعتقد أن اليونان والشرقيّين عموماً لديهم غنى وعمق في الميثولوجيا، لكنه عندما اطّلع على المخزون الميثولوجي الأبوجيني، فوجئ، لأنه كان يعتقد أنه لن يجد سوى القليل من القصص الأسطوري عندهم، فإذا بهأأمام كم هائل من تلك القصص. وأشار إلى أن الأبورجينيين ليسوا شعباً واحداً، بل كانوا حوالي 500 قبيلة، ولكل منها نظرة مختلفة إلى الكون والطبيعة. لذلك كان صعباً عليه أن يختار باقة من هذه الأساطير ويوثقها في كتاب.
ورداً على سؤال، ذكر الدويهي أسطورة الفيضان التي مفادها أن أطفالاً اضطهدوا بومة، فطارت إلى السماء وأخبرت الإله "نغوونغو" بما حدث لها، فقرر إغراق الناس، وحدث طوفان عظيم، فلم تبق ظاهرة سولى قمة أو قمتين من جبل "بروم". وكان رجل مع زوجته وأطفاله وكلب في زورق، فرأوا عصفوراً يأخذ بمنقاده ورقة شجر، ليُعلم الناجين بمكان القمة الظاهرة، فمضوا إليها ونجوا.
وقال الدويهي: على الرغم من أان السكان الأصليّين عاشوا في قارة منعزلة، وحسب علمنا، هم لم يغادروها، ولم يطّلعوا على القصّة التوراتية عن الطوفان وسفينة نوح، فقد أدهشه التشابه بين القصتين، على الأقل من ناحيتين: الزورق والعصفور الذي أخذ ورقة شجر في منقاده، كما فعلت الحمامة في الحكاية التوراتية.
كما أشار الدويهي إلى أنه سبق وأنجز كتاباً عن ثلاثة شعراء أستراليين قدماء، في دراسة أكاديمية، وهو بصدد كتاب ثالث يضم قصصاً من بداية عهد الاستيطان في أستراليا.
وختاماً سألت الإذاعية مزهر الأديب الدويهي عن بحث الماجستير الذي قدمته الطالية نداء عثمان إلى جامعة الجنان في طرابلس، وحصلت على درجة ممتاز، وقال إنه أول بحث في بابه يتناول أديباً مهجرياً من خارج الرابطة الفلمية، وعنوانه "التحولات الشعرية في الأب المهجري المعاصر - جميل الدويهي أنموذجاً". وقدم التهنئة إلى الطالبة عثمان، وشكر الأستاذ المشرف د. جان توما، والعميد د, هاشم الأيوبي، والدكتورتين ريما لأحدب وفرح الجم، والدكتور رياض عثمان، والدكتور عماد يونس فغالي الذي مثل منتدى "لقاء"، ومشروع "أفكار اغترابية" أثناء المناقشة. وقال: "هذا هو تعبنا الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، برضى الله والمحبين".
وفد من مجموعة سواقي الإعلامية يقابل د. جميل الدويهي
قام وفد من مجموعة "سواقي" الإعلامية بزيارة إلى مكاتب جريدة "المستقبل" في بانكستاون، حيث استقبلهم مدير التحرير د. جميل الدويهي. وتألف الوفد من د. علاء العوادي المدير العام لمجوعة سواقي، والإعلاميين الأساتذة حسين عبد زيد مدير تلفزيون سواقي، رافق العقابي المدير التنفيذي لمجموعة سواقي ومرتضى البطاط مساعد المخرج. وحمل الوفد الزائر باقة زهر عطرة تقديراً لأعمال الدويهي الأدبية والفكرية والإعلامية.
وتحدث الدويهي مع الأستاذ حسين عبد زيد عن مشروعه "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الراقي، والإصدارات التي قدمها هدايا لأبناء الجالية في مهرجانه الأول (2015)، وكشف عن إصداراته الخمسة للعام 2016 والتي ستقدم أيضاً هدايا في المهرجان الثاني نهاية عام 2016، وهي: "حاولت أن اتبع النهر... النهر لا يذهب إلى مكان" (شعر منثور)، "تأملات من صفاء الروح" (عمل فكري فلسفي)، "في معبد الروح" باللغة الإنكليزية، و"أعمدة الشعر السبعة" (مجموعة شعرية تحتوي على مختارات من 7 أنواع شعر كتبها الدويهي في تجربته الطويلة مع القصيدة). بالإضافة إلى "كتبوا في معبد الروح".
وأعرب الدويهي عن تعازيه للعراق الحبيب بعد الهجمات الإرهابية، وتمنى للإخوة المسلمين عيد فطر سعيداً وأن يعود على العالم بالخير والسلام.
وعن توفيقه بين العمل الإعلامي والأدب قال الدويهي إنه يعطي لكل شيء وقته، ولذلك لا يعيقه عمله الإعلامي عن نشاطه الأدبي المتواصل من أجل أدب مهجري راق في أستراليا.
وشكر الدويهي الدكتور علاء العوادي ومجموعة "سواقي" والضيوف الكرام، وأطلعهم على نسخ من أعماله، ثم التقطت الصور التذكارية.
يمكن مشاهدة المقابلة كاملة على:
http://shamal-news.com/index.php/AR
د. جميل ميلاد الدويهي في لقاء إذاعي مع الإعلامية نادين شعار:
"في معبد الروح" يخيفني وقد لا أستطيع أن أكتب مثله
عام 2016 سيشهد ولادة 4 من كتبي و "كتبوا في معبد الروح"
أجرت الإعلامية نادين شعار، وعبر إذاعتها المميزة "صوت الفرح"، لقاء إذاعياً شاملاً مع الأديب والشاعر والمفكر والأكاديمي والإعلامي المهجري د. جميل ميلاد الدويهي، تناول حصاد العام الماضي، ومختلف النشاطات التي يقوم بها الدويهي حالياً على المستوى الثقافي من ضمن مشروعه للأدب المهجري الراقي. وقدّمت الأستاذة نادين الدويهي بالقول:
لقاؤنا هو لقاء عزيز ننتظره منذ مدة. لقاء مع شخصيّة رائعة ومميزة بين أبناء الجالية اللبنانية والعربية في أستراليا. له عدة بصمات وأعماله العديدة تشهد له في مجال الأدب والثقافة. وشعره مميز جداً، ومهما تكلمت عنه تبقى شهادتي مجروحة لأن أعماله تخبر عنه، ولا يمكن أن نقرأ له من كلماته إلا وتدخل القلوب دون استئذان لا بل نحفظها ونرددها. له العديد من الكتب والمؤلفات. وأخيراً أصبح مديراً لتحرير جريدة المستقبل الأسترالية. يسعدنا أن نستضيف الدكتور الشاعر جميل الدويهي.
وبدأت الأستاذة نادين اللقاء بسؤال الدويهي عن كيفية جمعه بين الثقافة والأدب والإعلام والدراسة الأكاديمية، فأجاب:
"ظروف الحياة هي التي تفرض على الإنسان أن يتعدد في عناصر العمل. وأحب أن أذكر هنا أنني أعمل حالياً مديراً لتحرير جريدة المستقبل، وأوجه تحية إلى صاحب الجريدة ورئيس تحريرها الصديق والأخ العزيز الأستاذ جوزيف خوري، الذي هو أيضاً قامة إعلامية مميزة وكبيرة، وهو تاريخ في الإعلام وعميد من أعمدته في أستراليا. حقيقة أنا اشتغلت في الإعلام من باب العيش، واشتغلت في الأدب والثقافة من خلال الشغف، ولا أضيع دقيقة من حياتي إلا وتكون عندي فكرة في عقلي أود أن أقولها أو أن أكتبها، وهكذا استطعت التوفيق بين الجانب المعيشي وجانب الشغف الذي يتملكني.
وتحدّث الدويهي عن مهرجان الأدب المهجري الراقي – أمسية "لا تفكري صار الهوى ذكرى" في 23 تشرين الأول الماضي واصفاً إياها بالحدث الحاشد والكبير، "وكانت فعالياتها مميزة إن كان من أغان من كلماتي، أو الكلمات التي ألقيت، كما أنني ألقيت 5 أنواع شعر مختلفة، وكنت أشرح للجمهور الفرق بين تلك الأنواع، فكل نوع يختلف عن الآخر من حيث اللغة والشكل. فاللغات في شعري تتعدد وتختلف بين قصيدة وأخرى. وقد كنت سعيداً جداً بالنجاح الكبير في المهرجان، وإن شاء الله جميع مستمعي "صوت الفرح" سيكونون مدعوين إلى المهرجان المقبل وسيكونون معنا”. وأضاف الدويهي أن كل شيء في المهرجان كان منظماً وراقياً ومعدّاً بإتقان، ومميزاً بكل تفاصيله.
وقال الدويهي أيضاً: "قدمت 4 كتب هدايا إلى الضيوف الكرام، ولم يصدق أحد أنني سأفعل ذلك، وتساءل البعض: هل من المعقول أن يذهب أحد إلى أمسية ولا يدفع ثمناً لكتاب؟ وكنت قلت إن كلّ ضيف سيأخذ كتاباً من أصل أربعة، ولكن الكثيرين طلبوا 4 كتب وأعطيتهم 4 كتب. ما بخلتُ على أحد، وعاد الضيوف إلى بيوتهم والفرح في قلوبهم وعلى وجوههم”.
وأشادت الأستاذة الإعلامية نادين شعار بكتاب "في معبد الروح" وقالت إنها قرأته وهو جميل جداً، فأشار الدويهي إلى أنّ هذا الكتاب يخيفه لأنه قد لا يستطيع ذات يوم أن يكتب مثله أو أفضل منه، "وأنا أطمح دائماً إلى ألافضل، ولكنني سأحاول، وسأطلق 4 كتب في عام 2016 أيضاً إضافة إلى "كتبوا في معبد الروح" الذي سيضم جميع المقالات التي كتبت عن الكتاب”.
وأشاد الدويهي في معرض حديثه بالإعلامية الأستاذة نادين شعار التي وصفها بالأديبة والمثقفة التي تنشر الفرح عبر "صوت الفرح" وفي كل أعمالها، وتزرع السعادة في قلوب الناس.
وخلال الحديث تطرق الدويهي إلى أنّ كتاب "في معبد الروح" يحتوي على دعوة إلى السلام والمحبة والمصالحة، كما أنّ قصّة "طائر الهامة" تحمل هذه الرسالة أيضاً إذ ينتصر فيها الحبّ على الثأر، وتجني سلوى الحاقدة ثماراً مرّة وتحصد بذور الخيبة والفشل. وتسأل الإعلامية نادين شعار الدويهي: هل ترى نفسك روائياً م شاعراً؟ فيقول إنه بدأ بمحاولاته الشعرية الأولى في عمر مبكر، وكانت كتاباته في مادة الإنشاء تعلّق في المدرسة لكي يقرأها الطلاب، وكانت علاماته في الإنشاء 17 من 20، وكانت العلامة 16 خطاً أحمر. وكان يقلّد قصائد الزجل وبعض القصائد بالفصحى لمحمود درويش ونزار قباني وغيرهما. وقد وجد نفسه في الشعر حتى السنوات العشر الأخيرة تقريباً حيث أكتشف أن ليس عليه أن يحصر نفسه في الجانب الشعري فقط، فتوجه إلى القصة القصيرة "أهل الظلام" و "من أجل الوردة"، ثم إلى الرواية "الذئب والبحيرة" و "طائر الهامة"، وتوجه بعد ذلك إلى الفكر بعد أن درَّس في جامعة سيدة اللويزة لمدة 9 سنوات مادة "الفكر الإنساني والأدب"، وكانت نتيجة هذا التوجه كتاب "في معبد الروح"، وبشّر الدويهي بأن عام 2016 سيشهد ولادة "في معبد الروح 2"، و"في معبد الروح" باللغة الإنكليزية.
وسألت الإعلامية نادين: هل تستطيع أن تغوص في مواضيع أعمق مما عالجته في معبد الروح؟ فأجاب الدويهي: “في معبد الروح تطرقت إلى مواضيع عميقة جداً، ومن الصعب أن أجد مواضيع أعمق منها، ولن أبحث عن مفكر أو فيلسوف يميل إلى التشاؤم مثلاً لكي أناقشه، وقد ناقشت في كتابي أفكار جبران خليل جبران، أمين الريحاني، جان جاك روسو، غوته وغيرهم... ووجدت عندهم آراء ومواضيع لا تعجبني ولا تنسجم مع أفكاري، مثلاً موضوع التقمص 7 مرات عند جبران، وموضوع الشيطان عند غوته في مسرحية "فاوست"، حيث اعتبر المفكّر الألماني أن الله تآمر مع الشيطان للإيقاع بفاوست، وعند الريحاني مقالة يرى فيها أن الشيطان مسؤول عن تطور الفكر البشري والحضارة...
وفي السياق ذكر الدويهي أنه لا يتصور كيف أن إنساناً يقول إن عقله لا يحتمل فكرة وجود الله، فالمنطق أن العقل لا يستطيع تحمل فكرة عدم وجود الله. ولكن الدويهي أكّد أنه يحترم آراء المفكرين وينحني لهم إجلالاً وإكباراً لأنهم قامات عالية، "ولكن أنا اخترت بعض الأفكار التي لا تناسب قناعاتي، مثلاً: كيف يساعد الشيطان إنساناً؟ في كتابي "في معبد الروح" أقول إن الشيطان يشبه ورقة بيضاء سكبْنا عليها الحبر فلا يبقى فيها شيء من البياض، فالشرّ لا يمكنه أن يدعو إنساناً إلى الخير بل يسعى به إلى مهالك الإثم والرذيلة والشرور”.
وفي مجال آخر، تطرّقت نادين إلى موضوع المؤتمرات الاغترابية في لبنان، فأعرب الدويهي عن أسفه لأن تلك المؤتمرات تركز فقط على عنصر المال والثروة والمشاريع وقلما تلتفت إلى الأدب والفن والثقافة، وقال: "عندنا أدباء ومفكرون كبار في جميع دول العالم ويكتبون بلغات غير عربية، وهؤلاء مهمشون ولا يلتفت إليهم أحد”.
وسألت الأستاذة نادين شعار الدويهي عن أسفاره الكثيرة وعودته مؤخراً إلى أستراليا، فقال: "أنا أحب أستراليا والناس فيها، وكل مرة كنت أغادرها بسبب ظروف الحياة. تخرجت بشهادة دكتوراه من جامعة سيدني في عام 1998، ولم يُسمح لي بأن أدرِّس في الجامعة ساعة واحدة منذ ذلك التاريخ، وهذا الأمر هو أيضًا "حزّورة" في حياتي لم أتمكّن من حلّها، ولا أتأمّل في أيّ يوم أو في أية ساعة أن يُسمح لي بالإفادة من شهاتي وخبرتي في التعليم الجامعي والبحث الأكاديمي في أستراليا. وعندما توجهت في المرة الأخيرة إلى لبنان درّست 9 سنوات كأستاذ متفرّغ في جامعة سيدة اللويزة، وها أنا أعود الآن إلى أستراليا والجالية التي أحبها”.
وأعرب الدويهي عن فخره واعتزازه بأداء أبناء الجالية في جميع المجالات، وحيّا كل إنسان على عمل الخير وعلى الإنجازات السياسية والاحتماعية والثقافية والاقتصادية، "وقد حصل العديد من أبناء الجالية على ميداليات وهذا أمر نهنئهم عليه. أما على الصعيد الثقافي فقد فرحتُ لأن 22 كتاباً نُشرت في عام 2015، ولكن أرجو أن يفرح لي الآخرون عندما أنشر كتاباً مثلما أفرح لهم، نحن في مجرّة هائلة تتسع للجميع ولا أحد يقول للآخر: ابتعد لكي آخذ مكانك، أو أنا أريد الريادة والأولية وليس أنت. طبعاً طبعاً طبعاً نحن لا نيأس. اليأس غير وارد. عندي قاموس حذفت منه بالخط الأسود العريض كلمة "يأس"، فالانتقادات العشوائية والملاحظات السيئة لا أقف عندها. عندي مشروع ثقافي فكري أعمل عليه وأكمله في أعمالي وعبر موقعي "أفكار اغترابية” للأدب المهجري الراقي”.
وشدد الدويهي على الفرق بين كاتب وأديب ومفكر. ورداً على سؤال قال: "عندي نقد محكَّم من قبل لجان جامعية، وأعمالي النقدية الأكاديمية منشورة في عدة مواقع على الإنترنت. وعلى موقعي "أفكار اغترابية" نشرت مقالات عن جبران خليل جبران، سعيد عقل، فؤاد سليمان، المتنبي، امرئ القيس وغيرهم... وعندي نص نقدي أتمنى على الجميع أن يقرأوه عن اقتباسات جبران الفكرية، فقد اقتبس جبران من عدة مفكرين وأدباء وفلاسفة، وفي كتاب "المجنون" لجبران نصّ بعنوان "الملك الحكيم" يتحدث عن ساحرة تأتي إلى مدينة وترمي في بئرها عدة قطرات من سائل غريب فيشرب الناس ويجنُّون. غير أن الملك ووزيره لم يشربا من البئر فلم يجنَّا، فثار الناس وعيّروا الملك والوزير بأنهما مجنونان، فاضطر الاثنان إلى أن يشربا من البئر، وأصبحا عاقليْن في نظر الناس فقالوا: لقد عاد ملكنا ووزيره إلى رشده. هذه القصة مقتبسة عن أسطورة قد تكون جاءت من التيبت، وقد كتبها أيضاً توفيق الحكيم في مسرحيته "نهر الجنون"، كما كتبها الأديب العالمي باولو كويلو في روايته "فيرونيكا تقر ر أن تموت"”. وخلص الدويهي إلى أن الاقباس ليس عيباً وهو موجود في الأدب على نطاق واسع.
وأردف الدويهي: "إذا أردنا أن نردّ على مفكّر كبير، فكيف نردّ عليه إذا لم نعرض أفكاره ونشرحها ونناقشها؟ وهل يكون هذا اقتباساً؟"
وقالت الأستاذة نادين: "إن هذه الاكتشافات والمقارنات تنتج عن معرفة عميقة، فكم أنت مطلع على أعمال الكتاب والشعراء والفلاسفة القدماء والجدد؟!”
وكشف الدويهي عن دراسة أكاديمية لم ينشرها بعد اكتشف فيها تأثُّر أمين الريحاني بمفكر أوروبي من خلال نص وجده في كتاب "الريحانيات"، وقد كُتبت الآلاف من المقالات عن الريحاني وسُمّيت مؤسسات باسمه ولكن لم يكتشف أحد هذه النقطة بالذات.
وشدّدت نادين على أهمّية القراءة لدى الأجيال، فقال الدويهي "إن الحق لا يقع على من لا يقرأون فقط، فهناك كتب لا تُقرأ، ولكن هذا لا يمنع أن يختار الإنسان كتاباً جيداً ويقرأه ويزيد من ثقافته، فالمكتبات مليئة بالكتب التي تقدّم نفسها مجاناً”.
وبعد أن ألقى الدويهي القصيدة الأولى من ديوانه العامي "لا تفكري صار الهوى ذكرى" لفتَ إلى أنها من نوع "الشروقي"، وهو مختلف عن الزجل وإن يكن كثير من الناس يعتبرون "الشروقي" من الزجل. وقال: "أنا أحب الشعر العامي وأكتبه من باب التنويع، فليست كتاباتي محصورة في نوع واحد فقط. وأكتب من جميع الأشكال المتوافرة لأنني اعتبر أن الأديب لا يستطيع أن يكون أديباً إلا إذا عدّد ونوّع، فقارني مثلاً بين حقل مزروع بنوع واحد وحقل آخر مزروع بعدة أنواع”.
ووجّه الدويهي أخيراً تحية إلى زوجته مريم التي تسمع كل قصيدة يكتبها، "وهي أوّل إنسان يسمعني". وبعدما وصفت نادين المبدع بأنه "يصنع الشيء من اللاشيء" سألتْ: هل أنت شاعر إرتجالي؟ فقال: "لست كذلك، ولم أحاول يوماً أن أكون شاعراً ارتجالياً، حيث أنّني أفضّل النصّ المكتوب، وبصفتي ناقداً أعيد النظر فيه وأغيّر فيه عدّة مرّات قبل أن أنشره".
مقابلة مع الأديب المهجري د. جميل الدويهي، مؤسس مشروع "أفكار اغترابية للأدب الراقي" أجراها الأديب سليمان يوسف ابراهيم، ونشرت في موقع ألف لام
السؤآل1 _ باختصار؛ من هو د. جميل ميلاد الدويهي؟ وما هي مؤلفاته حتى اﻵن؟
جواب: جميل الدويهي أديب لبناني مقيم حالياً في مدينة سيدني، صاحب مشروع أفكار اغترابية للأدب المهجري الراقي. ولدتُ في مدينة زغرتا عام 1960، وهاجرت إلى أستراليا عام 1988. حاصل على دكتوراه من جامعة سيدني عام 1998، درّست في العديد من المعاهد في لبنان وأستراليا، وعملت أستاذاً للآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سيدة اللويزة - لبنان بين عامي 2006-2013. كما عملت في الإعلام مذيعاً ومعد برامج ورئيساً لتحرير صحف. أعمل حالياً مديراً لتحرير جريدة المستقبل الأسترالية.
نشرت حوالي 40 كتاباً في أنواع مختلفة من الأدب: القصة القصيرة، الرواية، الشعر بجميع أنواعه المعروفة، والفكر.
أهم أعمالي: عودة الطائر الأزرق (رواية)- الإبحار إلى حافة الزمن (رواية)- من أجل الوردة (قصص قصيرة) – أهل الظلام (قصص قصيرة)- في معبد الروح (فكر، صدر باللغتين)- تأملات من صفاء الروح (فكر، صدر باللغتين) - رجل يرتدي عشب الأرض (فكر)- أعمدة الشعر السبعة (سبعة أنواع شعر) -عندي حنين البحر للشط البعيد (شعر مدوّر عامي) - وقلت : أحبك (شعر مدوّر فصيح)- كلمات لعينيك الهاربتين (شعر منثور) - حاولت أن أتبع النهر... النهر لا يذهب إلى مكان (شعر منثور) - عا مراية الحبر إنتي القصيده والورده الوحيده (النص العاميّ الشعري)، أشهر المعارك الإهدنية في التاريخ (تأريخ باللغة الإنكليزية)...
إضافة إلى أبحاث أكاديمية منشورة في كتب ومجلات متخصصة، أهمها بحث في صورة الشيطان عند غوته وأمين الريحاني، منشور في كتاب منارات ثقافية، وعلى موقعي، وهو أول بحث على الإطلاق يتناول التشابه بين غوته والريحاني.
السؤآل 2_ د. جميل ميلاد الدويهي؛ هل لكم أن تضعوا القارئ في صورة واضحة حول مشواركم اﻷدبي في المهجر اﻷسترالي منذ البدايات حتى اليوم، مرورا بمراحل التأسيس؟
تنقسم رحلتي الأدبية في أستراليا إلى مرحلتين: الأولى 1988- 2004 والثانية 2013 – 2019. في المرحلة الأولى لم يكن عندي مشروع، بل كنت أنشر الكتب على المستوى المحلي، وأعتقد أن هذه المرحلة كانت مرحلة بداية نشرتُ فيها أعمالاً شعرية، مثل "وجهان لمدينة واحدة"، "تقاسيم شرقية لرقصة الفجر"، و"قلت: أحبّكِ"... ومجموعتَي قصص قصيرة "من أجل الوردة" و"أهل الظلام"، ورواية واحدة هي "الذئب والبحيرة".
الفاصل الزمني بين المرحلتين هو 9 سنوات كنت أثناءها في لبنان، حيث نشرتُ عملاً روائياً واحداً هو "طائر الهامة"، نشرته دار أبعاد، و8 قصص للأطفال نشرتها الدار نفسها.
المرحلة الثانية بدأت عام 2014 عندما عدت من لبنان، وأسست "مشروع أفكار اغترابية للأدب المهجري الراقي"، وهو يقوم على أسس، أهمها:
1- موقع أفكار اغترابية الإلكتروني الذي يحتضن أعمالاً أدبية راقية.
2- مشروع أدبي يتميز بتنوع غير مسبوق، لا في أستراليا ولا في العالم العربي أيضاً، فقد أصدرتُ من المشروع 8 أنواع شعرية، وقصصاً قصيرة (الحافلة والولد ممكن)، والرواية (الإبحار إلى حافّة الزمن)، والفكر (في معبد الروح، تاملات من صفاء الروح، ورجل يرتدي عشب الأرض)…
3-إخراج العمل الثقافي من الإطار المؤسساتي إلى الإطار العملي، فكم من المؤسسات تعمل في الثقافة، لكنها لا تفعل شيئاً سوى الظهور والتقاط الصور، فنحن حولنا أفكار اغترابية إلى مطبعة، وقدمنا للناس أكثر من 35 كتاباً في أقل من 5 سنوات، ليست كلها كتبي. فهناك كتب لمريم رعيدي الدويهي، وكلود ناصيف حرب، وأليكس حدشيتي، وكلادس القزي، وطوني رزق صدرت إما من أفكار اغترابية وإما بدعم منه ورعايته. وبعد زيارتي إلى لبنان هناك على المائدة كتاب لمريم رعيدي الدويهي، وكتاب أو كتابان لكلود ناصيف حرب، وكتاب لكلاديس القزي، وكتاب لـ د. أميرة عيسى، وكتاب لي… وهذا الانتاج أثبت للناس أننا نختلف عن مؤسسات أخرى طابعها فولكلوري ظهوري. وأنتم تعرفون أنني جئت إلى المشروع من خلفية أدبية ولم أكن طارئاً ولا طفيلياً. الأصيل يشتغل بصدق واستقامة، أما الطفيلي فيلجأ إلى الأساليب الملتوية لكي يثبت نفسه، والأصيل يبقى أما الطارئ فلا يستمر، والزمن كفيل بإثبات هذه الحقيقة.
4-إقامة ندوات وجلسات حوارية بصورة دائمة، فلا يكاد ينقضي عمل حتى يظهر عمل آخر. وهذا سر نجاحي وديمومة مشروعي.
السؤآل 3_ "مشروع د.جميل ميلاد الدويهي لﻷدب الراقي" و موقع "أفكار إغترابية" اﻹلكتروني؛ عرينان تسكنهما ومنهما انطلقت إلى العالمية. فإلى أين وصلا بك ومعك من مشوار الحلم؟
مشروعي للأدب الراقي هو توأم لا ينفصل عن موقع أفكار اغترابية، فالمشروع هو الروح والموقع هو جسد يضم الروح التي لا تستكين. وهذان العرينان كما تصفهما خرجا من الجغرافيا الطبيعية إلى جغرافيا أوسع، وتجاوز أفكار اغترابية الحدود، وأصبح على كل شفة ولسان، وحضرتكم في لبنان تعرفون عنا وعن أعمالنا في المهجر البعيد الذي كان بعيداً عن متناول المهتمين. ويحاول الكثيرون أن يقتدوا بأفكار اغترابية وإنجازاته، ونحن لا يضيرنا ذلك، لكننا نؤمن بأن الذي يعمل بصدق وضمير سيصل حتماً إلى أهدافه المرجوه، وما يميزنا أننا نسير بخطى ثابتة ولا نحرق المراحل. وكما قلت دائماً نحن نعمل لمئة سنة قادمة، وقد لا يعترف بنا كثيرون، وقد لا يصدق البعض ما نقوم به، لكن المسيرة متواصلة. وأجمل ما سمعناه خلال نضالنا وسهرنا القول إننا نقلنا مركز الثقافة العربية إلى سيدني بدلاً من بيروت ودمشق والقاهرة.
السؤآل4_ كيف تنظرون إلى الحركة الثقافية الرائجة اليوم عبر وسائل التواصل والمواقع اﻹلكترونية؟ وهل تبني لحركة حضارية تنعكس على الثقافة العربية بنتاج؛ يمكن أن نحسبه صيدا عارما وحصادا وفيرا لمن يراقبون الحركة الثقافية بعامة؟
نحن نبارك كل عمل إيجابي، ولا نقلل من أهمية أي إنجاز. وما تحتضنه وسائل التواصل الاجتماعي ليس كله جيداً، فبعضه جيد. وبهذا المعنى أؤكد لك أن أسماء معروفة انطلقت من أفكار اغترابية، استرعت انتباهي بعد وقوعي على نصوص لها نشرتها على مواقع التواصل، كما أنني أنشر أعمالي وإنجازات أفكار اغترابية على فايسبوك، ليس طمعاً في الإعجاب والتعليقات بل لنشر الأدب الجميل، وإظهاره للناس، ودفع الآخرين إلى تبني الأفكار المضيئة وتعميمها لتطوير البشرية. وليس كل ما نقع عليه في صفحات التواصل الاجتماعي هو شعر وأدب، فبعض الناس لا يعرفون أن ما يكتبونه ليس أدباً، لكنهم يحاولون، والعصافير لا تطير إلى الوراء.
السؤآل 5 _ هل تجدون أن ثمة توازيا في النشاط الثقافي، بين ما يطبع وينشر من كتب من ناحية؛ والحركة النقدية النقدية المواكبة اﻷثر اﻹبداعي بهدف تجويده وتقديم ما يليق بالقارئ وما ينتظر أن ينهل من معين كل مبدع؟
ربما يكون النقد مواكباً للحركة الأدبية في بلاد غير أستراليا، وما يدل على صحة ما أقول غزارة إنتاجي في سنوات قليلة في مقابل ضآلة النقد لأعمالي. وهذا الأمر لا يثير استغرابي وحدي، فلدي أصدقاء من الأدباء في أنحاء العالم يستغربون هذا الأمر أيضاً، ويسألونني عن سبب التجاهل لكتاباتي، وهناك العديد من المواضيع التي يمكن أن يتناولها الباحث في مسيرتي الأدبية. ولعل الناس هنا يميلون إلى شعر معين ويحبونه، ولكن لا نستطيع أن نؤسس حركة أدبية شاملة على نوع واحد من الشعر أو نوع واحد من النثر، وبصراحة أقول إنني حملت عبئاً لا يحمله عدة رجال عندما قررت أن أملأ الفراغ بأنواع جديدة، فانطلقت إلى رحاب القصة والرواية والفكر ونوعت في أعمالي الشعرية، لكي أغطي مساحات واسعة غير مكتشفة من قبل... والذين يواكبون الحركة الأدبية يعرفون ماذا أقصد، أما النقاد في أستراليا فلست ألومهم إذا كانوا لم يجدوا في أعمالي شيئاً يكتبون عنه، ويمكن أن أكون قصرت ولم أبدع في جميع الأنواع التي طرقتها. ولكن لا يستطيع صاحب عقل أن ينكر ما قدمته من أجل نهضة اغترابية ثانية، فأنا أضحي بصحتي ووقتي وأبذل معنوياً ومادياً في سبيل هذا النهوض، بينما أرى مديحاً متواصلاً لأعمال يعرف الجميع لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
السؤآل 6_ بالعودة إلى نشاطكم الثقافي الذي جعل منكم اليوم _ والحق يقال_ زعيم النهضة اﻷدبية العربية في ديار اﻹغتراب أستراليا، أوروبيا وعربيا، ما اﻷسس والمعايير التي تعتمدها لجنتا التكريم في كل من المؤسستين لقبول طلبات الترشيح ومنح جائزتكم المعنوية القيمة؟
"زعيم النهضة الأدبية العربية في ديار الاغتراب أسترالياً وأوروبياً وعربياً"، شرف لا أدعيه ولكنني أحبه، ويعطيني دلالة على مدى تقديركم لي ولمعاناتي وتضحياتي، وهو تقدير أبادلكم أياه أضعافاً مضاعفة. وهذا الدور الريادي دفع بمجموعة من الأصدقاء المخلصين إلى اقتراح إنشاء جائزة تحمل اسمي واسم مشروعي معاً، أما المعايير التي نعتمدها لاختيار الحاصلين عليها، فهي: الترشيح كشرط أولي، بحيث لا تُعطى الجائزة إلا للمرشحين، سواء من داخل أستراليا أو من خارجها، وليس شرطاً أن يرشح المبدع نفسه، فقد يرشحه شخص آخر. وأحياناً يقوم شخص في أستراليا بترشيح مبدع في لبنان أو في الجزائر أو في كندا أو في أميركا. والشرط الثاني هو أن يكون المبدع قد قدم مساهمات في حقل الأدب، سواء أكان أديباً أم داعماً للحركة الثقافية والحضارية، مع العلم أن الجائزة ليست موحدة، فعلى الشهادة نثبت الخلفية التي اعتمدناها لتقديم الجائزة، وتبعاً لذلك فقد يكون الحاصل عليها قد نشر كتباً وأعمالاً أكاديمية، أو لم ينشر، لكنه ترك بصمات في حقل الثقافة والأدب من خلال منصات أخرى كعمله في وسائل الإعلام أو تشجيعه للنشر... إلخ...
السؤال7_ كُرمتم د.جميل ميلاد الدويهي مرارا؛ وآخر التكريمات كان تكريمكم الغير مسبوق حضورا ومشاركة من فاعليات ثقافية وشخصيات دينية وسياسية، تقاطروا ﻹحياء المناسبة هذه في مدينة ملبورن مؤخرا. بنظركم، ما الميزات والمواصفات التي تدفع بأهل الثقافة ليتحلقوا مناصرين شخصية ثقافية يجمعون على أحقية تكريمها كما حصل معكم؟
العمل الثقافي هذه الأيام ليس سهلاً، وخصوصاً في بلاد بعيدة عن مركز الثقل العربي. ولكن الجهود التي أبذلها، والإنجازات التي أظهرها على الارض ويراها الجميع، أعطت لمشروعي المضيء مشروعية لا نقاش فيها، وبات الصغير والكبير يعرفان عنه، وحتى مَن يتجاهلونه يعترفون في قرارة أنفسهم بأهميته. وأنتم تعرفون أن مشروع أفكار اغترابية ليس لنشر الأعمال الأدبية الرفيعة فقط، بل هو مدرسة لها أسسها وقواعدها، وأهمها الرقي في التعبير، وتحويل الأدب إلى حديقة يتمتع الناظر إليها بما فيها من جمالات وأبعاد. أما تكريم ملبورن، فللمرة الأولى أقول إن مثله لم يحدث لزعيم سياسي. الدعوة وجهت إلى حوالي 120 شخصاً في مقدمتهم قنصل لبنان العام الدكتور زياد عيتاني، ووجوه دينية واجتماعية، لحضور حفل ثقافي إبداعي غير مسبوق، وهذه المرة الثالثة التي أتوجه فيها إلى ملبورن، لكن التكريم الأخير كان مختلفاً جداً، وفرحت بمدى تقبل الحاضرين لأنواع الشعر التي ألقيتها عليهم، فكنت لا أسمع حركة أثناء قراءتي لقصائدي، وقدمت مجموعة كبيرة من كتبي هدايا، وقد غمرني المحبون بفيض محبتهم وتقديرهم، وهذا يدل على مستوى الذوق واللياقة والرقي الأدبي لدى أهل ملبورن الذين شكرتهم مراراً وتكراراً، ودائماً أقول: ملبورن في القلب.
أما المواصفات التي تجعل أهل الثقافة يجمعون على تكريمي، فهي الصدق والأمانة في حمل الرسالة، والتضحيات الجسام التي أبذلها. والأهم أنني جئت من الأدب إلى الأدب، وجئت من الأكاديميا إلى الأكاديميا، ومن الناس إلى الناس... وكل شيء مثبت بالوثائق والأرقام، فلست بحاجة إلى تزوير شهادة ميلاد لأثبت ولادتي. كما لست أحتاج إلى وثيقة من المطبعة لتؤكد مجموعة الأعمال التي دفعت بها للطباعة، ودفعت من صحتي وسهر الليالي ومن مالي الخاص لإنجازها.
السؤآل 8_ نجاحكم د. الدويهي؛ أسس لتوأمة تحققت ما بين مشروعكم اﻷدبي الراقي وموقعكم اﻹلكتروني لنشر اﻷفكار اﻹغترابية وتحقيق التلاقح الحضاري الفكري على صعيد الناطقين بلغة الضاد من جهة، ونادي الشرق لحوار الحضارات من جهة أخرى. هل لكم أن تشرحوا لنا وللقارئ أهمية تحقيق هذه التوأمة بين الطرفين على صعيد تمتين العلاقات وشد أواصر اللحمة الثقافية ما بين لبنان المقيم ولبنان المغترب في الديار اﻷسترالية؟
طالما اعتبرت أن نادي الشرق لحوار الحضارات هو الأخ الأكبر لمشروع أفكار اغترابية، وقد كان مشروع التوأمة مهماً، لأنه ترجم القواسم المشتركة فيما بيننا، فمشروعي يحمل شعلة حوار الحضارات، ومن يقرأ كتبي "طائر الهامة"، "في معبد الروح" و"تأملات من صفاء الروح" يعرف المقصود من كلامي، فأنا أبشر بعالم السلام والمحبة والتسامح، والحوار بين الأديان والأجناس، بعيداً عن ثقافة الإلغاء والمحو.
ومن ثمار التوأمة زيارة وفد ثقافي اغترابي إلى لبنان، حيث تقام عدة مناسبات وفعاليات ثقافية في المناطق اللبنانية، كما ستقدم جائزة "أفكار اغترابية" لعشرين من المبدعين أو المساهمين في حركة الثقافة، في أمسية مميزة يوم 22 آب في بيروت. وسنعلن عن تفاصيل المناسبات في مواعيد لاحقة.
من الطبيعي أن تمثل التوأمة جسراً للتواصل بين لبنان المقيم ولبنان المغترب. فكم هو مؤثر وعاطفي أن يقوم وفد ثقافي اغترابي بهذه الزيارة تحت مظلة التوأمة بين نادي الشرق لحوار الحضارات ومشروع أفكار اغترابية! وكم هو مهم أن نبني هذه الجسور مع كل المؤسسات المهتمة بالثقافة والإرث الحضاري في كل مكان!
السؤآل 9_ ما الذي تتوخونه د. جميل ميلاد الدويهي، من زيارتكم التي تعزمون القيام بها على رأس وفد اغترابي، إلى الوطن اﻷم، في شهر آب المقبل ؟ وما هي اﻹستعدادات الجاري تنظيمها لمواكبة هذا الحدث اللافت والمميز؟
الهدف من الزيارة ثقافي بحت، فنحن نتكلم لغة الإنسان والإنسانية الشاملة، ونتمنى أن نعزز أواصر الصداقة مع المؤسسات المهتمة بالأدب والتي تعمل للحوار الحضاري البناء. الاستعدادات للزيارة قائمة على قدم وساق، ولكننا نعمل بهدوء، وهذا هو أسلوبنا في العمل منذ البداية. ونؤمل أنفسنا بأن يكون الوفد على مستوى الحدث، وأن يشارك فيه العديد من الأدباء والمثقفين والناشطين الاجتماعيين من أستراليا وانحاء العالم، ليشكل تمثيلاً عريضاً للثقافة في المغتربات.
ونشير هنا إلى أن الوفد يمثل الأدب الفاعل، بعيداً عن الاستعراضات. ومن أهم شعاراتنا "أعمالنا تدل علينا".
السؤآل 10_ هل من كلمة أخيرة تود توجيهها عبر صفحتنا "Aleph_Lam" ولم نتطرق لها في حديثنا معكم د. جميل؟ تفضل.
طبعاً هناك كلمة أخيرة مهمة، وهي الشكر الجزيل لموقع ألف لام، وللأساتذة الكبار جورج طرابلسي، كلود أبو شقرا، وسليمان ابراهيم. ولكل من الكبار الثلاثة قصة تختلف عن الأخرى في مسيرة أفكار اغترابية. فالأستاذ جورج طرابلسي كان يرعى كتاباتي في جريدة الأنوار، منذ كنت أستاذاً في جامعة سيدة اللويزة. وعلى الرغم من عدم معرفتي به شخصياً، فإنه يمثل شخصية ثقافية مرموقة، ويستحق أكثر من التكريم. والأستاذة كلود كانت تنشر من أعمالي على موقع ثقافيات، ولم أكن أعرفها شخصياً، لكنها غمرت أدبنا المهجري بكل العناية والتقدير. وهي أيضاً شخصية مهمة في عالم الكلمة المضيئة، ونحن نقدرها عالياً، أما الأستاذ سليمان ابراهيم، فقد عرفته شخصياً، وأكبرت أعماله الأدبية واهتمامه بالأدب، ونحن نعتبره واحداً منا على الرغم من البعد الجغرافي... وليس غريباً أن يكون هذا الثالوث الابداعي مكرماً من قبل مشروع أفكار اغترابية، ونحن نتكرم بتكريمكم. الرب يحميكم ولألف لام كل التوفيق والنجاح من الألف إلى ما بعد الياء.
28 حزيران 2019
عن أفكار اغترابية:
افكار اغترابية ليس جمعية ولا مؤسسة لها اطرها التنظيمية، بل هو فكرة اطلقتها بعد عودتي من لبنان الى استراليا، تقريبا في اواسط عام ٢٠١٤. وانشات موقعا للادب الراقي باسم افكار اغترابية . اما الانشطة من خلال المشروع فهي العديد من المهرجانات الادبية الحاشدة في سيدني وملبورن، والجلسات الحوارية، وطباعة ٣٥ كتابا في اقل من ٥ سنوات ليست جميعها لي. فهناك ادباء وشعراء جدد نشروا اعمالهم من خلال مشروع افكار اغترابية. كما ارتاى عدد من الاصدقاء انشاء جاءزة تحمل اسمي وعنوان المشروع، قدمت منذ عام ٢٠١٦ الى ٣٢ مبدعا من مختلف انحاء العالم.
الأدب الهابط:
طبعا هناك ادب غير راق. هناك ادب الخلاعة والمجون والتهتك، وادب هابط يختص باجساد النساء، والعلاقات الجنسية. وهناك من يتبجحون بنصوص ما هي غير لزوم ما لا يلزم ولا تضيف الى الادب. وانا ملتزم في مشروعي بالادب الراقي، فليس تحت مظلة افكار اغترابية اي نص فيه كلام يجرح الذوق، فكما الاناء ينضح بما فيه هكذا الاديب ايضا. ويؤسفني ان ارى كل يوم مقدار المديح والتطبيل لادب ضعيف. فهناك من نجحوا في حشد الانصار، ولو قارنت على الطاولة بين ادبهم والادب الحقيقي لقضحتهم. وان نجح هؤلاء في التباهي الان، فالتاريخ سيلفظهم فيما بعد. نحن في افكار اغترابية نبارك كل عمل، لكننا عند الحكم على الادب تزين بميزان العدل، ونضع اعمالنا امام الناس، وهي جميع انواع الشعر المعروفة، والرواية، والقصة القصيرة، والفكر، والتاريخ، والدراسة الاكاديمية، وباللغتين العربية والانكليزية، ونقول للنقاد: قارنوا اذا كنتم نقادا حقيقيين.
أفكار اغترابية فكرة تجاوزت الحدود:
مشروع افكار اغترابية هو ثورة في ادب الاغتراب، بدا في سيدني واصبح معروفا في العالم، لكننا لا نقطع الصلة مع اي جهة ادبية او ثقافية تعمل من اجل الكلمة النبيلة والحضارة . لذلك نقول ان افكار اغترابية هو فكرة تجاوزت الحدود ولم تعد محصورة في استراليا، ومن واكبوا زيارتنا الاخيرة الى لبنان راوا كيف كان الاغتراب والوطن مجتمعين، من غير حواجز جغرافية ولا حدود مرسومة.
أسس أفكار اغترابية:
يهدف مشروع افكار اغترابية الى نشر الادب الراقي والرفيع، وتعميم الرؤية الحضارية وثقافة السلام والمحبة والخير، ومساعدة الادباء على نشر اعمالهم سواء في موقع افكار اغترابية ام في كتب، تحت عنوانين هما الابداع والرقي. اما انا صاحب المشروع ومؤسسه، فلدي هم واحد واساسي هو تظهير الادب المهجري في استراليا على حقيقته وقد نجحت في ذلك وبدا الناس يقارنون ويحكمون. فاين ادبنا المهجري الذي يطبلون له من الرواية؟ واين هو من القصة القصيرة؟ ومن الفكر؟ ومن انواع الشعر الثمانية المعروفة عند العرب؟ ومن استطاع ان يحشد الناس بالمءات في مهرجانات لا تجد لها مثيلا في وطننا الام؟ الناس ليسوا اغبياء وهم يسالون ويتساءلون ويحق لهم ان يتعجبوا من مفارقات غير مفهومة. ٥ نحن في افكار اغترابية لا ندعي اننا نملا فراغا، او نعوض عن خسارة في مرحلة. لكن العديد من النقاد من اصحاب الضماءر قالوا اننا نقلنا مركز الثقافة العربية الى سيدني بدلا من بيروت والقاهرة ودمشق، واطلقوا علينا اسم النهضة الاغترابية الثانية. طبعا نحن نفرح بهذا التقدير، ولا يخرجنا عن جادة التواضع والعمل الدؤوب من اجل تحقيق اهدافنا. لكن التواضع لا يعني ان نضع شمعة تحت مكيال، كما يطلب منا البعض لغايات وغايات. فنحن خرجنا بالادب من اطار النوع الواحد. ولو نظرت الى اعمالي ترى انني لست شاعر تفعيلة ولا قصيدة نثرية ولا زجلية، ولا انا رواءي او مفكر او اكاديمي، انا كل ذلك، وكتبي موجودة لمن يريد ان يطلع عليها. وخسارة كبيرة انني بعيد ان مركز النقد العربي، ظاهرة التنوع في اعمالي لم تاخذ حقها كما اخذ حقهم ادباء النوع الواحد. ولو كنت في لبنان لكان افكار اغترابية كمشروع ادبي مهجري اصبج موضوعا لاطروحات جامعية، لكن قدرنا ان نخسر داءما بسبب الهجرة.
النقاد في أستراليا:
كيف ارضى عن حركة ادبية، واعمالي في عين الشمس، وهناك نقاد في استراليا يكتبون عن كل شيء الا عني؟ وهناك كثير من وساءل الاعلام التي رفضت ان تغطي زيارتي الى لبنان، وهي ظاهرة ادبية تاريخية؟ اترك لك ان تحقق في الموضوع وتكتشف السبب. كيف ارضى ان يتهافت النقاد على الترويج لادب هزيل ويغضون النظر عن اعمال جليلة؟ هناك من يتعاطون في الادب في استراليا لم يكتبوا عن اعمالي كلمة واحدة منذ عام ١٩٨٨. لقد كان الادب في استراليا قبل افكار اغترابية في مكان واصبح بعده في مكان اخر، لكن للنقاد رايا لا يتفق مع هذه النقلة، وكان المطلوب ان نبقى على ما كنا عليه . واسمح لي يا صديقي ان اقول انني لا اعتب وان كنت اكشف الحقيقة المؤلمة، لانني ابني لمئة سنة قادمة واحاول ملكا او اموت فاعذرا كما يقول امرؤ القيس.
الشعر والنثر:
في استراليا كثير من الشعر وقليل من النثر. واغلب الشعر من نوع الزجل، لكن بعض الشعراء طوروا وذهبوا الى الشعر المنثور. وما نسبته ٩٩ في المئة من شعراء النثر لا يعرفون الاوزان ولم ينظموا عليها في حياتهم. الخلاصة ان هناك في العموم شعراء متخصصون بنوع واحد، وقلما نجد من ينوع. وهذه هي ميزة افكار اغترابية الذي نجح في الخروج من اطار الالتزام بنوع واحد الى فضاءات الشعر والنثر والفكر. فالناس في استراليا لا يتحدثون عن جميل الدويهي كشاعر بل كشاعر الانماط الثمانية وكناثر ومفكر واكاديمي. وقد كتبت عني الاديبة والاعلامية كلود ناصيف حرب كتابا وصفتني فيه بالعبقري اللبق، وبرهنت الانواع التي اكتبها، فالف شكر لها. وانا اقول في كل مناسبة: الله هو الشاعر وانا منتحل صفة. فكل ابداع ليس منا بل من فضل الخالق علينا. ٨ لا يختلف الادب في استراليا عن غيره من ادب الانتشار، والمواضيع التي يتطرق اليها معروفة، وخصوصا في شعر الزجل.، من حنين الى الوطن، وغزل وحب ومواضيع اجتماعية . ويهمني كمؤسس لمشروع افكار اغترابية ان اؤكد مرة اخرى على دور مشروعي في احتضان طاقات جديدة، ومد الجسور مع الحركات الادبية والمثقفين في مختلف القارات، واطلاق ثورة في التعبير والتنوع في المواضيع والاشكال، لانني اؤمن بان الادب لا يقوم على نوع واحد.
إضافة أفكار اغترابية:
اسمح لي هنا ان اتحدث عن الاضافة التي قدمها مشروع افكار اغترابية، وهو بشهادة الجميع مشروع حي ونابض بالعطاء، ولا يمر يوم الا وفي جعبتنا عمل او انجاز نضعه بعهدة للدارسين للادب الاغترابي وزيارتنا الى لبنان والمناسبات التي اقيمت لنا ومقدار المحبة التي غمرننا في لبنان لم تات من فراغ، بل لان لنا سجلا غنيا بالانجازات. والثابت ان الادب ينمو في بيءة بعيدة ويغتني منها، وفي السنة الماضية نشرت قصة بعنوان "الابحار الى حافة الزمن"، هي كناية عن مغامرة في غابة استرالية. لقد زاوجت بين الادب العربي والبيئة الاسترالية. وننتظر من النقاد ان يتناولوا اعمالنا، على الاقل في العصور المقبلة.
مؤلفاتي:
حوالي 40 مؤلفا عندي، اذا اضفت اليها قصص الاطفال. واطمح الى المزيد. لا اتوقف لان هناك من ينصحني بعدم الاكثار من النشر. هناك من يقدمون هذا النصح بنية طيبة وهناك من يقدمونه لفرملة المشروع. ولكن عندي خطة لا استطيع تعديلها بناء على التوصيات التي تاتي من خارج نفسي. عندما اعود الى استراليا سانشر لعدد من الادباء الجدد، ثم انصرف لطباعة مجموعة فكرية بعنوان "هكذا حدثتني الروح"، وديوانين بالفصحى والعامية. وساظل اضرب حديدا حاميا ولو واجهت الاهمال والتجاهل والتجهيل. واريد من النقاد والاعلام ان يعرفوا ان المسيرة متواصلة، ومن يريد المواكبة فاهلا به.
خوف له ما يبرره:
كانت حركة الشعر في لبنان مهمة جدا. وقد رحل العملاق سعيد عقل لينطوي عصر ادبي مجيد. واخشى وانا اراقب بحس نقدي، ان نبتعد قليلا عن دائرة الضوء. واسمع شعرا في مناسبات يجهد اصحابه في توصيله ويبالغون في الاطالة والنحت المضني. وشتان بين قصيدة تنساب كالماء الرقراق وتدخل الى القلب وقصيدة قدت من صخر، او كجبلة باطون. بصراحة اقول: عندي خوف وله ما يبرره. بالنسبة لي، انتمي الى مدارس مختلفة، وفي اعمالي تجد الواقعية والرمزية والسوريالية والرومنطيقية... ولانني كثير التنوع لا احصر نفسي في مذهب واحد. ولست اخجل ان اقول: اتمنى ان اكون ذات يوم مدرسة يقتدي بها الاخرون . وهناك العديد من الادباء حول العالم كتبوا محاكاة لاعمالي ونسجوا على منوال قصائدي.
الاغتراب ولبنان:
بقي معنا لبنان كله. باختصار نحن سفراء لبنان في اصقاع الارض. الف شكر لكم. وتحية من كل مغترب.
استضافت الشاعرة اللبنانية المميزة السيدة جولييت أنطونيوس، عبر أثير إذاعة "دريم إف إم"، وضمن برنامجها "حكي قصايد"، الأديب المهجري د. جميل الدويهي، في مقابلة شاملة استمرت أكثر من ساعة، وكان حوار صادق وبناء وصريح على الهواء مباشرة، بين أستراليا ولبنان، تخللته مداخلات من عشرات المستمعين. وتمحور اللقاء حول الاغتراب، ودور مشروع الأديب الدويهي "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الراقي في تعزيز الحركة الأدبية في أستراليا، وأنواع الأدب التي يكتبها ويتميز بها وطبعت مسيرته الإبداعية الغنية.
قدمت الشاعرة أنطونيوس الأديب الدويهي قائلة:
عادي جداً في حياتك أن تتعرف على صحفي مرموق، أو روائي أو كاتب، أو أستاذ جامعي أكاديمي، أو موثّق، أو شاعر يكتب الفصحى والعامية، أو ناقد، أو مترجم، أو ناشط... أمّا أن تلتقي بكل هؤلاء في شخصية واحدة، فيمكن أن تعتقد أن هذا مستحيل، وربما يكون ضرباً من التخيل... لا، ليس تخيلاً. فضيف اليوم هو كل هؤلاء، ولهذا السبب لم أجد تعريفاً له، لأن اسمه يختزل كل التعريفات. ولست أبالغ إذا قلت إنه هو التعريف الآخر لمفهوم الأدب وكلّ الفنون المتفرعة منه. باختصار، هو الكلمة التي لبستْ الروح وصارت إنساناً. إنسان لا يتعب من الخلق، فقد وهب نفسه وتجربته وخبرته لكل سائل حبر. لا يتوقف عن ابتكار طرق جديدة لفرح البذل. هو الواهب والهِبة، هو الشاعر والقصيدة، هو المهاجر والوطن... هو الذي انتدب نفسه لهذا النفس الجميل من العطاء. أسّس "أفكار اغترابيّة" ليجمع ما تشتت من خلجات الشعر المنتشرة في خاصرة الأرض، وليخوض معها معارك اللغة العربية، حيث لا صوت لها في بلاد الاغتراب. هو المغترِب الذي ما تخلى يوماً عن لبنان. حفظه في قلبه وفي قلمه، حتى أنجب من حبره كوناً من الإبداع سماه لبنان... لا تنتظروا مني أن أعدد إصداراته أو التكريمات التي حصل عليها، أو الإنجازات التي حققها في مختلف البلدان، وصولاً إلى أستراليا، فلا الوقت يسمح... ولا الورق يتسع.
وفي مستهل اللقاء وصف الدويهي الشاعرة أنطونيوس بالشاعرة الجميلة، ذات الإحساس المرهف، وقال إنه يتابعها ويسمعها ويتمتع بجمال شعرها، كما وجه تحية إلى صديق العمر الجميل الإعلامي ميشال دمعة، وإذاعة دريم إف إم والمستمعين. وقال: "إن لبنان في المهجر بخير، لكن بالنا مشغول عليكم. نحن نبكي وأرواحنا تبكي على ما يجري في لبنان. وليت عندنا مسؤولين يسمعون ويصغون لهذا الشعب المسكين، ويخرجونه من هذه الأزمة الكبيرة، أزمة الجوع التي لم يحدث مثلها إلا في الحرب العالمية الأولى".
وتمنى الدويهي أن تصحو الضمائر ويكون عند الحاكمين إحساس بالمسؤولية، ويعرفوا أن السياسة هي خدمة، والأوطان ليست مشاريع استثمار وعمل وغنى وثروات طائلة، هي مكان يعيش فيه الغني والفقير، الكبير والصغير بكرامة. وقال: "ما زلنا نامل. وكل المغتربين قلوبهم معكم، وليتنا نستطيع أن نصعد إلى طائرة ونذهب إليكم لمساعدتكم."
وعن تأثير فيروس كورونا على أستراليا والجالية اللبنانية، وعلى نشاط مشروعه الأدبي "أفكار اغترابية"، قال الدويهي إن العالم كلعه تأثر بالفيروس، لكن أستراليا هي من أنجح الدول في حصر هذا الوباء، ولولا بعض الارتفاع في الإصابات في ملبورن، لكانت أستراليا حافظت على الرقم صفر إصابة. وبالنسبة للجالية اللبنانية لم تكن هناك إصابات تذكر في صفوفها. وأضاف: "في العمل الثقافي، جمدنا كل نشاطاتنا تقريباً، من مهرجانات وأمسيات، سواء في في سيدني أو في ملبورن، لكن حوّلنا اهتمامنا نحو إصدار مجموعة من الكتب، دفعنا بها إلى المطبعة، فلدينا الآن 7 أو 8 كتب ستصدر تباعاً خلال العام الجاري".
وعدد الكتب التي ستصدر هذا العام: "بنفسج ناطر تا ترجع الضحكه" للأديبة مريم رعيدي الدويهي، "هذا الأديب من بلادي - كتبتُ عن جميل الدويهي" للأديبة كلود ناصيف حرب، "عاشقان تحت خيمة ياسمين" للأديبة كلادس القزي، مجلة تتضمّن وقائع الجلسة الحوارية حول كتاب الدويهي الفكري "هكذا حدثتني الروح"، بالإضافة إلى ثلاثة كتب للدويهي: "نقوش على خريف الغربة - شعر فصيح"، "حدثَ في أيام الجوع - رواية"، و"نصوص فلسفية" باللغة الإنكليزية... كما أشار إلى كتاب سيصدر عن مشروع "أفكار اغترابية" في أوائل عام 2021 للأديب سليمان يوسف ابراهيم بعنوان "من سليمان يوسف ابراهيم إلى جميل الدويهي وأفكار اغترابية".
وأشار الدويهي إلى أن كثيرين نشروا من خلال "أفكار اغترابية"، البعض ما زالوا معه، والبعض غادروا. وهو لا يلتفت إلى الوراء، وليست عنده تكيّة، ولا يلزم أحداً بالبقاء في مشروعه.
وسألت الشاعرة أنطونيوس: لماذا هاجرتَ من لبنان؟ فأجاب الدويهي: "غادرت لبنان في ظروف سياسية عام 1988، وكانت الأجواء ضاغطة على كل إنسان يفكر بحرّية أو يقول كلمة حق. إضررنا للهجرة... وكنا نخطط لكي نعود إلى لبنان في غضون بضع سنوات، لكن كما ترين، فالاحوال لم تتحسن. وقد عدتُ مرتين إلى لبنان (1997و2004) ولكن لم أوفق في البقاء، وعدت إلى أستراليا".
ووصف الدويهي صعوبات الهجرة، من عذاب وتشرد ومعاناة، "لقد تشردنا في خيام الريح، وهم يعيشون في قصورهم وأبراجهم العاجيّة، ويرتدون ربطات العنق، ويسيرون بين الجائعين... لا أعرف كيف يستطيع مسؤول أن يضحك أو يبتسم أو يغني وهو يمشي في جنازة، وكيف يستطيع أن يترفّه وعائلته وحاشيته والناس يموتون على الطرقات في ظواهر غريبة لم نر مثيلاً لها في تاريخ العالم..."
وأوضح قائلاً: "في العديد من مجاعات العالم السابقة كان الناس يهربونن من الموت جوعاً، ويحاولون أن يعثروا على لقمة خبز لكي ينجوا بأنفسهم من الموت، ونحن نقتل أنفسنا لكي لا نجوع... هذا لم يحدث في تاريخ الأمم والشعوب".
ورداً على سؤال: هل الناس في أستراليا يستمعون إلى الشعر؟ قال الدويهي إنه يقيم مهرجانات في سيدني يحضرها المئات، "وهذا يدل على أن الناس في أستراليا يحترمون الأدب والتراث، وبالأخص أعمالي التي يحبونها، وهذا من فضل ربي".
وأشارت الشاعرة أنطونيوس إلى ما نشره الدويهي على صفحته مؤخراً، حيث أثبت 17 نوعاً من أنواع الكتابة التي مارسها، وسألته عن النوع الذي أضاف إليه بصمة خاصة، فأجاب: " هذا أصعب سؤال طرح عليّ في حياتي الأدبية، فكأن أحداً يسألني من تحب أكثر من أولادك؟.. أنا أميل إلى الأنواع الأدبية أكثر، ولا أميل إلى كتابة التاريخ والمقالة، والأكاديميا التي أكتبها لأنني أكاديمي... الأنواع الأدبية مثل الشعر، القصة القصيرة، الرواية والفكر تعني لي الكثير".
وأوضح الدويهي فكرة وصفها بالغالية على قلبه والثمينة، وهي أنه عندما يثبت هذه الأنواع، فهو يريد أن يقول: هذه أستراليا، البلاد البعيدة، التي لم يكن الناس يعتقدون أن فيها أدباً متنوعاً وفريداً. سيدني تحولت الآن إلى مدينة ثقافية عربية. وأحب أن يعرف النقاد الذين قد يكتبون ويؤرخون هذه الحقيقة، وأن يذكروها في ما يذكرون.
ولماذا توقفت عن الكتابة النقدية؟ أوضح الدويهي: "انكفأت عن كتابة النقد مثل أغلب النقاد الذين يعرفون النقد. انكفأت لأنني رأيت أن النقد لم يعد نقداً، بل أصبح نقد صداقات، وتبادل مجاملات، والغريب أنني أرى نقاداً يكتبون عن شعر لا يفهمونه. فهم يمدحونه ويشيدون به، وبصاحبه، ولو سألتهم: ماذا فهموا من النص؟ لا يستطيعون الإجابة. ورأيت أيضاً أن البعض يستعين بأصدقائه وأقربائه والذين يزورونه في بيته لكي يكتبوا عنه ويمجدوه، وهم ليسوا نقاداً في الأصل، وهذا ما دفعني إلى ترك الساحة للآخري، وأنا أكمل في مسيرتي الأدبية".
وعن دور المرأة في حياته وأدبه، قال إنه كتب الكثير عن المرأة، وتعاطف مع قضاياها، ودعا إلى أن يكون دورها كاملاً في المجتمع، "كتبت كثيراً عن المرأة، خصصاً في أعمالي النثرية والفكرية، حيث دافعت عنها ورفضت التمييز بحقها، وعلى سبيل المثال، كتبت نصاً بعنوان "غبي من يقول إنها كذلك" في كتابي "تأملات من صفاء الروح"، أقول فيه إن المرأة إذا أخطأت يخطئ الرجل معها، فإذا قلتم عنها ذلك تقولونه عن الرجل أيضاً... وهذا منطقي وصحيح".
ووصف الدويهي البذ بأنه أجمل شيء في الحياة، "هو نغمة سماوية ترقص القلوب لها وتفرح الأوراح، ولولا الحب ماذا كنا سنكتب؟... الحب هو الذي يحرك المشاعر ويجمّل، فتصوّري حياة من غير حبّ... إنها مجرد صراء قاحلة، أو غابة مهجورة من كل شيء، من اللون، والاخضرار والجمال".
ورداً على سؤال قال الدويهي: "إن في العالم العربي الآن ملايين "الشعراء" وليس الآلاف منهم. "لكن الشعراء الشعراء قلائل جداً، وهذا أمر طبيعي يحدث في كل العصور الأدبية".
وأثناء اللقاء القى الدويهي عدة قصائد عن الوطن والحبّ، وأشار إلى أن جائزة "أفكار اغترابية" للعام 2021 ستقدم مبدئياً إلى 7 مستحقين، بعضهم مبدعون، والبعض الآخر قدموا خدمات جليلة لنهضة الأدب والثقافة.
أجرت إذاعة 2000 إف إم- سيدني لقاء إذاعياً مع صاحب كتاب "في معبد الروح" الأديب اللبناني المهجري الدكتور جميل الدويهي. أجرى اللقاء الأستاذ بادرو الحجة بإدارة الدكتور علاء العوادي مدير الإذاعة ومشاركة الزميلة جمانة والأستاذة مريم الدويهي زوجة الأديب اللبناني.
استهل اللقاء الدكتور علاء العوادي بالقول: شهادتي مجروحة بالأديب جميل الدويهي الذي يسمونه على نطاق واسع بشاعر التأمل والحرّيّة، وهذه القامة الأدبية غنيّة عن التعريف، وقد شرّفنا بحضوره في استوديوهات 2000 إف إم. والدكتور الدويهي هو من القُدامى في هذه الإذاعة، منذ أيام الأستاذ نبيل طنوس -رحمه الله. واليوم سنلقي الضوء على كتاب الدويهي الجميل "في معبد الروح".
وأعطى الدكتور العوادي الميكروفون إلى الزميل بادرو الحجه الذي قال في مقدمته:
"عيديّة كبيرة، مع أديب، شاعر، صحافي و إعلامي كبير من أبناء الجالية.
من عائلة لبنانية- زغرتاوية عريقة أعطت لبنان والعالم رجال دين، فكر وأدب حيث تركت بصمة بيضاء في عالمنا هذا.
إنه الدكتور جميل الدويهي الذي نحاوره اليوم حول موسوعته الأدبية الرائعة، وندخل معه في هذه الأعياد المجيدة معبده الخاص ونجول معه في ٣٧ محطة من دستوره وشريعته التي تقمّص من خلالها شخصية الكاهن ومرشد للسلام والمحبة.
أستاذ جامعي عاصر الكبار وانتقد البعض منهم، ذاق طعم الاغتراب والحرمان وابتعد عن وطن الارز ونبع مار سركيس ومعبد يوسف بك كرم - أهدن، لكنّ سيدة زغرتا رافقته في كل خطواته الناجحة في الاغتراب.
مؤخراً أحدث تظاهرة فنّية وأدبية في الجالية حيث وقّع وأهدى لأبناء الجالية أربعة كتب شعرية وأدبية وتاريخية بينها رائعته "في معبد الروح”.
الإذاعة العربية 2000 إف إم تستقبل اليوم من ترك بصمته الأدبية والاعلامية في أرجائها.
نرحب بمدير تحرير جريدة "المستقبل" الاسترالية وصاحب موقع "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الدكتور جميل الدويهي."
جميل: أهلاً وسهلاً ومرحباً بك، شكراً على هذه المقدمة الجميلة، شكراً دكتور علاء العوادي والأستاذة جمانة، أشكر هذه الإذاعة وأتمنى لها دوام التوفيق، وإن شاء الله تبقون في هذا النجاخ دائماً. وهذه الإذاعة تشعرنا بالحنين والشجن لأنّنا نحن من المؤسّسين الوائل لها مع الراحل الكبير الأستاذ نبيل طنوس. إن شاء الله تكون نفسه في السماء ونتذكره دائماً بالخير. أستاذ بدرو أنا ممتنّ لك على هذه المبادرة اللطيفة، وأهنئك بإطلالاتك الإعلامية المميزة، وأهنئ الجالية بالأعياد المباركة، وأتمنى أن تعود على الجميع بالخير والسعادة دائماً.
بادرو: أرحب أيضاً بالسيدة مريم الدويهي. وراء كل رجل عظيم امرأة. وهي مثقفة وأديبة. وأعيّد عائلتكم الصغيرة والكبيرة من أبناء الجالية.
جميل: نحن العظمة ليست لنا. نحن أناس التواضع والمحبّة والفكر. وكلّ شيء نفعله هو من فضل الله تعالى الذي أعطانا. في كل إبداعاتنا نحن منتحلو صفة، لأنّ الصفات الجميلة والعظمة هي ملك لله تعالى.
بادرو:أريد أن أدخل معك إلى معبدك الخاص "في معبد الروح"، في فترة الأعياد بالذات، وقد تعمّقت في قراءة هذا المعبد، وكم نحن في حاجة في هذا العصر إلى أن نأخذ العبَر من الكتاب. 37 محطّة تقمّصتَ فيها دور الكاهن. بشّرت بالخير في هذه الظروف الصعبة التي نمرّ بها. 37 محطّة أعتبرُها دستوراً لو سار الجميع بحسب دعوته نصل إلى الكمال.
جميل: يا ليتنا نستلهم من الكتاب وممّا جاء به المفكرون والكتاب العظام الذين مروا في العالم. من أول التاريخ دعا الفلاسفة والمفكرون إلى الخير والمحبة والسلام، لكن للأسف العالم اليوم يتخبط في دمار ومشكلات كبرى. وقد حاولت أن أضع من خلال الكتاب حجراً صغيرً في بناء المجتمع، فليتنا نقرأ ونصغي إلى ما ورد في الكتاب, فلو طبّقنا فعلاً الأفكار الواردة فيه لكنّا ابتعدنا عن كثير من المشكلات.
بادرو:37 محطة في 100 صفحة. إذا بدأت بقراءة الصفحة الأولى لا تستطيع أن تتوقف عن القراءة حتى آخر الكتاب. وكلّما قرأتَ نفذتَ أكثر إلى الأعماق والأبعاد. سؤالي: بعد هذه الموسوعة الأدبية الرئعة أليست عندك مسؤولية كبيرة في نشر كتاب آخر؟
جميل: طبعاً. كنت أقول دائماً إنّ "في معبد الروح" يخيفني، لأنني أعتبره من أهمّ أعمالي، وقد سميته على موقعي للأدب الراقي "أفكار اغترابية": "رائعة جميل الدويهي"، وهناك من يقولون: لماذا يسمّي كتابه رائعة؟ لي الحقّ في أن أقول إنه رائعة لأنّه أهمّ عمل عندي. هو رائعة أعمالي، ولم أقصد بكلمة "رائعة" أنه أفضل من كتب الآخرين.
بادرو: أنت تتعرّض لكثير من الحملات الإعلامية. الشجرة المثمرة تتعرض دائماً للرشق بالحجارة.
جميل: للأسف، للأسف، للأسف، للأسف... هذا هو الواقع المرير الذي نعيشه كل يوم، ونتعذّب من أجله. بدلاً من أن يبارك بعض الناس الأعمال الجيّدة، ويقدّرون الكاتب الذي سهر وتعب وأبدع، تظهر بين الفينة والأخرى فقاقيع صابون في المجتمع. أحد الأشخاص يروّج أنّ "في معبد الروح" فيه اقتباس. "أضحك من هَيك ما بقا يصير". الكتاب كتبته بطريقة الاسترسال الشعري، ولم يكن لديّ مصادر ومراجع. وليست هناك جملة يمكن أن يقول أحد إنني أخذتها عن أحد، إلاّ إذا كانت في معرض الردّ على الفلاسفة والمفكرين. مثلاً إذا كنت أرد على جبران أو غوته أو نيتشه، فمن الطبيعي أن أذكر ماذا قالوا لكي أمهّد لما أريد أن أقوله. وهذا ليس اقتباساً. وفي كتابي ناقشت العديد من الفلاسفة والمفكرين. وأحب هنا أن أوضح قضية مهمّة جداً وهي أن جبران خليل جبران اقتبس. وفي كتابه "النبي" كثير من الاقتباسات عن كتاب الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه "هكذا تكلّم زرادشت"، وعندي بحث أكاديمي منشور على موقعي للأدب المهجري الراقي "أفكار اغترابية" عن اقتباسات جبران الفكرية. كما أحبّ أن أذكر لك معلومة قد تكون تُنشر لأول مرة، وهي أن جبران خليل جبران كتب أقصوصة عن مدينة فيها بئر، وتأتي ساحرة في الليل فتلقي قطرات من سائل غريب في تلك البئر، وعندما يشرب أهل المدينة من البئر يصبحون مجانين، أما الملك والوزير فلم يشربا من البئر فظلاّ عاقلين، فتظاهر الناس معتبرين أن الملك ووزيره مجنونان، فاضطر الاثنان أن يشربا من البئر، فرضي الناس وقالوا: عاد ملكنا ووزيره إلى الصواب. هذه القصة مأخوذة عن أسطورة قديمة قد تكون من التيبت على الأرجح، وقد كتبها أيضاً توفيق الحكيم في مسرحيته الشهيرة "نهر الجنون" كما كتبها الأديب العالمي باولو كويلو في روايته "فيرونيكا تقرّر أن تموت"... ثمّ نحن نتذكر المذهب الكلاسيكي حيث كان الاقتباس من أسس المذهب وكانت الأكاديمية الفرنسية تراقب أعمال الكتّاب، وتفرض عليهم أن يأخذوا نصوصاً من الميثولوجيا اليونانية أو الرومانية أو الفينيبية ويعيدوا صياغتها، وقد خالف بيار كورناي بعض الأسس الكلاسيكية وأدخل على مسرحيته "السيد" إبداعات جديدة، فتعرض لانتقادات شديدة. وصلاح لبكي اقتبس في كتابه "من أعماق الجبل" أقصوصة كاملة من غير أن يغيّر حرفاً واحداً فيها، عن راباندرانات طاغور، هي قصة "طليق وسجين"، نقلها لبكي بالترجمة إلى العربية... فلماذا يا أهل الخير تتضايقون من "اقتباسي" وأنا لم أقتبس أصلاً. (الغريب أنّ بعض الناس يصوّبون على الكتاب وهم لم يقرأوه، ولم يعرفوا ماذا في داخله).
جمانة: الكتاب "في معبد الروح" جميل فعلاً.
جميل: ثم يأتيك واحد ويقول: أنت مخطئ. حسناً، ناقشني في هذا الخطأ. 30 أو 40 أستاذ جامعة قرأوا كتاب "في معبد الروح" وهو منشور على موقع الأدب المهجري الراقي "أفكار اغترابية"، لم يقل أحد لي أنت مخطئ في أي مكان، لأنّ ما أطرحه هو أفكار وآراء أؤمن بها.
جمانة: طبيعي أن يكون هناك واحد أو اثنان ينتقدان، وتكون أنت واثقاً مئة في المئة من أنّ ما كتبته صحيح.
جميل: طبعاً، ذا قال أحدهم أنت مخطئ في القواعد واللغة أو قلت إن الشمس تشرق من الغرب أو جعلت الصحراء العربية في المحيط المتجمد الجنوبي، فأنا لا أعتب، بل أعتذر، ولكن لا يستطيع أحد أن يعترض على كلام مثل هذا يُقال لأول مرة في التاريخ: "قد تظنون أن الفصول أربعة ولكنها في الحقيقة فصل واحد يرتدي ثياباً مختلفة". هذا رأيي.
بادرو: المشكلة الكبيرة التي نعاني منها هي أنّ الإنسان الناجح يُحارب دائماً. أريد أن أخوض معك في موضوع حسّاس جداً. الوصية عن السلام التي أوصيت بها في العظة الخيرة. نحن على أبواب سنة جديدة، ونأمل أن يعمّ السلام وطننا الذي تهجرنا منه، فالسلام له شأن كبير عندنا.
جميل: بالطبع. لقد بدأت الكتاب بالسلام وأنهيته بالسلام، وهنا أريد أن أشير إلى أن 10 آلاف مفكر قبلي تحدثوا عن السلام، فهل ممنوع أن أتحدث أنا عنه؟ وإذا كان 10 آلاف فيلسوف تحدثوا عن المحبّة والخير والأخلاق ، فهل يحظر عليّ الخوض في هذه المواضيع بلغتي الخاصة ومقاربتي الشخصية؟ وهل علينا أن نضع المواضيع في ثلاجة ونقفل عليها ونمنع الناس من أن يخوضوا فيها؟
جمانة: بالطبع لا. كل إنسان له رأيه ورؤيته الخاصة.
جميل: أنا لا أوافق كثيرين من المفكرين على آرائهم، ومن بينهم جبران خليل جبران في مواضيع التقمص 7 مرات، والحلولية، والخير والشرّ، ولكني أحترم آراءه، فهو عنده وجهة نظر وأنا لديّ وجهة نظر. ثمّ هناك في كتابي مواضيع كثيرة جديدة يمكن التركيز عليها بدلاً من اختراع سلبيات، فعن الزمن أقول: "لا تنتظروا من الزمن أن يسير معكم إلى الأمام، بل الأجدى أن تسيروا معه راضين، ولا تنظروا وراءكم، لأنكم منذ الولادة تسيرون إلى الوراء"، وعندما يأتي إليّ الناس ويشتكون من غضب البحر والعناصر أقول لهم: أحبّوا الزهرة وأحبوا الأشواك... أمّا عن مناقضة العِلم فإنّ الناس جميعاً يعتقدون أنّ الكون ناشئ من تراب وهواء ونار وماء، وفي كتابي أقول: "ما أدراكم ماذا يوجد في المكان الذي لا تصل إليه عقولكم وأفئدتكم؟". في رأيي قد تكون في الكون موادّ لا نعرفها، فنحن نعرف ماذا يوجد على الأرض وفي الكواكب التي اكتشفناها، ولا نعرف ماذا يوجد في الفضاء الخارجي وماذا وراء الكون ووراء الأبعاد. وفي كتابي قسّمت الخير إلى 3 مراتب، في تجديد لرؤية الخير: "إذا أطعمتُم من طعامكم إنساناً جائعاً تكونون خيّرين في عيون الله، أمّا إذا أعطيتم الآخرين قبل أن تأكلوا فتكونون أفضل من الخيّرين، وإذا كنتم جائعين وطرق على بابكم جائع فأطعمتموه ولم تأكلوا أنتم، فإنّكم إذّاك أفضل من أفضل الخيّرين".
بادرو: هل تقرأ لنا وصيّتك عن السلام؟
جميل: "فاصنعوا سلاماً يا إخوتي، وليكن سلاماً يدوم لأبنائكم وأحفادكم، وازرعوا في كل حقل شجرة سلام، وأضيئوا في كل بيت شمعة للسلام، وصلّوا صلاة المجد لإله السلام، وإذا سمعتم ذات يوم إله الحرب يصرخ إليكم، فاخرجوا إليه حفاةً عُراة، واطردوه من بينكم، وإذا رفض الرحيل، فاطرحوه أرضاً وعفّروا وجهه بالتراب، واقطعوا لسانه لكي لا يبقى له صوت، ولن تكون لي في ما تبقى من حياة غبطة أكبر من غبطتي بإله السلام الذي يعيش معكم ولن يخرج من بينكم بعد الآن".
بادرو:هاجرتَ كثيراً، لكنّ الوطن يبقى معك وفي كتاباتك، ولم تغب عنه ولا لحظة. أنت تتقمّص الكاهن القروي، وتخيّلتك في زغرتا أو إهدن، وكنت تقدّم هذه العظات من هناك.
جميل: طبعاً الهجرة صارت جزءاً من حياتنا، وأنا أكتب عن الهجرة، ولكن بأفكار أعمق من معنى الرحيل والانتقال من مكان إلى آخر. قلتُ في عظة الهجرة ما معناه أنّكم إذا ذهبتم إلى بلد فاحترموا أهله وقوانينه ونظامه، ولا تنشئوا أنظمة خاصة بكم، وإذا مررتم بالقرب من مقبرة فصلّوا على الأموات وإن كنتم لا تعرفونهم، ولا تسألوا: مَن هم؟ وما هي دياناتهم؟... إذن تحدثت عن الهجرة في معنى أعمق من معناها العادي.
بادرو:تحدثت كثيراً عن المسامحة، ونحن في عصر نحتاج فيه إلى هذه القيمة.
جميل: المسامحة قيمة مهمّة. سمّيتها قنديل المعرفة.
بادرو: لنتحدّث قليلاً في الماورائيات. هل غاص الدكتور جميل الدويهي في الماورائيات كما غاص فيها جبران خليل جبران، واكتشف جزءاً يسيراً من خفايا الكون؟ وماذا وراء الرحيل؟ وهل يحقّ لنا أن نبحث في الماورائيات؟
جميل: بالتأكيد يحقّ لنا، ولا شيء يمنعنا عن ذلك. لكن لكلّ إنسان أسلوبه, الفكر مفتوح والله أعطانا الحرية لكي نفكر ولا ننغلق. بالعكس، إذا انغلف الإنسان ولم يفكّر يضيع ويتوه. وإذا فكّر بطريقة عقلانية يهتدي. أعطيك مثلاً: إذا قلت لي إن عقلي لا يحتمل وجود الله، أستغرب منك، لأنّ العقل لا يحتمل فكرة عدم وجود الله. لا يمكن في نظري أن يكون هناك شيء غير مولود. فولتير نظر إلى الساعة المعلّقة في صدره وقال: "لا أعتقد أنّ هذه الساعة قد وُجد ت من غير صانع صنعها"، فكيف لهذا الكون الغريب والعجيب والمركّب والمعقّد أكثر من الساعة ببلايين المرّات أن يكون قد صُنع من غير صانع؟ هذه طريقتي واعتقادي، وقد يأتي إليّ إنسان ملحد ويقول لي: أنت مخطئ، فأصحّح له وأقول: لك رأيك ولي رأيي.
بادرو: بعد الغوص في الماورائيات، إلى ماذا توصّلت؟
جميل: توصّلت إلى أنّ الله موجود. كتبت في كتابي "في معبد الروح" أنّك تجده في كلّ ما حولك. أنظر إلى نفسك، إلى ما يحيط بك. إلى فكرك وروحك، إلى السماء والكواكب، إلى الوردة والبحر... وكلّ ما تراه أمامك.
بادرو: هل تؤمن بالتقمّص مثل جبران خليل جبران؟
جميل: جبران آمن بالتقمص 7 مرات. هو حدّد العدد. وفي أوّل نص من كتاب "المجنون" بعنوان "كيف صرت مجنوناً"، يأتي السارق (ملاك الموت) ويأخذ عن الحائط الأقنعة السبعة التي تقنّع بها جبران في حيواته السبع، فيركض في الشوارع صائحاً: اللصوص الملاعين سرقوا أقنعتي. فيهرب الناس منه في كلّ اتجاه. وكان هناك فتى على سطح منزله يقول: أنظروا أيها الناس، هذا (جبران) مجنون، فنظر جبرن إلى الفتى ورأى الشمس، فلم يعد في حاجة إلى أقنعته. الشمس هي رمز الإله، وجبران رأى الإله فلم يعد يحتاج إلى الأقنعة. هذه هي الحلوليّة التي لا أؤمن بها أيضاً. أرفض أن يكون الإنسان هو الله والله هو الإنسان. فلو عاش الإنسان 10 ملايين مرة لا يستطيع أن يكون هو الله، فالخطيئة تبقى في الإنسان والله لا يخطأ.
بادرو: هل تشعر بأنّك تتعب في إيصال أفكارك؟ وهل الجميع يفهمونك؟
جميل: هناك الكثيرون فهموا "في معبد الروح”. وهناك أناس قالوا إنني فيلسوف وأنا لست فيلسوفاً، ولكنهم فعلوا هذا من حبتهم وعاطفتهم، الكتاب فيه فلسفة، وفيه أفكار فلسفية، وأناقش فيه بعض الفلاسفة، وأتفلسف أيضاً، ولكن لا أسمّي نفسي فيلسوفاً. الدكتور ناجي نصر وضع كتاباً بعنوان "سعيد عقل فيلسوفاً"، وجبران سمّي بالفيلسوف، وأمين الريحلاني كان يُلقب بفيلسوف الفريكة، ولكنّ هؤلاء مفكرون.
بادرو: أبرأيك ليس هناك فلاسفة؟
جميل: الحكم على الفلسفة يأتي فيما بعد. نحن لا نحكم على أنفسنا. لكن اسمح لي أن أقول إنه لأمر معيب أن يغضب البعض إذا سمعوا أحدهم يطلق عليّ لقب فيلسوف. أو كما سمّتني الأستاذة ليندا اللقيس غصن "نابغة العصر"، وأن تقوم القيامة من جراء ذلك. يعني إذا قال لي أحدهم: صباح الخير، أو كيف حالك؟ أو أنت شاب وسيم، أو أنت فعلت شيئاً جيداً، أو إذا حصلت على كأس فضية، أو فزت في الرياضة... فماذا يغيظ بعض الناس؟ ولماذا يتدخلون في موضوع فتنة؟ ولماذا يتصلون هاتفياً بأصحاب الرأي ليمنعوهم، ويسألونهم: لماذا قلتكم ذلك "يللي ما بْتعرفو وما بتفهمو الفلسفة؟"... يا أخي المتصل أنتَ من أساء إليك؟ ومن تعاطى في شؤونك؟!
بادرو: هذه هي الغيرة.
جمانة: طبعاً هذه الغيرة بعينها.
جميل: اسمحوا لي فقط أن أستغرب.
بادرو: هناك كثيرون من الناس عندما علموا بأننا سنستضيفك في هذه الحلقة المميزة، أظهروا أنهم يحبونك في لبنان وأستراليا، ووقفوا معك في وجه تلك الحملة التي تعرّضت لها مؤخراً، وهم شبهوا "في معبد الروح" بكتب عظيمة مثل كتاب "النبي"، وكتب أخرى هي دساتير للعالم. أنا أعتبر "في معبد الروح" كتاباً كبيراً ومميزاً شاء من شاء وأبى من أبى.
جميل: لقد برهنَ الناس عن محبتهم لي وبرهنتُ أنّني لا أيأس في أمسيتي، مهرجان الأدب المهجري الراقي. كانت الأمسية حاشدة بشكل كبير وجديد.
بادرو: كنّا موجودين نحن فيها.
جميل: الشهود موجودون ولا أحد يوقف الإبداع. ألقيت في المهرجان 5 أنواع من الشعر من أصل سبعة أنواع أكتبها، وكنت أشرح للجمهور طريقة كل نوع. وكان البرنامج الفني والأدبي مميّزاً إلى أبعد الحدود. ويهمني أن أذكر هنا إ أن الكثيرين كتبوا عن "في معبد الروح" وسيصدر كتاب بعنوان "كتبوا عن في معبد الروح" وستكون هذه المقابلة جزءاً من الكتاب. وقبل أن أنسى اسمحوا لي أن أشكر جميع الناس وجميع المحبين. هؤلاء نحيا بهم ومعهم. لو كنت أديباً أو مسرحياً أو مغنياً وليس عندي جمهور فلا أعني شيئاً. الناس هم الذين يخلقون الأديب والمفكر والفنان خلقاً ثانياً، وإلا فسنضطر إلى أن نجلس في الغرفة ونقفل الباب علينا ونتحدث إلى أنفسنا. أما الذين يثيرون فقاقيع الصابون، فهؤلاء ينضحون بما فيهم، وسيذكرهم التاريخ ذات يوم.
د. علاء: طبعاً هي ضريبة النجاج دكتور. هذه قضية معروفة.
جميل: صدقني، لن أترك شاردة وواردة إلا وسأسجّلها ليكون الناس على علم. فالعدل يجب أن يسود، وإذا لم نسعَ نحن لإحلال العدل فالباطل سينتصر، ولن ندع الباطل ينتصر علينا.
بادرو: حققت ظاهرة أدبية وفكرية في "سيدة لبنان" عندما وقعت 4 كتب وأهديتها مجاناً إلى الناس. كان هناك عرس أدبي وشعري. وكانت الصالة مليئة بشكل كامل. ونحن شهود أنا والدكتور علاء العوادي.
جميل: أشكر حضوركم وكنتم نوراً على نور. وإن شاء الله في الأمسية المقبلة سنأخذ معنا كل هذه الإذاعة إلى الحفل... كانت أمسية مميزة جداً وكان قلبي مليئاً بالفرح. وأحب أن أوجه تحية أيضاً إلى جميع من ساعدوني أو عرضوا علي المساعدة، وبالأخص الأستاذ جوزيف خوري رئيس تحرير جريدة "المستقبل" الذي كان راعياً للحفل ووضع كل إمكاناته لإنجاح المهرجان. وأشكر جمعية بطل لبنان يوسف بك كرم الزغرتاوية الذين وضعوا إمكاناتهم بتصرفي وجميع الأحزاب والروابط والجمعيات والمطربين: السيدة أنطوانيت الدويهي، الأستاذ طوني يونس، الأستاذ جان خليل، الأستاذ ألكس حدشيتي والمتكلمين جميعاً ومقدّمة الحفل الأستاذة كلود ناصيف حرب.
د. علاء: وراء كل رجل عظيم امرأة. فالسيدة مريم الدويهي لها دور كبير في مسيرة زوجها الأدبية.
مريم: نحن نشكركم كثيراً على هذه الشهادة الجميلة. وجودكم دائماً معنا وإعلامكم هو الذي يكمل مسيرة الشاعر ونجاحه. إن شاء الله تبقون على نجاحكم وتألقكم، وفي الأيام المقبلة سنقوم بنشاطات أخرى ويكون لكم وجود فيها تعتز به.
د. علاء: نحن على قناعة سيّدتي بأنّ لك دوراً كبيراً.
مريم: نحن ما فعلنا أكثر من قدرتنا. ونحاول أن نضيء شمعة في هذا المغترب. وكلّ خطوة للنجاح أو أمر إيجابي يكون الله راضياً عنه، ويضع البركة فيه.
بادرو: حضرتك شمعة أيضاً في الجالية لأنّك أعطيت الإلهام للدكتور جميل لكي يكتب هذه الموسوعة. بالطبع عندما كان يكتبها كان يطلعك على 37 محطّة. أيّ محطّة استوقفتك أكثر؟
مريم: بصراحة، كل موضوع يعالجه في الكتاب له وقعه واهميته وطعمه. لا أستطيع أن أفضل عظة عن الأخرى. أحب هنا أن أقول إن جميل عنده الاجتهاد دائماً وهو لا يكلّ ولا يملّ عن العطاء. ليس عنده وقت للراحة، ودائماً لديه شيء ليفعله. يخلق شيئاً من اللاشيء، ولا يحبّ أن يضيّع دقيقة هباء في حياته. وفي النهاية الله هو الملهم ونحن أداة نكمل هذه الرسالة.
علاء: لكن هذا شيء يتعبك. أليس كذلك؟
مريم: هذا شيء يتعب بالطبع، ولكن بالنتيجة هو عطاء لأجيال وأجيال وينفع البشرية، ولو كان على حساب صحّة جميل ونفسه. هو يتعب بفرح.
جميل: شكراً لكِ مريم وأنا أعتزّ بك.
مريم: هذه الإذاعة تعزّ علينا كثيراً، وكان جميل يعدّ ويقدم فيها العديد من البرامج، وكان نصيبي منها برنامج "دنيا العلوم" الذي كنت أقرأه من وراء هذا الميكروفون.
جميل: اسمحوا لي أن أوجّه تحية إلى السيدة زوجتي على نضالها معي في الحياة وتعاوننا دائماً، وعلى النور الذي وضعته في حياتي، ومهما حاولت أن أعبّر عن أهمية هذا النور فلا أستطيع أن أفيها حقّها عليّ. وأوجه تحية لابنتيّ ربى وليال على مساعدتهما، وإلى كلّ المحبّين في الجالية وخارج الجالية. ولديّ بشرى مهمة وهي أن موقع الأدب المهجريّ الراقي "أفكار اغترابية" تخطّى 18 مليون موقع حول العالم ليكون في السبعة أو الثمانية ملايين الأولى، وهذا الإنجاز أمر مهمّ لي. وأوجّه دعوة لكلّ أديب، شاعر أو مفكّر يريد أن ينشر أعماله لتكون في متناول أكبر عدد من القراء حول العالم . والبشرى الثانية هي أن 4 كتب ستصدر لي في أواخر عام 2016، من بينها "في معبد الروح 2"، و"في معبد الروح" بالإنكليزية، وسأرسل قريباً جداً إلى المطبعة كتاب "حاولت أن أتبع التهر... النهر لا يذهب إلى مكان" وهو كتاب شعري – نثري في أسلوب حداثيّ أنشر منه للمرة الأولى. وهكذا في كل عام سأقدم -إن شاء الله- كمية من الكتب على مستوى عال من النوعية.
علاء: نريد أن تعدنا دكتور جميل بلقاء آخر مطوّل وشرف لنا أن تحضر إلى إذاعتنا.
جميل: شكراً لكم. وإن شاء الله ستكون لنا لقاءات أخرى.
أكد الاديب المهجري د. جميل الدويهي أنّ أمسية 13 تشرين الثاني (قصائد للبنان) في صالة جمعية أبناء كفرحلدا الخيرية- سيدني، ستكون وقفة تضامنية مع لبنان، وهي بعيدة كل البعد عن الانقسامات، والتوتر الحاصل في لبنان
وفي حديث إلى إذاعة إس بي إس عربي، مع الزميلة الإعلامية جميلة الفخري، تحدث الدويهي عن مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي، وكيف بدأ كفكرة، وكموقع على الانترنت، واستقطب العديد من الشعراء والأدباء، وتخطى الحدود إلى خارج أستراليا. وقال إن رصيد أفكار اغترابية العشرات من الكتب وأمسيات أدبية حاشدة في سيدني وملبورن، ولبنان مؤخراً
وعن أمسية “قصايد للبنان” يوم الأربعاء 13 تشرين الثاني والتي ستكون سهرة فنية وأدبية، يشارك فيها أكثر من 12 أديباً وشاعراً، قال الدويهي “إنها أمسية بعيدة كل البعد عن الانقسام والخلافات، فالموقف الشخصي من قضية ما يختلف عن الموقف الوطني، ونحن في هذه الأمسية سنعبّر عن حبنا للبنان، وسندعو بصوت واحد إلى لبنان المحبة والسلام، ومهما فعلنا، فنحن لا نستطيع أن نكافئ هذا الوطن الذي أعطانا الحياة والخير والجمال، وفيه سقط آلاف الشهداء على مر العصور ليبقى عزيزاً وكريماً”
وقرأ الدويهي مقاطع من قصيدة حنين للوطن، ثم ختم بالإشارة إلى الزيارة الأخيرة إلى لبنان، تحت مظلة التوامة بين نادي الشر ق لحوار الحضارات ومشروعه الأدبي والحضاري أفكار اغترابية، فوصف تلك الزيارة بالتاريخية، وقال إن تكريم الوفد لم يقتصر على منطقة دون أخرى، بل شمل العديد من المدن والبلدات، وكانت الزيارة ناجحة وتميزت بأنها ضمت أدباء من أستراليا، أميركا وكندا، وواكبهم أصدقاء أفكار اغترابية في لبنان، كما تميزت بتقديم جائزة أفكار اغترابية لمجموعة من المبدعين، في حفل القصر البلدي – سن الفيل، وبرعاية وزارة الثقافة اللبنانية لأكثر من مناسبة. وختم الدويهي: “لعلها المرة ألاولى التي يتوجه فيها وفد ثقافي اغترابي بهذا الحجم والنوعية إلى الوطن، وقد فتحت الزيارة التاريخية الباب أمام زيارات أخرى في المستقبل”
أجرى الإعلامي من إذاعة "إس بي إس" الأستاذ صالح السقاف مقابلة مع الأديب والشاعر اللبناني المهجري الدكتور جميل الدويهي، قبيل مهرجان الأب المهجري "أمسية لا تفكري صار الهوى ذكرى"، تناولت العديد من المواضيع الأدبية والفكرية، فأكد الدويهي في مستهل اللقاء وفي موضوع "الأدب المهجري الراقي" أن الرقي هو من أهداف الإنسان الطموح الذي يحب العمل الجيد والمتقن. "وشخصياً أحذت شعاراً في موقعي "أفكار اغترابية" "لأدب مهجري راق" لأضع هدفاً أمامي وهو توصيل الكلمة الراقية والنبيلة التي تعبر عن الإنسان والإنسانية، وسأحاول كل جهدي لأصل إلى أدب إنساني فاعل ومميز، ليس بمفردي، فلكل إنسان الحق أن يضع هدفاً أمامه ويعمل من أجله. وشعاري "لأدب مهجري راق" سأعيش من أجل تحقيقه وسأبذل كل جهدي للوصول إليه. وسأل الأستاذ السقاف عن تسمية "أفكار اغترابية" فقال الدويهي إن العنوان ينطلق من لفظتين: الأولى هي الفكر، فالفكر أهم من الأدب، وهناك فرق كبير بين أديب ومفكر. سقراط وأرسطو وأفلاطون وغوته وجبران والريحاني ونعيمه كانوا مفكرين. وأنا أحب الفكر كثيراً وأسعى في أعمالي الآن وفي المستقبل لأن أطلق فكرة جميل الدويهي، بكل تواضع، وهي فكرة إنسانية تبحث عن إنسان جديد، عن العدالة في المجتمع والمحبة والخير والسلام، والذين قرأوا كتابي "في معبد الروح" يعرفون ماذا أعني في كلامي، وبعد "في معبد الروح" هناك "في معبد الروح -2" بعنوان آخر. اللفظة الثانية هي لفظة اغترابية، فهذا يتعلق من أننا أهل الاغتراب، وصرنا مهجرين أكثر من مرة من بلادنا، وتسعون في المئة من أبناء الجاليات في العالم هم مهجرون وليسوا مهاجرين، هذا الاغتراب له حق علينا أن نوصل صوته وكلمته وأن نكون سفراء ورسلاً له، وأنا لا أفصل بين الوطن والأغتراب، فالوطن يعيش في قلوبنا، ونحن متعلقون بالوطن، ولكن لأننا نعيش في بيئة جغرافية محددة بعيدة عن الوطن استخدمتُ لفظة "اغترابية"، وهي لا تُفسد للود قضية. وأشار الدويهي إلى أن موقعه "أفكار اغترابية" لا يعني أن الأعمال التي تنشر عليه هي فقط لأقلام مغتربين، فهناك من يرسلون مواد إلى الموقع من لبنان ودول أخرى، وهي تنشر أيضاً. وسأل الأستاذ السقاف عن مجموعة "لا تفكري صار الهوى ذكرى"، هل هي قصائد جديدة أم نشرت من قبل؟ فأجاب الدويهي: إن بعض القصائدد نشرت من قبل في صحف وعلى مواقع إلكترونية، والكتاب هو واحد من أربعة كتب ستقدم هدايا في الأمسية، ولكن الأمسية باسم "لا تفكري صار الهوى ذكرى" باعتبار أنه آخر كتاب صدر للدويهي. وسأل السقاف عن التناقض في مواضيع الغزل عند الدويهي، فتارة هو يقول للمرأة: يوم وحيد لن أحبّك بعده حتى تزول الأرض أو تقع السما ومرة يقول لها: فيروز غنت لي قمر من مشغره وحدّ القمر ممنوع إنِّك توقَفي... فأشار الدويهي إلى "أن التناقض ناتج عن الظروف وتغيّر الزمن والمواقف المختلفة، قد تقع حادثة أو مشكلة أو يكون هناك موضوع مختلف عن الآخر. ونحن ننوّع دائماً. يسألني الناس دائماً: هل كل هذه القصائد حقيقية، فأجيب: نحن نخترع ونؤلف ونتخيل أننا في مواقف معينة، فنكتب عنها، وأحياناً نصدق". وقال الدويهي: "كل شعر كتبته في حياتي هناك شعراء كتبوه ولا أدعي الريادة ولا أنني أول من كتب. كتبت القصيدة التقليدية العمودية، وقصيدة التفعيلة، والقصيدة المدورة الفصيحة، وقصيدة الزجل، وقصيدة الشعر المنثور، وأطلقت مؤخراً نوعاً سادساً في أستراليا هو القصيدة المدورة العامية. وسيستمع الناس في أمسيتي إلى هذه الأنواع الستة. أما أن أقول إن قصيدة النثر مثلاً أنا أبدعتها فهذا غير صحيح لأن الكثيرين كتبوها، وأنا أكمل الطريق، أما النوع السادس الذي هو القصيدة المدورة العامية فأعتقد أنني أول من أطلقه في أستراليا". وعلق السقاف قائلاً: "إنه مصدر للفخر في بلاد الاغتراب أن يكون الشاعر جميل الدويهي هو أول من أطلق القصيدة المدورة العامية، ولكن أين تجد نفسك في الأنواع الستة؟" فأجاب الدويهي إنه لا يعرف أين يقع بين الأنواع الستة، فهو أحياناً يختار النوع الذي يكتبه عشوائياً، ولا يخطط عندما يذهب إلى الكتابة بخصوص النوع الذي يختاره، ولفت إلى أنه كتب الرواية، وستطلق رواية "طائر الهامة" التي كتب عنها الكثير في الأمسية، وكتبَ القصة القصيرة، وكتاب "في معبد الروح" هو كتاب فكري، كما له كتابان بالانكليزية، "وكل مرة أكتب بها لا أعرف مسبقاً ماذا أريد أن أكتب". وقال الدويهي إن لديه حوالي 26 كتاباً. "والكتب الأربعة التي سيقدمها هدايا في الأمسة هي "لا تفكري صار الهوى ذكرى"، و "طائر الهامة" وهي رواية إنسانية كتب عنها الكثير ولم يكتب عنها الكثير، وكتاب "في معبد الروح" الذي كتب عنه الكثير أيضاً ولم يُكتب عنه الكثير، وكتاب عن تاريخ إهدن باللغة الإنكليزية (أشهر المعارك الإهدنية في التاريخ)، وإهدن هي مدينتي التي أعتز بها وبتاريخها . وكل من يحضر الأمسية في 23 تشرين الأول سيختار الكتاب الذي يريده كهدية من غير مقابل موقّعاً مني ويأخذه إلى بيته". وأشاد السقاف بهذه الفكرة الجديدة التي لم نرها من قبل. وقد يكون الهدف منها تشجيع الناس على القراءة. فأجاب الدويهي: "طبعاً هذا من أهمّ الأهداف التي وضعتها نصب عيني، والهدف الثاني هو الترويج للأدب المهجري الراقي النبيل الذي يعبر عن الإنسان والأفكار الإنسانية. في كل أدبي لا تجد كلمة نابية، ولا كلمة متهتكة ولا كلمة خليعة، والحمد لله، وعندما أتغزل أتغزل بشفافية، وعندما أتحدث عن المرأة تكون الكلمات لطيفة غير جارحة لمشاعر المرأة لأن المرأة مقدّسة ولا أمسها بأي تجريح أو خدش أو أي انتقاص لكرامتها. نحن نسعى لأدب مهجري راقٍ، وأنا أدعو الناس لحضور الأمسية، والحصول على الكتب مجاناً ليحصلوا على زاد من الأدب المهجري الراقي". وأشار الدويهي إلى البرنامج الفني في الأمسية حيث ستُغني مطربة مهرجانات إهدن السيدة أنطوانيت الدويهي، والأستاذ الفنان طوني يونس، والأستاذ الفنان جان خليل، من كلمات الدويهي، مع موسيقى صديق الروح الموسيقي ألكس حدشيتي، وستكون هناك كلمات قصيرة جداً (الكلمة لا تتعدى دقيقتين) بتقديم من الإعلامية المميزة الأستاذة كلود ناصيف حرب. وسأل الأستاذ السقاف عن الكتاب الأفضل بين كتب الدويهي الستة والعشرين، فقال: "الكتاب الأول الذي اعتبره أفضل كتبي الشعرية هو "وقلت أحبك" لأنه شعر معذِّب، هو الشعر المدور الفصيح الذي يجري كما تجري القصة، على سطر واحد، لكن على تفعيلة ووزن واحد. وفي النثر قال الدويهي إن أفضل كتبه هو "في معبد الروح" الذي لم يأخذ حقه كما يجب ولكنه، من أفضل الكتب التي أصدرتها في حياتي وسأصدره باللغة الإنكليزية إلى جانب اللغة العربية. وعن الحركة الأدبية قال الدويهي إنها حركة ممتازة ورائعة وجميلة. وأنا أشدّ على يد كل إنسان يكتب كلمة أو سطراً أو قصيدة، وكل الناس أحباء لنا، "يعطيكن العافية ونحن جميعاً نكمل بعضنا". وفي الختام شكر الدويهي إذاعة "إس بي إس" والأستاذ صالح السقاف الذي جاء من مكان بعيد لكي يجري هذه المقابلة. "وأرجو من الله أن يقدّرني لأردّ لك الجميل، ولكن أنت أخ وصديق بالروح وأرجو لك التوفيق والنجاح في حياتك وفي جميع أعمالك".
كلود ناصيف حرب في لقاء مع جريدة "المستقبل" الأسترالية:
لا تستطيع الكتابة عن الحنين إذا لم يكن في قلبك الصفاء والنقاء الروحي
أمسيتي المقبلة ستكون برنامجاً أدبياً وموسيقياً، لأنّ الأدب والموسيقى يتكاملان
قبل إطلاق مجموعتها الأدبية الثانية "عيناك مرفأ لحنيني" في السابع والعشرين من شهر شباط المقبل، في صالة جمعية كفرحلدا الخيرية (الوايت كاسل)، قامت الأديبة الإعلامية كلود ناصيف حرب وزوجها السيد سايمون حرب بزيارة إلى مكاتب جريدة المستقبل الأسترالية، حيث قدمت كتابها إلى أسرة التحرير، وكانت فرصة للقاء مع رئيس التحرير الأستاذ جوزيف خوري ومدير التحرير الدكتور جميل الدويهي صاحب مشروع "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الراقي. وكان حديث مع الدويهي حول الكتاب والأمسية المنتظرة، ومسيرة الأديبة كلود منذ البدايات وحتى انطلاقتها الإبداعية في مشروع "أفكار اغترابية"، وما بعد تلك المرحلة... علماً أن كلود أطلقت مجموعتها الأولى "كلمات من أعماق الحب" في عام 2017، ونالت أول جائزة من مشروع "أفكار اغترابية"، "جائزة الأديب د. جميل الدويهي - أفكار اغترابية للأدب المهجري الراقي"، وهي الآن تعد لإصدار مجموعة ثالثة في أواخر عام 2019 بعنوان "نغمات على قيثارة الحنين". وكلود تمضي بخطى ثابتة في مسيرتها الإبداعية، غير عابئة بالصعاب والمعوقات التي تحيط بالرحلة من كل حدب وصوب. وفي مستهل اللقاء، وجهت الأديبة حرب الشكر من أعماق القلب لتشجيع الأديب الدويهي لها، "والحديث عن كتابي الأول لا يمكن أن يمر من دون الشكر للرب والشكر لدعمك أنت، الأديب المحترم، الأنيق بكلمتك ومعاملتك للآخرين، والآخذ بيدنا لنكون في هذه الحديقة الجميلة، مشروع "أفكار اغترابية". هذا المشروع هو مثل حديقة متنوعة الأزهار والورود والأشجار الخضراء. ولو لم أكن نبتة صالحه لما كنت طلعت في هذه الأرض الطيبة التي فيها ثمار طيبة." وأضافت حرب: "علمني كتابي الأول أن أستمر ولا أتوقف، وعلمني أيضاً أنه ليس من استمرارية في الحياة إلا من خلال التعب. ونحن نتعب لنعطي، ولكن أحياناً نمر بظروف صعبة، ليس علينا فقط، بل لنتقبل الآخرين دائماً، خصوصاً أن هناك أناساً يحاولون تحطيم الإنسان الناجح بدلاً من أن يشجعوه ويساعدوه، وهم يعتقدون أنهم يستطيعون تحطيم قدراتك أو شجاعتك واستمراريتك، لكن الإنسان المؤمن بربه وبالحياة لا يمكن أن يتوقف أو ييئس. أنا من الأشخاص الذين تعرضوا لصعوبات ولا أعرف لماذا. وأعتقد أن بعض الناس لا يتقبلون أن تكون المذيعة أو الإعلامية أديبة في الوقت نفسه". وتمضي الأديبة حرب في حديثها لتعرب عن اعتزازها بكونها أديبة، وهذه الصفة جاءت من صفة مؤدب، "والناس يعرفونني بتواضعي وأدبي مع الآخرين، من هنا أفتخر بلقب أديبة وأصبح تاجاً على رأسي وأيقونة في قلبي، وبفضل مشروع "أفكار اغترابية" أستمر وأشكر الله على هذه النعمة". وعن الفرق بين كتابيها الأول والثاني تقول حرب: "ربما أصبح عندي نضوج أكثر واندفاع أكثر إلى الكتابة. وعنوان الكتاب اخترته بالتشاور معك، وهو يضعني أمام مسؤولية لأنك من عام 2017 أطلقت عليّ لقب "سيدة الحنين"، ما يجعلني أؤكد على نغمة الحنين في حياتي وكتاباتي. الكتاب الثاني فيه نصوص جميلة ونضوج أكثر وحروف فيها عمق أكثر. والإهداء فيه فرح أكثر، وفي الكتاب فكرة جديدة ربما لم تحدث في تاريخ الأدب، فقد اخترتُ قصيدة لكَ أحبُّها ووضعتها في الكتاب... كما أهديتك نصاً من كتاباتي. وانتَ كنت معارضاً جداً لهذه الفكرة، وأتذكر كم رجوتك أن يُنشر النصان. وكنت مصرة على أن تكون صورة لك في الكتاب. وأحب أن أذكر هنا أن الله يضع دائماً في طريقنا أناساً يأخذوننا إلى واحد من طريقين، إما طريق الهاوية وإما طريق السماء لنرتفع، فأنا أشكر الله لأنه عرفني بك د. جميل وأشكرك أنت والسيدة مريم لكل دعم تقدمانه لنا، ولا أنسى فضل الغالي سايمون الذي يشجعني دائماً ويقف إلى جانبي. وهذه العائلة هي التي تشجعنا وتدعمنا لنستمر ولا نتوقف عند أي صعوبة. وتتذكر الأديبة حرب أنها بدأت منذ بدايات "أفكار اغترابية" في نشر أعمالها. وقالت كلود إن بعض الناس لا يسرقون الأثواب فقط، بل يسرقون الأفكار والصدق والمحبة، "ونحن يجب أن نعلّمهم أننا نبقى أوفياء مهما تمزق الثوب ومهما شوهوا". وعن ساعات الكتابة تقول كلود إن الأفكار تأتي إلى الإنسان غالباً في أوقات الليل، مثلما تأتي الأحلام، فالعبقرية تظهر في الليل، لأن المرء يستعرض مشاهد النهار فيحولها إلى مواضيع للكتابة. وأكدت حرب على عهدها للإله العظيم، فهي ستبقى الطفلة الروحية في قلب الرب، وقد أهدت للخالق هذا الكتاب "وإلى روح والدي الراحل جورج ناصيف الذي أرادني أن أكون وردة برية توزع عطرها على الناس ولا تنكسر أو تنحني لأيدي العابرين، وإلى والدتي الحبيبة السيدة جاندارك التي كلما تكلمت معي عبر الهاتف تسألني: ماذا تكتبين في هذه الأيام؟" وعن الصعوبات التي واجهتها والحملة المغرضة التي تعرضت لها من وراء البحار، تقول كلود: "المسامح كريم، والانسان الناجح يتعرض لمحاولات تحطيم من بعض الناس، وأنا أسامحهم، لكن أعتب على من يصدقون هؤلاء. وعلى كل حال فإن أي كلام غير صحيح يقال عني يصب في صالحي، فلو لم أكن مهمّة لما تكلموا عني بالخطأ. وقد أفادتْني الحملة ضدي لأنها جعلت اسمي يلمع في كل العالم بسبب الغيرة والتجني". وتقول كلود عن الوحي إن الإنسان الذي يملك الإيمان يأتي إليه الوحي من عالم نظيف... "الحنين هو نظافة الروح وأناقتها، ولا تستطيع الكتابة عن الحنين إذا لم يكن في قلبك الصفاء والنقاء الروحي. وأنا أؤمن بأن الإنسان يكتب كما يحس وكما يعيش حياته، كلامي هو حنين ويشبه طريقة معاملتي للآخرين وحياتي، وأنا بطبعي أحب السلام والحبّ... وأحب الحياة. وكلامي ينسجم مع طريقتي وتفكيري". وتضيف كلود: "نحن نكتب لغة الناس والمشاعر التي يعيشونها والعلاقات الجميلة، الحبيب الذي أكتب عنه أراه مثل أمير، يأتي على حصان أبيض، يحملني إذا تعثرت، ويحميني من غدر الناس، وفي عتم الليل يضيء حياتي، هو ملاك. أحس أن هذا البطل نقي ونظيف ووسيم". وتقول: "نحن رسالتنا جميلة في الحياة، كباقة ورد نهديها إلى الناس ونفرحهم، عندما تتأمل باقة الورد ترى كل وردة بلون، وبعطر وشكل، لكن كل وردة هي عالم. هكذا أشعر أن حروفي مثل باقة ورد. في نصّي "لمحتك تقطف وردة" تجد أن وردة يهديها حبيب لحبيته تصنع الفرح". وعن مجموعتها الثالثة "نغمات على قيثارة الحنين" تقول كلود إنها مجموعة حنين بامتياز، لأن النصوص نغمات على قيثارة الحنين، "وأحببت أن أكتب بالدارج، تأثراً بحروفك التي أحبها كثيراً... كتبتُ مقاطع قصيرة تأثراً بأعمالك، وأنتَ علمتني أن أضع صورة أمامي عندما تضيق بي الأفكار وأكتب من وحي الصورة، وأنا أحب الصور الرومنطيقية التي توحي بالراحة وصور الطبيعة وغروب الشمس، ولا أحب صور الضجيج والزحام لأن هذه الصور لا تسمح بالكتابة. وفي الكتاب الثالث أيضاً بطل غير معروف، وكل إنسان يقرأ ما كتبت يظن أنه هو كتبَه ووجهه إلى شخص يحبّه، كالزوج والشريك والحبيب، وأنا أطير مع البطل إلى السماء". وعن المقارنة بين كونها إعلامية وأديبة تقول: "ليتني بدأت بمشروع الكتابة منذ 7 سنوات، أو من 30 سنة. أنا أصلاً عندي هواية الكتابة وكنت مراسلة في لبنان لعدد من المجلات والجرائد، وعندي أرشيف كبير يثبت هذا الأمر، وعندما جئت إلى أستراليا، كانت البداية صعبة، فخفّت عندي شعلة الكتابة، وأعترف بأنني عندما بدأت بقراءة الشعر والأدب في أستراليا عادت الشعلة لتتوهج من جديد، وهكذا كل يوم أكتب، والآن ونحن في الطريق إلى هنا كتبت: "الأشياء الثمينة لا تتكرر في الحياة، لذلك لا أملك سوى أنا وانت". في الإذاعة كانت لغتي تختلف، كانت اتجاهاتي ثقافية أكثر من كونها أدبية، وفي كتابي الأول تعبنا لنحذف المواد غير الأدبية التي كنت أقرأها من وراء الميكروفون... أنا الآن في مكان آخر، وأفتخر كثيراً بهذا، وأحن إلى الإذاعة والميكروفون. وإذا عدت إلى مجال الإعلام سيتغير اتجاهي، وإطلالتي ستكون أقوى ومسؤوليتي أكبر. اليوم أفتخر بأن الناس يرحّبون بي كوني أديبة ويسألونني عن كتابي التالي، ومتى ستكون أمسيتك المقبلة؟ كما أعتز بأن نقاداً كباراً في أستراليا وخارجها قد كتبوا عني، وكل كلمة قالوها عني تستحق أن تكون كتاباً، وهم لم يقولوا إلا الحقيقة لأنني هكذا في الواقع. وكل النقاد كتبوا عن الحنين وعن صدقي وقلبي الطيب". وتلفت حرب إلى أن أمسيتها المقبلة ستكون برنامجاً أدبياً وموسيقياً، لأن الأدب والموسيقى يتكاملان جمالياً. وهنا سألنا الصديق سايمون عن وقوفه إلى جانب كلود فقال إنه دوماً يشجعها وإلى جانبها لكي تكمل عملها، "وأحياناً أطلب منها أن تكتب"... ويقول سايمون إن كلود تعامله كأولوية في حياتها ثم عملها الأدبي. وتختم كلود بالحديث عن "العرس الثاني" أمسية إطلاق كتابها "عيناك مرفأ لحنيني"، فمناسبة الكتاب الأول كانت عرساً للأدب، ويليق بالكلمة أن يكون لها عرس، والموعد هو 27 شباط المقبل الساعة 7 مساء في صالة جمعية كفرحلدا الخيرية. "والدعوة موجهة إلى جميع الأصدقاء والأحبة وعشاق الأدب الراقي ليكونوا معنا في هذا العرس المميز".
منصة: ورد الكلام مع سفيرة القناديل كلود صوما
كتبت الاعلامية والكاتبة كلود صوما في ” ورد الكلام ” :
.. خبرةٌ طويلةٌ ومعّمقةٌ في الاعلام المسموع والمقروء، مع التمّتع بصوتٍ إذاعي مميزٍ ، وهي نعمة من الله ، كما يقول ، وأهم سلاح للمذيع .
هوّيته الأدبية التي اختارها وارتضاها لنفسه هي التنوع في الأدب مع المحافظة على مستوى النوعية . والشعر عملية خلقٍ كوني ، هكذا هو ، لعبة أمم ، ويضيف لعبة ابداعٍ راقٍ متميزٍ .
أديب وشاعر لبناني مهجري ، لُقِبَ بعميد أدباء المهجر ، مؤرخٌ وباحثٌ أكاديمي ، صاحبُ مشروع “أفكار اغترابية” الموقع الالكتروني الذي يحتضن الأعمال الأدبية الراقية في استراليا والعالم .
الدكتور جميل الدويهي
انه الدكتور جميل الدويهي ، ومعه كان هذا الحوار :
_تقول : الله هو الشاعر ، وأنا منتحل صفة!
من هو جميل الدويهي ؟
-هذا النصّ هو أول نص في كتابي “حاولت أن أتبع النهر… النهر لا يذهب إلى مكان”، وفيه دعوة إلى الجميع ليتواضعوا , فلا أحد يصنع المعجزات، بل إن
الله هو الذي يصنع من خلالنا. وجزء من شخصيّتي أّني ألتزم بالواقعيّة في حياتي. لا أزيد ولا أنقص من الحقيقة الماثلة أمامي. ولدت غنيّاً وعشت فقيراً، لكنّني جمعت كنوزاً من العلم، والثقافة، ومحبة الناس، والتواضع، والخدمة… أحمل شهادة دكتوراه من جامعة سيدني، وعملت في التدريس الثانوي والجامعي، وفي الإعلام. وأعمل الآن مديراً لتحرير جريدة المستقبل الأسترالية، وفي الوقت نفسه أطلقت مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي في عام 2014. وهو المشروع الذي بات يعرفه الجميع. ومن ضمنه موقع، ومجلّة، وإصدارات، ورعاية أدباء، واحتفاليات ثقافية حاشدة.
_مشروع ” أفكار اغترابية” يهدف الى نشر الأدب الراقي والرفيع،
كيف انطلقت هذه الفكرة وكيف تبلورت؟ وما هي الصعوبات التي تصادفكم في تقديم الأرقى والاجمل؟ كيف يتم التعاون مع جهات أدبية اخرى؟
فعلاً نحن اتخذنا جملة معايير نلتزم بها في مشروعنا الأدبي، من أهمها الرقي والرفعة. وقد شهدنا أعمالاً أدبيّة هابطة، ونصوصاً يندى لها جبين الأدب، وكُتب الكثير من المديح لهذه الأعمال، (وأنا كناقد متخصص أستغرب أن يحدث ذلك). فأردنا أن نقدّم صورة حضاريّة عن المنجز الإبداعي. ومنذ انطلاق الفكرة في عام 2014، جعلنا الأدب الراقي عنواناً عريضاً لثورتنا. وهي ثورة غير عاديّة، مثيرة للجدل، هنا على وجه الخصوص، فلو قرأنا أدبيّات النقد في أستراليا، لوجدنا أنّ “أفكار اغترابية” هو الأكثر تغييباً، وعرضة للتمييز. هذا الأمر لا يغيظنا، لأننا نعرف طبائع البشر، وبماذا يشعرون عند ظهور أي بارقة للنجاح والتغيير. وللأسف هناك أصدقاء يسيرون معنا قليلاً، ثمّ يعيدون حساباتهم، فيجدون أنّ البقاء معنا لم يعد مجدياً، فينصرفون، وهذا أيضاً لا يفسد للودّ قضية، وخصوصاً بالنسبة إلي، فأنا لم أؤمن يوماً بأن أي صداقة أو علاقة أو قصّة حبّ، متجرّدة عن المصلحة، وللإنسان الحقّ أن يبحث عن مصلحته في أيّ مكان.
الصعوبات هي أننا ننحت الجبل بإبرة، وبينما يَكتب عنّا كبار الأساتذة في العالم، ويفتخرون بالصداقة معنا، نشعر في أستراليا أنّنا منبوذون إلى أبعد الحدود، وكلما صدر مقال نقدي عن الأدب والشعر، والرواية، والإصدارات، نتوقع أن لا نكون مشمولين فيه. السبب واحد: التنوّع غير المسبوق في تاريخ الأدب.
أعتذر منك سيدتي، فقد سألتِ عن “الصعوبات”، وأجيب عن السؤال بشفافية وصدق.
أمّا التعاون مع مؤسسات ثقافية في العالم، فنحن نمد يدنا للجميع، وهذا لا يعني أننا في توأمة مع عشرات المؤسسات، فالتوأمه لها أصول وأسسس متينة تُبنى عليها. وكلّ يوم عندنا تواصل مع مؤسسات، نتفاعل معها، ونقدم لها – أو تقدّم لنا- الخبرة والتجربة والموادّ التي تغْني. أمّا في أستراليا، فهذا التعاون موجود مع مؤسسات غير ثقافية، هي بالأساس جمعيات تقدّر عملنا ومحبتنا للناس، ونعتبر أنفسنا جزءاً منها.
خلال نشاط أدبي لافكار اغترابية
_ كيف هي الحركة الأدبية والثقافية الاغترابية في أستراليا؟ ما هي الخطوات التي تعملون على تحقيقها للمحافظة على هذه الظاهرة الأدبية؟
-الحركة الأدبية والثقافية الاغترابية في أستراليا جيّدة في العموم، لكنها إلى حدّ بعيد تفتقر إلى أنواع، كالرواية والقصّة القصيرة والفكر والكتابة باللغتين. وهذا ما نعني به “تعدد الأنواع”، وقد ميّزنا الله بهذا التعدد، فليس عيباً أن نتحدث عنه ونبرزه، ومن الغريب أن يتحول إلى مصيبة علينا، وكأن المطلوب أن نبقى في داخل خطوط مرسومة، أو كأن الذي لا يكتب رواية عليه أن يُلزم الجميع بعدم كتابتها لكي لا يسبقوه. المشكلة الثانية التي تعاني منها الحركة الادبية في أستراليا، هي عدم وجود نقاد موضوعيين. فالنقد انتقائي، فإذا كتبت باحثة جامعية عن الشعر، تختار أربعة أو خمسة من اليساريين أو القوميين العرب أو الملحدين، وتستثني من هم غير مسيّسين. وإذا أرادت الناقدة نفسها، مثلاً، أن تكتب دراسة عن الرواية في أستراليا، انهالت عليها الضغوط لدفعها إلى الانتقاء، وعدم الالتفات إلى راواياتي الأربع، فتضطر المسكينة إلى صرف النظر عن كتابها المسكين، والتخلي عن فكرته.
لذلك عززنا تواصلنا مع نقاد موضوعيين خارج أستراليا، يعوضون عن النقص الذي دفعنا ثمنه نحن، أكثر من أي طرف آخر، ونحن نشد على أيدي هؤلاء النقاد ونبارك جهودهم، ونرتفع بهم… كما نحن مستعدون لطباعة أي كتاب يتناول “أفكار اغترابية” على نفقتنا، ونتكفّل بالشحن إلى الخارج. ومستعدون لدعم الأبحاث الجامعية والأكاديمية بقدر ما نستطيع – ماديّاً ومعنوياً-، ولا بد أن يأتي يوم نتوّج فيه جهودنا المضنية وتضحياتنا الجسام، بتقدير على هذا المستوى الرفيع، ومشروع أفكار اغترابية فيه كثير من المواضيع التي تستحق الدراسة، من شعر ونثر ورواية وفكر ومجلة، والأهم أنه أحدث انقلاباً في الرؤية. وإذا كان هناك المئات من الناس لا يعرفون شيئاً عن “أفكار اغترابية”، فهذا ليس ذنبهم. ونحن نريد إقناع هؤلاء بأن أفكار اغترابية موجود، وقدّم 94 كتاباً حتى الآن، يعني 90 وفوقها 4. وهذا رقم تعجز حكومات من تحقيقه. ونحن ماضون في طريقنا، وسيتعب من يظن أننا ننظر إلى الوراء أو إلى تحت. وحلال العام 2022 سنقدم 16 كتاباً أخرى، نهديها إلى من يهمهم الأمر، ونقول لهم: مبروك لأدبنا المهجري.
أما الثقافة، فحدثي ولا حرج. هناك قلة قليلة من المثففين، وكثرة من غير المتعلمين تعليما كافيا، الذين يدعون الثقافة تعويضاً عن نقص علمي. وهذا طبيعي في علم الاجتماع.
كما يعاني الأدب هنا من موجة غير مسبوقة من المتطفّلين، الذين يأتون من مجالات أخرى لا علاقة لها بأي شيء في الأدب، فيحكمون، ويقرّرون، ويتحدّثون عن “فقر” حالتنا الأدبية، ونحن غير فقراء إطلاقاً، وعندنا مشروع مضيء لا يشبهه أي مشروع آخر، اسمه “أفكار اغترابية”… الحجر الذي رذله البناؤون سيكون رأس الزاوية.
سلسلة كتب من مؤلفات د. جميل الرويهي
_ كيف يتم التعاون مع “بستان الابداع” للأديبة اللبنانية كلود ناصيف حرب لا سيما انها اطلقت عليك لقب “عميد أدباء المهجر / رائد النهضة الاغترابية”؟
وكيف حصلت التوأمة مع نادي الشرق لحوار الحضارات؟
-الأديبة كلود ناصيف حرب انطلقت أدبيا من مشروعي “أفكار اغترابية” ورعيت كل كتبها وأمسياتها، وهي ساعدتني كثيرا ، ووقفت إلى جانبي بكل صدق ومحبة نبيلة ، ولا أنسى فضلها علي. وقد خرج من المطبعة قبل أيام ديوانها الجديد “قمر البحيرة سهران… ناطر مواعيدي” بعناية من أفكار اغترابية، أقل ما يمكن ان نقدمه لها تعبيرا عن وفائنا. وهي حصلت على أول جائزة من مشروعي لسجلها العريق في الإعلام ، وبعده في الأدب..
وقد ارتأت أن يكون لها موقع باسم “بستان الإبداع”، وشجعتها على ذلك. وكان بستان الإبداع لمدة طويلة منصة تنشر عليها أعمالي. وأنتهز الفرصة لأشكر الزميلة حرب على اللقب الذي منحتني إياه، بناء على مقارنة، وكنت قد منحتها لقب سيدة الحنين، وأتمنى لها التوفيق والنجاح في مؤسستها.
د. جميل الدويهي خلال احتفال له
أما التوأمة مع نادي الشرق لحوار الحضارات، فانطلقت من كوني مستشاراً للنادي في فرعه الأسترالي، وكانت التوأمة التي أعلنت في العام 2018، بادرة خير نتج عنها حدث أدبيّ كبير، هو زيارة أول وفد اغترابي إلى لبنان في صيف 2019، حيث كانت لنا مناسبات وتكريمات في مختلف المناطق اللبنانية، واحتفال كبير في بلدية سن الفيل، منحْنا فيه جائزة أفكار اغترابية إلى كوكبة من المبدعين عن العامين 2019 – 2020.
توأمة مع منتدى ” لقاء ” اللبناني :
ونحن لدينا شراكة – توأمة أدبية وأكاديمية مع منتدى “لقاء”، وقد أثمرت عدة محاورات نقدية، ومجموعة كتب نشرت، وأمامنا طريق طويل من التعاون والتنسيق للمصلحة العامة والحضارة. وكان مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” ثمرة هذه التوأمة مع “لقاء” و”بستان الإبداع”. وننتظر تحسن الحالة لكي يكون المؤتمر حضورياً.
افكار اغترابية
_ ماذا عن جائزة الأديب د. جميل الدويهي للمبدعين في لبنان والعالم ضمن تقدير الكفاءة للمستحقين؟ وما هي شروط الحصول على هذه الجائزة؟
-لم نشأ أن تكون هناك تعقيدات طويلة عريضة وشروط مستعصية للحصول على الجائزة. يكفي أن يكون المتقدم إليها مبدعا. ونحن الآن بصدد إجراء مراجعة لبعض المعايير الخاصة بالجائزة، ليس لجعل المسألة صعبة، بل لجعل عملية الاختيار بحد ذاتها أكثر تركيزاً. وقد أجّلنا احتفالية الأدب الراقي 5 – مرتين حتى الآن بسبب تفشي الوباء، وننتظر الفرصة لكي نقيم هذه الاحتفالية، ونتكرّم نحن بتكريم نخبة من الأساتذة الحاصلين على الجائزة للعام 2021. كما سنقدم حوالي 30 كتاباً من مختلف الأنواع الأدبية، هدايا مجانية إلى الحاضرين. وبعدها نفتح مجال الترشيحات للجائزة للعام 2022 ، على الرغم من أن عندنا مجموعة من الترشيحات لها.
جائزة الإبداع للدكتور جوزاف الجميّل :
من جهة أخرى، خصصنا جائزة للإبداع الأكاديمي، على أساس فصلي، أي كل ثلاثة أشهر ، وقد مُنحت النسخة الاولى للدكتور الصديق جوزاف ياغي الجميل، وفي حزيران سنعلن عن الأكاديمي الذي سيمنح الجائزة التالية. ونذكر هنا بكل تواضع، أن الجائزتين هما عربون محبّة وتقدير، وليست لهما قيمة ماديّة.
من احتفالات افكار اغترابية
_كيف ترى تعاون وتجاوب الأدباء والشعراء اللبنانيين بالانضمام لمجلة “أفكار اغترابية – أدب وثقافة” والمشاركة فيها، لا سيما أن لبنان يعاني من ظروف صعبة وقاسية جدًا، واللبناني يهمه البحث عن لقمة العيش وتأمين حاجاته اليومية؟
نحن هنا نعيش مأساة كل لبناني يفتقر إلى مقومات الحياة الرغيدة، وفي الوقت نفسه، نواصل عملنا في مشروعنا، والمجلة حيز مهم من يومياتنا الثقافية. وللحقيقة والتاريخ، لم أنشئ مجموعة للمجلة، ولست أطلب “انتماء” قطعياً لها، وكأنها حزب سياسي، أو كأن الالتزام بها طقس من طقوس الزواج الأبديّ. فهناك من ينشرون في عدد ولا ينشرون في عدد آخر، فلا أتصل بهم، ولا أذكّرهم. وكل ما أفعله أنني أنشر على صفحتي موعد صدور المجلة، ثم تذكيراً – على صفحتي أيضاً – قبل بضعة أيام من الصدور. وإنني راض تمام الرضا عن التفاعل مع المجلة، خصوصاً أنها تنشر لنخبة راقية، ولا تقدّس الماضي والبائد، بل تتطرق إلى مواضيع جديدة لا يقرأها أحد في مكان آخر. وهذا ما يميزها ويجعلها مجلة الثقافة النوعيّة في أستراليا. وما يلفت نظري أن المجلة نفسها، بصفتها تابعة لأفكار اغترابية، مصنّفة في كثير من الأحيان، وهنا بالذات، في خانة “لم يحدث”… وهو أمر اعتياديّ.
_ هل من سؤال أو موضوع أحببتً التكلم عنه ولم أطرحه؟
شكراً شاعرتنا الجميلة كلود صوما، المبدعة التي لها صوت مختلف ومتميّز. ليس من شيء أضيفه، سوى أن أسلّم عليك من بعيد، وأرجو من الله أن يغمرك بالسعادة والهناء، كما أوجه شكري إلى الموقع المرموق ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت حيث ستُنشر فيه هذه المقابلة. وأرجو أن أكون كشفت عن مواضيع مهمة، وعن حقائق لا يعرفها كثيرون من المهتمين في عالمنا العربي. لك جزيل محبتي وإلى اللقاء.
أجرت إذاعة الشرق الأوسط – مونتريال كندا مقابلة شاملة مع الأديب المهجري د. جميل الدويهي، صاحب مشروع أفكار اغترابية – سيدني، والأديبة رنده رفعت شرارة والشاعر جويل عماد، مؤسسَي الحركة الإبداعية – كندا. وأدار المقابلة الإعلامي المخضرم الأستاذ فيكتور دياب، ضمن برنامجه المميز: ما خلصت الحكاية
بداية ترحيب من الأستاذ دياب، ثم أنشودة “تكبّر تكبّر” لأميمة الخليل من شعر الكبير الراحل محمود درويش
وكانت تحية من الأديبة رنده رفعت شرارة، ثم الشاعر جويل عماد الذي قرأ نصاً لنيل أرمسترونغ، رائد الفضاء الأميركي الشهير، عن المحبة والسلام وحماية العالم الذي نعيش فيه. ورد الأديب الدويهي التحية، وشكر الأستاذ دياب على المحبة والاتصال به من أجل المقابلة، وكذلك إيصال صوته الأدبي إلى كندا ومنها إلى العالم عبر الإذاعة العريقة. وقال: “أن تعرفونا ونعرفكم، هذا كنز في حياتنا، ونحن نشد على يد كل إنسان يعمل في حقل الأدب والفكر والإعلام والفن”. ووصف الدويهي الأستاذ دياب والأديبين شرارة وعماد بأنهم أعلام وأرز من لبنان على شواطئ بعيدة
وقالت الأديبة شرارة: إن أستراليا كانت بعيدة والآن صارت قريبة عندما التقى الحرف مع الحرف، وصارت القلوب مسكناً ولا يفرقنا الزمن
وقال الدويهي عن شرارة إنه يعتز بصداقتها وأدبها، “أنا أرزة سافرت إلى الشرق وهي أرزة سافرت إلى الغرب”. وقال عن الشاعر جويل عماد إنه جزء من حركة أدبية راقية من كندا إلى العالم، وإن شاء الله تبقى هذه الحكاية ولا تنتهي
والمعروف أن الأديبة شرارة والشاعر عماد حصلا عن جدارة واستحقاق على جائزة الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية للأدب الراقي” للعامين 2017 و 2018 توالياً
وسرد الأستاذ دياب أثناء الحلقة نبذة عن حياة الأديب الدويهي، وسأله عن زغرتا، مسقط رأسه، فشرح عن موقعها الجغرافي، وعن أهلها، وجمالاتها المتعددة، وعن موقعها في التاريخ. وقال إنه ترك زغرتا عندما كان طفلاً صغيراً، وعلى الرغم من الهجرة والتهجير، فلا تزال في قلبه وهو يحبها كثيراً
ذكريات وتكريم
وعن معرفته بالأدب، قال الدويهي إنه كان في الحادية عشرة من عمره عندما كان يقرأ الشعر والأدب في مكتبة المدرسة، وتأثر بشعراء وأدباء، وكان “يخربش” على الورقة. كما تحدث عن مرحلة الماجستير والدكتوراه، كما عن مرحلة تأسيس مشروع أفكار اغترابية للأدب المهجري الراقي في سيدني عام 2015، وقال إنه نشر حوالي 20 كتاباً قبل أفكار اغترابية وحوالي 20 كتاباً بعد أفكار اغترابية. ولفت إلى عمله في حقل الإعلام وصولاً إلى جريدة “المستقبل” الأسترالية التي يعمل مديراً لتحريرها، وهي بيته الثاني كما وصفها، ووجه تحية إلى مؤسس الجريدة، عميد الإعلام المهجري، الأستاذ جوزيف خوري
وعن تدريس اللغة العربية والأدب، قال الدويهي إنه، قبل هجرته إلى أستراليا عام 1988، درّس في السان تيريز أميون، وفي معهد مار يوسف للآباء الكبوشيين – البترون. كما درس أثناء تنقلاته بين أستراليا ولبنان في معهد الليسيه – عمشيت، وفي معهد مار شربل – سيدني، وفي جامعة سيدة اللويزة كأستاذ متفرغ، وعمل مساعد باحث في جامعة سيدني لمدة قصيرة، وحافظ على اللغة والتراث، “والذين يعيشون في أستراليا يعرفون الدور الذي لعبته في الحركة الثقافية”، وقد بلغ هذا الدور ذروته بعد عودة الدويهي من لبنان، ففي عام 2015 أطلق مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي، الذي يقوم على تنوع غير مسبوق في أنواع الأدب، وعلى نشر مجموعة كبيرة من الكتب في فترة قياسية، ونشر أعمال أدباء وشعراء من أستراليا والعالم، ورعاية النشاطات الأدبية. وقال الدويهي: “لقد جاهدنا، ولم نذب في الثقافة الغربية، وما زلنا نضحي من أجل ثقافتنا ونشرها، ومن واجبنا ومسؤوليتنا أن نحافظ على ثقافتنا، خصوصاً في عصر مليء بالبشاعة والحروب والأزمات”. وأضاف: أنتم في كندا تقومون بجهد كبير للحفاظ على التراث واللغة، والإذاعة تقوم هي أيضاً بعمل كبير، وتضيف نوراً على نور
وعدد الدويهي بعض كتبه التي نشرها في مرحلة أفكار اغترابية، وقال إنه يركز على العدد الذي هو مهم جداً، فلكي تكون هناك حركة أدبية لا بد من نشر كتب، ولذلك أنشر كل سنة 4-5 كتب، مع المحافظة على النوعية وعلى الجمالية، فمستوى الأدب لا يجب أن ينحدر على حساب طباعة الكتب
وسأل الأستاذ دياب ضيفه الدويهي عن فترة الدكتوراه، فقال إنه حصل على دبلوم الدراسات العليا من الجامعة اللبنانية في تشرين الثاني عام 1988، وبعد يومين فقط سافر مع أسرته إلى أستراليا، وبعد ذلك انتسب إلى جامعة سيدني، وحصل على الشهادة في عام 1998
وقال الدويهي إن بعض الناس يعتقدون أن العمل التجاري أو في حقل البناء أفضل من الشهادة الجامعية، لكن شغف الإنسان بعمله هو الذي يقرر، ولو طلبنا من الإعلامي مثلاً أن يترك الإذاعة ويعمل في العقارات لأن المردود المالي كبير، فهو لن يترك مهنته، ولن يضحي بالنجاح الذي حققه في مجاله ولو أعطي كل مال العالم
وتحدث الدويهي عن تقديم المناسبات، فقال إنه قبل عام 2004، أي قبل عودته إلى لبنان كان يقدم الكثير من الحفلات والمهرجانات، لكنه بعد عام 2014 لم يعد يقدم إلا القليل
ووصف الدويهي النابغة جبران حليل جبران بأنه أيقونة الأدب العالمي: وعندما نتحدث عن جبران نتحدث عن موليير، راسين، وإبسن، وغوته، وإدغار ألن بو… وعمالقة كبار، وأنا أعتز أنني عرفت جبران وهو مثل أيقونة روحية جميلة في تاريخنا وتراثنا، وهو ظاهرة فريدة في التاريخ قد لا تتكرر في ألفي أو ثلاثة آلاف عام
وعن تكريم الأدباء، قال الدويهي إن التكريم هو اعتراف بفضل الأديب، وقد تكرم هو عشرات المرات في حياته، ومن هذا المنطلق فإنه أنشأ جائزة أفكار اغترابية التي يمنحها كل عام لنخبة من الأدباء والشعراء والأكاديميين، وقد منحت الجائزة للمرة الأولى في عام 2017 عن عام 2016 للأديبة والإعلامية كلود ناصيف حرب، ثم منحت لأربعة من المبدعين في عام 2017: أليكس حدشيتي، رنده رفعت شرارة، سليمان يوسف ابراهيم ومريم شاهين رزق الله، ثم لسبعة من المبدعين في عام 2018: آمال معوض فرنجيه، جويل عماد، علي وهبه، د. عماد يونس فغالي. د. فوزي عساكر، قيصر مخايل، ووسام زيدان.ًملاحظة: (نشر الأديب الدويهي أسماء المبدعين الذين استحقوا الجائزة في الأعوام 2016-2017-2018، على صفحته على فايسبوك). وقال الدويهي إنه يفرح عندما يكرم مبدعين ويقدر أعمالهم، وفي شهر آب المقبل، وخلال زيارة وفد أفكار اغترابية إلى لبنان، تحت مظلة التوأمة بين نادي الشرق لحوار الحضارات ومشروع أفكار اغترابية، ستمنح الجائزة إلى مجموعة من المبدعين في العاصمة بيروت
جريدة المستقبل الأسترالية
وسئل الدويهي عن جريدة المستقبل الأسترالية والصحافة المكتوبة عموماً، ومعاناتها في عصر الانترنت، فقال إن جريدة المستقبل الأسترالية هي أهم جريدة في أستراليا وأكثرها انتشاراً، وتنفد أعدادها بسرعة. والإعلانات الكثيرة في الجريدة تخبر عن مدى انتشارها وقبولها. صحيح أن الصحافة الورقية عانت على خلفية السهولة الخبرية لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن تظل الصحافة الورقية ذات مصداقية، فالصحافة الالكترونية في الغالب ليست صحافة محترفة: وكم مرة حتى الآن كتبوا عن موت الفنان عادل إمام؟ بينما الجريدة هي وسيلة رسمية، وعندما ننشر خبراً في الجريدة أو في الإذاعة نحرص على الحقيقة لأن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقنا. وأعتقد أن الصحافة الورقية ستعود لأخذ موفعها، أطال الزمان أو قصر
وأشاد الدويهي بجريدة”المستقبل” وبتعاونه مع مؤسس الجريدة ورئيس تحريرها الأستاذ جوزيف خوري، عميد الصحافة العربية في أسترالي، وهذا التعاون أعطى نتائج مثمرة وأغْنى، وكل ذلك في غطار الزمالة والتضحية والتعاون
شهادات
وبعد أن قرأ الأستاذ فيكتور دياب رسائل إطراء وردت إلى بريد الإذاعة الالكتروني من جميع المناطق اللبنانية ومن كندا وفلسطين المحتلة، قرأت الأستاذة رنده رفعت شرارة مقطعاً من قصيدة عن إهدن كتبها الدويهي في التسعينات. وقرأ الشاعر جويل عماد قطعة من كتاب “كلمات لعينيك الهاربتين – نثر أو شعر” للدويهي فأجادا وأطربا. ثم كانت مداخلة – مفاجأة من الأديب الأستاذ سليمان يوسف ابراهيم – عنايا، الذي روى كيف تعرف بالدويهي خلال سلسلة محاضرات عن الشاعر سعيد عقل في جامعة سيدة اللويزة، حيث حاضر الدويهي عن الأسطورة في أدب سعيد عقل. ويومها قدم الدويهي لابراهيم روايته الثانية “طائر الهامة”. ووصف ابراهيم صديقه الدويهي بأنه رجل علم وخُلق. وذكر ابراهيم أنه أول من حصل على جائزة الدويهي أفكار اغترابية في لبنان، في شباط 2017، وقال: “أشكرك يا دكتور جميل… وأبارك لجميع من حصلوا على الجائزة، والذين تكرموا في عام 2018، في حفل “ملبورن تكرم الأديب د. جميل الدويهي”، وهو تكريم غير مسبوق. وأشاد الدويهي بالاديب سليمان يوسف ابراهيم، وقال إنه يكتب في كل عمل أدبي يقع بين يديه، وهذا فعل خير، “وهو تحدث عني من محبته ويعرف مقدار محبتي له”. وقال إن سليمان يوسف ابراهيم شريك لنا. والناس يتحدثون اليوم عن “النهضة الاغترابية الثانية”، وهذا كثير علي، ولكنه يعبر عن محبة الناس وتقديرهم
وتحدثت الشاعرة مريم شاهين رزق الله من ملبورن فقالت للدويهي: “أنت قاموس الكلمه في المغترَب وترجمة لأحاسيس كل مغترب. تعطي وتعطي وهذا من صدقك وتضحيتك. لست فقط قمة العطاء بل قمة الوفاء والمحبة، وإ شاء الله تبقى مثل النهر الذي يصب في البحر الكبير ولا ينضب. الرب يوفقك”. ورد الدويهي: كم عندي من شجن وأنا أسمع كلام المحبة من الشاعرة السيدة مريم، وهي رمز لأدبنا الاغترابي في ملبورن، وأنا أسميها ياسمينة الشعروشاعرة الياسمين، وهذا اللقب أصبح رسمياً. وأنا أتابع أعمالها وأفرح بكتابتها. وهذه المحبة والأصالة في قلبها كنز كبير، وانا أبادلها هذه المحبة والتقدير، وهي حصلت أيضاً على جائزة أفكار اغترابية عام 2018، وأعتز بأنها كرمتني بتكريمها
وقرأت الشاعرة رنده رفعت شرارة قصيدة زجلية للدويهي بعنوان “يا ريت حدّي”. وقرأ الشاعر جويل عماد نصاً من كتاب الدويهي “كلمات من أعماق الحبّ”، ثم قرأ الدويهي من الشعر العمودي قصيدته من كل شيء أكبر
وكانت المفاجأة الثالثة من زغرتا – لبنان، الشاعرة آمال معوض فرنجيه، التي وجهت تحية لأسرة الإذاعة وتمنت الخير والتوفيق لمشروع الدويهي “أفكار اغترابية” الذي يحتضن أقلاماً لكتاب وشعراء بهدف تفعيل التواصل الفكري وتشجيع العطاء ومد جسور التواصل بين أبناء الوطن. وقالت: د. الدويهي أيقونة تعلّق على صدر الثقافة، الكاهن في معبد الروح، والرجل الذي يرتدي عشب الأرض، ويكتب فلسفة جميلة عن الحياة، كعابد يبحث عن المثالية في كل شيء. نتابع نشاطاته الثقافية وإبداعاته الشعرية والأدبية، ونعتز به لكونه ابن بلدتنا إهدن، ونفتخر بمواهبه وبانتمائه العميق للبنان وتشجيعه للمواهب
ونوهت الأستاذة فرنجيه بشرف الحصول على جائزة الأديب الدويهي أفكار اغترابية للعام 2018، “وهي لي بمثابة وسام أفتخر وأعتز به كما أفتخر بالصداقة التي تربطني بدكتور الدويهي والأصدقاء المشاركين في هذه الحلقة وكل من تعرفت به من خلال مشروع أفكار اغترابية”. ورد الدكتور الدويهي بشكر “الأميرة الإهدنية” التي يعرف محبتها وهي تقوم بعمل كبير في لبنان على صعيد العمل الإبداعي وأيضاً على صعيد زيارة وفد أفكار اغترابية إلى الوطن الأم. وشكر الدويهي الشاعرة معوض فرنجيه باسمه واسم أفكار اغترابية وكل أديب ومبدع في أستراليا
وبارك الدويهي للسيدة معوض فرنجيه، التي يرى فيها وجه إهدن مسقط رأسه، بارك كتابها “عذراء الروح” متمنياً لها إصدلرات أخرى
قراءات شعرية
وألقى الشاعر الدويهي من النوع الخامس “التفعيلة العامية” قصيدة بعنوان “هلقد بيحبّك جميل”. وألقت الشاعرة شرارة قصيدة من المدور العامي للدويهي “يا ريت فيها صورتِك تحكي معي”. وقرأ الشاعر عماد نصاً من الشعر المنثور للدويهي “سرقوا الثوب الذي أحبّه”. وأشاد الدويهي بالشاعرة رنده رفعت شرارة التي كانت أول شاعرة عربية على الإطلاق تكتب الشعر المدور العامي، وقال إنه أصعب أنواع الشعر على الإطلاق لأنه يلتزم الوزن ويسير على سطر، كما أشاد بالشاعر جويل عماد الذي حصل عن جدارة على جائزة أفكار اغترابية للعام 2018، وقال الدويهي إنه يتابع الشاعر عماد على القايسبوك ويفرح بقراءته. وشرحت الأديبة شرارة كيف بدأت العلاقة بين الأدباء في كندا ومشروع أفكار اغترابية، فقالت إن العلاقة مع الدويهي بدأت قبل المعرفة به، يمكن هذه المعرفة هي توارد أفكار أو توارد أرواح، “التقينا فعلياً على القايسبوك، وكل مرة كان يكتب الدكتور جميل كنت أكتب مقابله قصيدة، ليس لأن المقصود أن أكتب، بل لأن هناك شيئاً يحرك في داخلك مشاعر ويجعلك تقول أشياء لم تكن تتخيل أنك ستقولها، وأحياناً تجد أنك كتبت أشياء تتلاقى مع ما يكتبه. ومع أفكار اغترابية كان اللقاء أكثر، لان مشروح أفكار اغترابية هو مشوع كثير الغني وينشر لأدباء كثيرين، وكان مشروع الدويهي صلة الوصل بيننا وبين الأدباء المهجريين، فكأن الدويهي هو جناحا الطائرة التي تحمل الناس، ومن ضمن مشروعنا “الحركة الإبداعية” في كندا التقينا مع مشروع الدويهي في أستراليا. ونعتبر الآن كأننا في أستراليا وهو معنا في مونتريال”. وأشاد الدويهي بالعلاقة الأدبية بين أستراليا وكندا: وهذا أمر نعتز به كثيراً. وإن شاء الله نبقى هكذا دائماً، نظهر الوجه المشرق لحضارتنا وثقافتنا
وكانت المفاجأة الرابعة رسالة صوتية من الأستاذة سعدى جرمانوس فرح التي وجهت تحية إلى أسرة إذاعة الشرق الأوسط في كندا، والشاعرين رنده رفعت شرارة وجويل عماد، ووصفت الدويهي برائد الحركة الإبداعية، والأديب الحساس، والشاعر المرهف، والفيلسوف الحكيم، الذي كتب كل أنواع الشعر والأدب مثلما كتب في الإعلام والصحافة: د. جميل لا يشبه أحداً، لا يشبه إلا روحه الحلوة، والنظيفة، د. جميل الإنسان بكل معنى الكلمة، رفيق الكل وحاضن الكل، وأنا اعتبره أخاً وصديقاً مميزاً
ورد الأديب الدويهي شاكراً الأستاذة فرح، وتمنى لها إصدار كتابها الأول إن شاء الله، وأن يكون الكتاب فاتحة خير، وهي ساهمت في أفكار اغترابية ونشرت أعمالها في جريدة المستقبل الأسترالية
وألقى الدويهي من النوع الثامن “النص الشعري العامي” الذي أطلقه في أستراليا أوائل عام 2018، وأشار إلى أنه يقوم على 3 أسس: النص النثري، الصور العميقة، واستخدام أقل كمية ممكنة من القوافي في النثر. والنص بعنوان يا وردة عمري الغالية
وكانت قصيدة مشتركة بين الدويهي وشرارة، روى الدويهي تفاصيلها فقال: “في عام 2002 نشرت قصيدة زجلية بعنوان “غير الشتي ما لقيت بعيوني”، ختمتها كما يلي
قللي طبيبي: خاطرك مكسور تاري ما عندو حبوب راحة بال
ومرهم نعس ما لقيت لجفوني
وقد تأثرت الشاعرة شرارة بهذه القصيدة وكتبت مثلها بعنوان “مرهم نعس”. وبعد قراءة القصيدتين، قرأ الشاعرعماد قصيدة من المدور العامي للدويهي بعنوان “يا هون يا هونيك”. ثم أجاب كل من الدويهي وشرارة وعماد عن أسئلة تتعلق بقيم معينة، فاعتير الدويهي “أن الحبر الذي لا يعانق الجمال يموت، أما الحبر الذي يعانق الجمال فمصيره الخلود، وأنا أحب الخلود”. وعن الحقيقة قال “إن الحقيقة تفك الإنسان وتطلقه من قيوده ومن بشاعة الكون، ولو رجعنا إلى حقيقة القيم والديانات والمحبة التي بشر بها الأنبياء لما وصلنا إلى شيء لا يشبه الحقيقة”. وعن التحدي قال: “إنه توأم روحي، وجزء من وجودي، وأجد نفسي في التحدي. والذين يتابعون مسيرتي يعرفون كم عندي من روح التحدي”. لكنه أوضح أن التحدي ليس من أجل العظمة ولا العداوة بل هو بالحبر الذي يضيء: التحدي عندي هو الإصرار على الانتصار
كتب جديدة
ووصف الدويهي مقابلته مع إذاعة الشرق الأوسط بالرائعة، وقال “إن ذكرى هذه المقابلة ستبقى معي دائماً”، وأشار إلى جديده في عام 2019، 4 كتب جديدة منها كتاب “عا مراية الحبر إنتي القصيده والورده والوحيده” النوع الثامن – النص العامي الشعري
وأشار أيضاً إلى وفد من مشروع أفكار اغترابية سيقوم بزيارة لبنان في الصيف، تحت مظلة ااتوأمة بين نادي الشرق لحوار الحضارات ومشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي في أستراليا، وقال إن أفكار اغترابية لا يكتفي بنشر كتب الدويهي وحده، بل يساعد أدباء وشعراء على النشر ويرعى مناسبات ثقافية، ومنها أمسية أدبية في 27 شباط المقبل، للأديبة الإعلامية كلود ناصيف حرب التي ستطلق كتابها الثاني “عيناك مرفأ لحنيني”. وقال الدويهي إن أهم مردود من مشروعه هو محبة الناس وتوصيل رسالة الأدب: أهم شرط في مشروعنا هو الرقي، ورفض التهتك والابتذال ، فالأدب يجب أن يعكس حضارتنا وثقافتنا
مقابلة مع الأديبة كلود ناصيف حرب
جميل الدويهي: لتنوع أساس مشروعي الأدبي ولولاه لأقفلت المشروع
مدرسة يقتدي بها الكثيرون في الصياغة وأسلوب العمل
خاصّ بستان الإبداع وأفكار اغترابيّة
كتبت الإعلامية والأديبة
كلود ناصيف حرب
29 كانون الأول 2021
عندما تجتمع بالأديب الدكتور جميل الدويهي، تشعر وكأنك تجتمع بجبل عطاء فكري لا يتعب ولا يشيخ، كتلة من الإصرار والتحدّي لعوامل الزمن وصعوبات الحياة، لوّنت أدبه بصبغة الكبار من شعراء العرب، وهو في مهجر بعيد، تتقاذفه المسافات، وتعترضه صعوبات كثيرة، أهمّها البعد الجغرافي الذي انعكس سلباً على الترويج لمشروعه المضيء
“أفكار اغترابية للأدب الراقي” باعث النهضة الاغترابية الثانية
الجلوس مع جميل فيه رهبة، وقد يصعب السؤال، أو تتعدّد الأسئلة فلا تنتهي. وكيف تنتهي، وهو العالِم بأسرار عمله، الحارس الأمين لفكرة أصبحت عالميّة، ومدّت جسراً بين المقيم والمغترب. وكان الجميل رائداً لتعدّد الأنواع، بشكل غير مسبوق في تاريخ الأدب
فكم سؤالاً سنطرح على عدّة رجال في رجل واحد، هو الشاعر، والمفكّر، والقصصيّ البارع، والمؤرّخ، والإعلاميّ، الذي قيل عنه إنّه يتكلّم شعراً، وينطق أدباً رفيعاً؟
التقيته هذه المرّة بعد غياب، واللقاء بالتراسل، بسبب الظروف الصحيّة الطاغية هذه الأيام. وقد تعوّدت أن ألتقي بالجميل ومريمه الزميلة الأديبة، والغالي سايمون في جلسات من الطيب والمحبة، وطرحت عليه أسئلة تتعلّق بما ما حقّقه في السنة الماضية، والتحضيرات للمهرجان وللمؤتمر الأدبيّ الثقافيّ… فإلى تفاصيل اللقاء
كانت جائحة كورونا عائقاً أمام المشروع الذي عودنا على المهرجانات الكبرى، فكيف أثرت هذه الجائحة، وكيف تعاملتم معها؟
شكراً لك كلود، الأديبة الجميلة، رفيقة درب وصديقة ملتزمة ووفيّة أعتزّ بها في كلّ زمان ومكان… فعلاً كان وباء كورونا عائقاً أمامنا، فقد اعتادت الجالية على مناسباتنا ومهرجاناتنا في أفكار اغترابيّة، وكنت حضرتك من المساهمين الرواد في المشروع، وكان لنا شرف أن نرعى أعمالك ومناسباتك، وأن تكوني معنا في كل ظرف. لكن لكل زمن ظروفه، وطريقة التعامل معه، فقد غيرنا في منهجية العمل، واستغنينا عن المناسبات الكبرى، لنركّز على الكتب ومجلة “أفكار اغترابية – أدب وثقافة”، وثبتنا أسس التعاون والشراكة مع مؤسسات رديفة تعمل من أجل الأدب والثقافة، وأشير هنا إلى التوأمة مع نادي الشرق لحوار الحضارات، ومع منتدى “لقاء” في لبنان، حيث بيننا شراكة لا تقوم فقط على النتاج الأدبيّ، بل على المستوى الأكاديمي والثقافي الرفيع. ونحن أيضاً في تلازم لا ينفصم مع بستان الإبداع الذي هو منا ونحن منه. وكم أرجو أن تزول هذه الأزمة الصحية قريباً لنعود إلى سابق عملنا وإطلالاتنا المضيئة
لفتني مؤخراً أنك غيرت تسمية المهرجان إلى احتفالية. ما سبب ذلك؟
تعرفين سيّدتي أن استخدام كلمة “عرس” أو “مهرجان” أصبح متاحاً للجميع، فاللفظتان تقعان في إطار الحقل العام Public Domain، فارتأيت أن أبحث عن كلمة بديلة، قد تكون مناسبة مع المستوى المرموق لأعمالي، سواء في نشر الكتب، والمواضيع التي أكتبها، أو في المجلة التي حققت نجاحاً باهراً وباتت مقروءة من مثقفين وأدباء وأكاديميين كبار… فكلمة احتفالية تلائم تطلعاتي أكثر من أي كلمة أخرى، في المدى المنظور على الأقل. لكن طبيعة أدائي لم تتغير، بل أصبحت أكثر نضوجاً وتطلعاً إلى الأمام
توقفت عن إقامة الجلسات الحوارية على الإنترنت. ما وراء ذلك؟
-الجلسات الحوارية في أغلبها كانت تتمحور حول أعمالي الفكرية، وقد شملتُها جميعاً بجلسات حوارية. وخلال السنة الماضية، نشرت أعمالاً شعرية وروائية، وكتابي الفكري الجديد “أفكار خارج العزلة” لم يصدر بعد، لذلك ليس لديّ مواضيع قيد الطرح لجلسة حوارية في الوقت الراهن. كما انشغلت بتحضير عدة كتب لأدباء آخرين، وهذا ما استهلك حيزاً من وقتي وصرف نظري عن أي جلسة حوارية في الوقت الحاضر. وبعد الاحتفالية المنتظرة قريباً، سأعدّ لجلسة حوارية عن موضوع أختاره من بين أعمالي
كتبت الأديبة مريم رعيدي الدويهي كتاباً لافتاً جداً عن أعمالك الفكرية. هل تحدثنا عنه؟
كتاب مريم عن أفكاري والمدينة السامية أو الخالدة، هو الكتاب الأول الذي يتحدث عن مدينة وضع أسسها أديب مهجري في أستراليا، فكما “غولونغازا” مدينة ويليام بلايك، و”أورفليس” مدينة جبران، وقبلهما جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي، حاولت أن أضع أسساً لمدينتي، خارج الإطار الفلسفيّ الجامد.وقد لفتتْ هذه الظاهرة مريمتي، فجمعت كتبي الفكرية ولاحظت أن هناك مدينة حيّة في داخل مؤلفاتي، وقامت بتبويب هذه المدينة بطريقة علمية، وأصدرت كتاباً رفيعاً، سيكون بالتأكيد مرجعاً للدارسين في المستقبل. ألف شكر للمريم الجميلة، ولكل من كتب عني، وكنتِ حضرتك أميرتنا كلود في طليعة من كتبوا عني، ولك كتابان مهمان في المكتبة المهجرية، وأفتخر بهما وأذكرهما كلما ذُكر أهل الوفا.
*كانت ثمرة التفاعل مع منتدى لقاء في لبنان، عدة كتب. هل تحدثنا عنها؟
-نعم. بكل فخر… صدر كتاب للأديب د. عماد يونس فغالي مؤسس منتدى لقاء، بعنوان “لقاء أفكار”، وجمع العنوان طرفي التوأمة والشراكة، ثم صدر كتابان للدكتور جوزيف ياغي الجميل عن أعمالي “من الجميل إلى جميل”، وكتابان للأديب سليمان يوسف ابراهيم في الإطار نفسه “سراج العشايا” ، و”الأديب سليمان يوسف ابراهيم يكتب عن جميل الدويهي وأفكار اغترابية… وتقصر المسافة”. وهذه الخمسة الكتب لم يكن مقرراً أن تقدم في الاحتفالية المنتظرة، لكننا ارتأينا أن تزين بها مائدة الأدب والفكر، لتضاف إلى كتب كثيرة يبلغ عددها 33 كتاباً، وهو رقم غير مألوف، وغير مسبوق في تاريخ الأدب، خصوصاً أن الكتب تقدم هدايا مجانية في ظاهرة أو تظاهرة حضارية من طراز جليل
*كم بلغ عدد الكتب التي كتبت عنك وعن أفكار اغترابية حتى الآن
أحصيت 17 كتاباً حتى الآن، وهناك كتابان آخران سيصدران قريباً، ليصبح الرقم 19 كتاباً
*هل تكتفي بهذا القدر؟ أم تطمح إلى أكثر؟
-بالطبع أطمح إلى أكثر… وأعتقد أن أفكار اغترابية موضوع واسع. هو لا يشبه أي مؤسسة، متفرد بذاته. فكرة أصبحت مجموعة شمسية. وما يميز مشروعي هو أنه غير مفتوح إلا للأعمال الأدبية الرفيعة، كما تعدد الأنواع. وهذا ما أركز عليه دائماً، وأخاف من تجهيله، لأنه الأساس، ولولا هذا التنوع لأقفلت مشروعي، وموقعي، ولجأت إلى الكتابة مثل غيري من الأدباء، في زاوية بعيدة، فلماذا يا أميرة أعلن أن إنجاز مألوف وعاديّ، قد لا يرقى إلى مستوى الإنجازات التي تضج بها الساحة؟
*بلغ عدد كتبك حوالي 45 كتاباً. هل يمكن أن نعرف ما هي الكتب التي صدرت خلال هذا العام؟
إضافة إلى كتبي أصدرت لغيري، وساعدت في إعداد كتب للنشر، وكلها خدمات مجانية أقدمها، لكي أغني الحضارة، وأشجع الأدباء على النشر، فعندي أن الكتاب الذي لا يُنشر هو قنديل منطفئ لا يراه أحد. هذه الأعمال المتراكمة أثرت على صحتي، لكن عزيمتي لا تقهر، وعندي مشروع يساوي حياتي، فإذا تخليت عنه تخليت عن ثروة أملكها، ليست مالاً، بل هي مجموعة قيَم وأفكار وأسس لمجتمع السلام والمحبة. لست شاعراً مأخوذاًُ بوصف المرأة والبحر والجدول والسماء الزرقاء… فعندي هدف إنساني نبيل، وهناك المئات من الناس في أستراليا وخارجها، يؤمنون بأفكاري، ويحبونها، ويلتزمون بها، وأنت يا أميرة كلود تعرفين كثيراً عن المشروع، وما معناه… ولماذا أضحي من أجله؟ وتعرفين أيضاً أنه أصبح مدرسة يقتدي بها الكثيرون، سواء في الصياغة الإبداعية والنصية، أو في أسلوب العمل على الأرض. وهذا لا يزعجني إطلاقاً، بل يفرحني أننا نحن، في أفكار اغترابية، قدوة ومحط التقدير من جميع المؤسسات والأدباء في أنحاء العالم
وبالنسبة للكتب التي صدرت العام الماضي، فصدقاً أقول لك إنني لا أتذكر العديد من عناوين كتبي، لكن ما أذكره من السنة الماضية الكتب التالية
بلاد القصرين
كتبوا في بلاد القصرين
نقوش على خريف الغربة
حدث في أيام الجوع
رؤى في فكر جميل الدويهي
آراء في أقاصيص لجميل الدويهي
لقاء أفكار للدكتور عماد يونس فغالي
البشارة الدويهية ومعبد الروح الأيقونة المقدسة للدكتور جوزيف ياغي الجميل
سليمان يوسف ابراهيم يكتب عن جميل الدويهي وأفكار اغترابية
وسراج العشايا لسليمان يوسف ابراهيم
عنواني عا شط بعيد والحنين بحّار لمريم رعيدي الدويهي
فكر جميل الدويهي ومدينة القيم الخالدة لمريم رعيدي الدويهي
سألته فباح بأسرار الأعماق- مقابلة أجرتها الإعلامية ندى فريد مع الأديب جميل الدويهي
الكتب التي هيأتُ لإصدارها
ديوان للشاعر فواز محفوض
ديوان للشاعر أحمد الحسيني
ديوان للشاعر غسان منجد
رسالة ماجستير للأديبة د. عائدة قزحيا
وكتاب لأديبة لبنانية سيصدر قريباً
المجموع 18 كتاباً في عام واحد. وهذا رقم خيالي لم أكن أعرفه لو لم تطرحي عليّ هذا السؤال. أضيف إلى ذلك 5 أعداد من مجلة أفكار اغترابية – أدب وثقافة
*والكتب التي تنتظر الإصدار؟
هناك عدة كتب تنتظر الإصدار، منها كتاب لي يتضمن نصوصاً نقدية وأوراقاً جامعية، وكتاب نصوص فكرية باللغة الانكليزية، وكتاب للأديبة كلود ناصيف حرب بعنوان “قمر البحيرة سهران ناطر مواعيدي”
هل يمكن معرفة تفاصيل عن الاحتفالية والمؤتمر؟
هذا السؤال أساسيّ، لأن هناك من يعتقدون أن الاحتفالية والمؤتمر حال واحدة. وهما يختلفان، فالاحتفالية هي المهرجان الأدبي الخامس، وفيه ستُمنح جائزة أفكار اغترابية لنخبة من المبدعين، وتقدَّم الكتب هدايا
أما المؤتمر فهو مناسبة مختلفة، وقد وصلتنا حوالي 36 موافقة على المشاركة في أوراق. وقسمنا محاور المؤتمر إلى منصات مختلفة، لكي نتيح الحرية للاختيار. وسنجمع هذه الأوراق في كتابين أو ثلاثة كتب، ونحدد موعداً لإقامة فعالية ثقافية، تُقرأ فيها مقتطفات من أوراق الباحثين والمشاركين
شكراً جزيلاً د. جميل للإيضاح. هل لديك كلمة أخيرة؟
أشكرك جزيل الشكر أديبتنا الغالية، لكل ما فعلته من أجلي. وأعتبرك من أسرة أفكار اغترابية ومن المؤسسين الأوائل… وليست عندي سوى كلمة عامة هي الدعوة إلى الاعتراف بما هو موجود، بعيداً عن التعتيم والتضليل وذر الرماد في العيون لتحييد الأنظار عن الواقع. فهناك أناس نضع إنجازاتنا أمام عيونهم، فيتهموننا بالادّعاء… وأنا أدعو دائماً إلى وضع الأعمال في الميزان للتمييز، كما أدعو النقاد والدارسين في العالم أجمع إلى التحوّل نحو دراسة أدبنا المهجري المتنوع قيمة وقامة. وإنني أشعر أحياناً بالخيبة وأسأل نفسي: هل ما نقوم به فيه عجز أو تقصير، أو لا يتلاءم مع معايير الجودة المطلوبة؟… لديّ حلم تحقق جزء منه، وجزء آخر لم يتحقق، فألف تحية لمن ساعدوني على تحقيق الحلم، وكل من كتبوا عن مشروعي، وضحوا لإحقاق الكلمة، وأدْعو آخرين لم يؤمنوا بعد إلى أن ينظروا ويؤمنوا… إذا لا يوضع سراج تحت مكيال
قبل أيام على أمسيته المقررة في 23 تشرين الأول 2015، شارك الأديب والشاعر اللبناني المهجري د. جميل الدويهي في حلقة إذاعية استضافتها إذاعة "صوت المحبة"-سيدني مع المذيعة المتألقة الأستاذة كلود ناصيف حرب، وكان الضيف الكبير الأخت الراهبة إلهام جعجع من راهبات العائلة المقدسة المارونيات، ومديرة المركز الإنساني الذي يعنى بالمسنين في دالويتشهيل وماركفيل. وعلى الرغم من أنّ الدويهي سيقدم 4 أعمال نثرية وشعرية هدايا، كتاب لكل أسرة، لكن التركيز كان في برنامج "يا هلا بالضيف" على كتاب "في معبد الروح" الذي يعتبره الدويهي قمّة أعماله. واستهلت الأخت جعجع البرنامج بالصلاة ودعوة أبناء الجالية للحضور بكثافة في أمسية الدويهي "لأنني بعد أن قرأت في معبد الروح وجدت فيه كلاماً رائعاً. إذا كان في معبد الروح هكذا، فكيف ستكون الكتب الباقية؟ أرجو حضور الجميع ليأخذوا قيَماً فكرية واجتماعية وإنسانية وروحية، ويحصلوا على هذا الكنز الذي سيُقدّم في الأمسية"... وقالت: "لفتني في هذا الكتاب عنوانه، إذ هناك معبد وهناك حضور إلهي هو الروح. وبعد قراءتي للكتاب المؤلف من 37 عظة، تذكرت آية للقديس يوحنا: "أتيت لتكون الحياة للناس". وخاطبتْ الدويهي قائلة: "أنت كتبت للناس لتهديهم إلى حياة أفضل وتبين القيم الروحية التي نحن في حاجة إليها".
وتوضيحاً قال الدويهي "إن الكتاب يقوم على مجموعة من القيَم وأهمّها التسامح، ففي بداية الكتاب أصف التسامح بقنديل المعرفة"، وهنا أردفت الراهبة جعجع: "التسامح هو أعظم فضيلة وفكرة التسامح مهمة وأنت شددت عليها لكي نصل إلى السلام". وأضافت: "لقد أنشأتَ توازناً بين الحق والباطل، الخير والشر، الوطن والغربة، النور والظلام ، كما توازناً بين القلب والروح". وأوضح الدويهي التوازن بين المادة والروح في المسيحية فقال إن خشبة الصليب مثلاً عند المسيحيين هي خشبة (مادة) في الأصل ولكنها عندما أصبحت رمزاً للقيامة والخلاص والحياة الجديدة والانتصار على الموت أصبحت روحاً. كما أوضح أن التسامح الذي يسعى إليه لا يجب أن يكون تسامحاً بالمطلق، "فالشرير يجب أن يُحاسب على أعماله لأنه جعل الشر ينتصر على الخير في نفسه فإذا بالآخرين ضحايا في معبد حقده". وأضاف الدويهي: "سمعنا كثيراً من الفلاسفة يقولون إن الإنسان ولد وفيه الخير ويموت معه، وهو يفعل الشرّ لأنه يجوع ويعطش، كأننا يجب أن نبرئ الإنسان إذا سرق أو قتل لأنّه اضطر إلى الجريمة بسبب حاجته، "فما الفرق بين هذا الخاطئ الشرير وبين الذي تعضه الحاجة ويعطش ويجوع فيفضل الموت على أن يفعل شراً؟"
وقرأت الراهبة جعجع العديد من مقاطع الكتاب التي تتناول التواضع والمحبة والعدل ووجود الله، وأبدى الدويهي عجبه من أناس يقولون إن عقولهم لا تستطيع تحمل فكرة أن الله موجود، فقال: إن العقل يجب أن يعجز عن تصوّر أن الله غير موجود، وأعطى مثلاً الكون ونظام المجرات والهندسة الإبداعية التي تحتّم وجود خالق مبدع.
من جانبها أشادت الأستاذة كلود ناصيف بالكتاب، وقالت إنه مزج بين الواقع الشعري والنثري والرمزي، فكان الدويهي الكاهن في معبد الروح وعالج المواضيع المهمة بحكمة وإدراك. وطلبت الأستاذة ناصيف الاستزادة في موضوع وجود الله فقال الدويهي: "كنت في جامعة سيدة اللويزة التي وضعتها في قلبي أسأل طلابي دائماً: "إذا صنعتم مركبة فضائية لا تصطدم بشيء وأرسلتموها صعوداً في الفضاء فإلى أين ستصل؟ كانوا يجيبون: لا نعرف، فكنت أقول لهم: لا تعرفون لأن الله تعالى يُخفي كثيراً من التفاصيل التي تحتاجون إليها وتبحثون عنها من غير فائدة، فعقولكم تصطدم بحائط مسدود. الله لا يمكن اكتشافه بالعقل فقط، وكثير من الفلاسفة لم يستخدموا أرواحهم مع أفكارهم فاعتمدوا على العقل فقط واصطدموا بالهباء". وأضاف إن بعض الناس يتصورون أن الله هو إنسان عادي لا يستطيع نقل شجرة من مكانها أو حمل سيارة على ظهره، والله ليس كذلك... هو مهندس عظيم ينظم الوجود برمته.
وقالت الأخت إلهام إن الله يُعرف بالمحبة، والذي لا يحبّ لا يستطيع أن يلتقي بالله. ولفتت إلى الاستمرارية في الكتاب، عند تسليم الكاهن الأكبر الرسالة إلى الكاهن الأصغر، فأوضح الدويهي أن الكتاب نفسه سيصدر بالانكليزية، وهناك كتاب "في معبد الروح 2" لكن بعنوان آخر وسيناريو آخر، ترجمة لهذه الاستمرارية.
وتابعت الأخت إلهام جعجع قراءتها لمقاطع من الكتاب سجلتها على ورقة من 13 موضوعاً اختارتها، وقالت: "أنت رفعت الحب إلى مصاف عظيم حيث ينبغي أن يكون من غير مقابل". وقالت أيضاً: "في خضم الواقع كثيراً ما ينظر الإنسان بسلبية إلى الحياة، ولكنك في الكتاب تنقل الناس من أفكارهم السلبية إلى المنحى الإيجابي، فالحياة فيها نور وظلمة وفيها شمس وفيها قمر".
وقدمت الأستاذة كلود ناصيف وصفاً دقيقاً لموقع الدويهي للأدب المهجري الراقي "أفكار اغترابية" فقالت: "لقد قرأت قصيدتك إلى الكبير سعيد عقل عدة مرات"، وأبدت إعجابها بالنوع السادس من الشعر الذي أطلقه الدويهي للمرة الأولى في أستراليا. وقال الدويهي إنه يفتخر بأن الأستاذة كلود تنشر على موقعه وفي جريدة "المستقبل" وأبدى استعداده للمساعدة في نشر كتاب لها، كما أشادت الأخت جعجع بالموقع الذي دخلت إليه وقالت إنه يحتوي على مواد راقية ترفع العقل وتقدم الغنى العلمي والثقافي والفلسفي والروحي.
وتطرقت الراهبة جعجع إلى فكرة الموت حيث يعتبر الدويهي أن "الموت هو المرفأ الذي نسعى إليه بخطى متسارعة ونحن نواكب مرور السنوات"، كما تطرقت كلود إلى فكرة البخل في الكتاب، فقال الدويهي إن البخل من أسوإ الصفات لأن البخيل بخيل في صلاته أيضاً، مضيفاً: "نحن لا نعطي شيئاً لأن الله هو الذي يعطي من خلالنا، وليس لنا فضل في العطاء، وإن القرش الذي نضعه في يد الفقير ليس من جيوبنا بل هو من فضل الخالق علينا، ولذلك أعطي كتبي مجاناً: مجاناً أخذت ومجاناً أعطي".
وقالت الأخت جعجع: "كنت في الأسبوعين الماضيين أقرأ في الكتاب، فلفتتني مواضيع كثيرة، منها موضوع "الضغينة"، إذ يقول الدويهي: "إخلعوا رداء الكراهية وتكلموا لغة السلام فهي لغة المجد الأبدي"... ليتنا نعيش هذه المحبة، وهذه الأفكار التي وضعها الدويهي في الكتاب لا بد من أن تثمر، وقد أثمرت عندي. الذي تكتبه يا جميل نحتاج إليه وإلى تطبيقه". وأعطى الدويهي هنا مثلاً عن "الرجل الكافر" الذي يعامله بمحبه وينقذه من أيدي "القاتلين بالسيف"، فيركع الرجل على أدراج المعبد ويقول له: قل لي من هو الرّبّ إلهك لأنني أريد أن أعبده مدى الحياة. وأضاف الدويهي: "هكذا أعدت الكافر إلى نور الله عن طريق المحبة وليس عن طريق القتل. فالذين أضرموا الحروب لم يجنوا منها غير القتل والتدمير ونحن عندنا رسالة في الحياة تختلف عن رسالتهم". وعلقت الراهبة جعجع على قول الدويهي: "الله لا يريد أديانكم بل يريد إيمانكم"، فقالت: "إن الحروب تحدث في الشرق لأننا نتمسك بالدين وليس بالمحبة. نريد إيماناً لكي نعيش معاً بسلام".
وأشارت الأخت جعجع إلى مزيد من المواضيع التي عالجها الكتاب، فقالت: "أدعو المستمعين إلى قراءة هذا الكتاب، وأنا اليوم كنت أتشارك مع كهنة في قراءة هذا الكتاب، ورأينا ما فيه من قيَم روحية وإنسانية أيضا". وهنا سأل الدويهي: "هل كان الكهنة راضين عن الكتاب؟" فقالت الأخت جعجع: "تشاركت مع الأب فادي تابت والأب أندريه غاوي، وكانا فرحين بالأفكار والمواضيع السامية والراقية التي تحتوي على قيم كثيرة، وهما شعرا بأننا نحتاج إليها في عصرنا". وقال الدويهي معلقاً: "هذا يدفعني إلى نشر الكتاب باللغة الإنكليزية، فأنا لا أيأس من أن الكلمة يجب أن تفعل فعلها".
وسألت الأستاذة كلود عن فكرة الكتاب وكيف خطرت في باله، فأجاب الدويهي بأنه انطلق من روايته الإنسانية "طائر الهامة" التي احتوت على كثير من القيَم، "فتساءلتُ: لماذا مثل هذه الأفكار والقيَم لا أتوسَع بها وأجعلها في كتاب؟"
وسألت كلود أيضاً عن العظة التي يفضّلها، فقال: "عظة الأعداد" وقالت الأخت جعجع إنها أحبّت جميع العظات ولكنها تفضل "الحق والباطل" التي فيها كثير من الحكمة التي نحتاج إليها. وشرح الدويهي أنه في الأعداد يناقض فيثاغورس وجمودية العدد. وتمنت كلود من المستمعين أن يسارعوا إلى حجز أماكنهم في أمسية الدويهي يوم 23 تشرين الأول لكي يحصلوا على الكتاب والكتب الأخرى، وكررت القول إنّ الحضور مجاني والكتب مجانية.
والجدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى في أستراليا وربما في العالم كله التي يطلق بها مؤلف 4 كتب دفعة واحدة ويقدمها مجاناً للناس.
ودعا الدويهي أبناء زغرتا - إهدن، مدينته التي تعيش في قلبه وروحه، إلى المشاركة في الأمسية والحصول هدية على كتاب "نظرة في تاريخ إهدن - أشهر المعارك الإهدنية في التاريخ"، وهو الكتاب الثاني بالإنكليزية للدويهي، والكتاب عن معارك إهدن لن يكون متوافراً بعد الأمسية مطلقاً، والذين يحبون إهداء هذا الكتاب إلى أبنائهم وأحفادهم، فهذه أجمل هدية يمكن أن يحصلوا عليها في كتاب متقن وأكاديمي.
وألقى الدويهي خلال اللقاء قصيدتين: واحدة بعنوان "الله خلقني" والثانية عن البطل الإهدني يوسف بك كرم، وكشف عن أربعة كتب جديدة من أجل أدب مهجري راق ستصدر تباعاً بعد الأمسية: "في معبد الروح 2"، "في معبد الروح" بالإنكليزية، "حاولت أن أتبع النهر، النهر لا يذهب إلى مكان"، و"كتبوا في معبد الروح". وقال الدويهي: "هذه المقابلة ستكون جزءاً من الكتاب الأخير، كما أن بطاقة أرسلتها الأخت إلهام جعجع إلى الدويهي عندما قدم إليها الكتاب، ومقالة كتبتها الإعلامية كلود ناصيف حرب ستكونان في الكتاب أيضاً"... وناقض الدويهي في المقابلة بعض أفكار الفلاسفة والمفكرين أمثال نيتشه، غوته، أمين الريحاني، جبران خليل جبران... وقال "إنهم عظماء ولكن ليس كل ما قالوه صحيحاً، ويمكن أن يأتي أحد ويقول إن كتابي "في معبد الروح"يحتوي على أفكار لا يوافق عليها وليست عندي مشكلة في ذلك. لا يجب أن يكون الناس جميعاً على فكر واحد".
وجدد الدويهي شكره لإذاعة "صوت المحبة" والأب الرئيس مارون موسى مدير الإذاعة والأخت إلهام جعجع والإذاعية كلود ناصيف حرب التي قال عنها إنها تكرمه وتشرّفه كمقدّمة لبرنامج الأمسية، وقال إن هذا الفضل لا ينساه أبداً. وختمت الأخت جعجع بصلاة على نية الدويهي، فقالت: "يا رب، إحمِ جميل الذي يعطينا افكاراً جميلة جداً من روحانية وقيم وأخلاق، وأطلب منك أن تقويه وتعطيه أكثر فأكثر لكي يعطينا هو من كنزه الجميل".
إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي
الدكتور جميل ميلاد الدويهي يكتب
ولدت في زغرتا- لبنان عام 1960. درست في الجامعة اللبنانيّة وحصلت على إجازة في الأدب عام 1983، ودبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها عام 1988. درَّست في معاهد لبنانيَّة
هاجرت إلى أستراليا أواخر عام 1988، وعملت في الإعلام المهجريّ (جريدة صوت المغترب، الأذاعة العربيّة 2000 إف إم، تلفزيون المؤسّسة العربيّة للإرسال)… تابعت دراستي في جامعة سيدني، وحصلت على دكتوراه في اللغة العربيَّة وآدابها عام 1998. عملت مساعد باحث في جامعة سيدني، وأستاذاً للغة العربيَّة في معهد مار شربل- سيدني. نشرت أعمالي الشعريَّة، وقصصي القصيرة، ومقالاتي النقديّة في الصحف المهجريَّة
عدت إلى لبنان في أواخر عام 2004، وعملت منذ عام 2006 حتّى عام 2013أستاذاً في جامعة سيِّدة اللويزة. هاجرت مرّة أخرى إلى أستراليا في أواخر عام 2013، وأعمل حاليّاً مديراً لتحرير جريدة “المستقبل” الأسترالية
مختارات من أعمالي
-وقلت: أحبّكِ – شعر
-أعمدة الشعر السبعة (أول ديوان شعر عربي يتضمن 7 أنواع شعر)
-أهل الظلام (قصص قصيرة)
-طائر الهامة (قصّة)
-الإبحار إلى حافة الزمن (قصّة)
-في معبد الروح (فكر) – تأمّلات من صفاء لروح (فكر) -بلاد القصرين (فكر)
-حدث في أيّام الجوع (قصّة)
-نقوش على خريف الغربة (شعر)
-هيك القمر غنّى لعيونك (شعر لبنانيّ)
-عندي حنين البحر للشط البعيد (مدوّر عامّيّ)
أشهر المعارك الاهدنية في التاريخ (تاريخ بالانكليزية) -حاولت أن أتبع النهر… النهر لا يذهب إلى مكان (نثر أو شعر)
ونشرت مقالات أكاديمية في مجلات وكتب متخصصة. كما نشرت الكثير من المقالات النقدية والاجتماعية والسياسية
أسست في عام 2014 مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي، وموقعاً يحمل الاسم نفسه، كما أنشأت جائزة على اسمي تقدَّم سنوياً للعديد من الأدباء والمبدعين والأكاديميين
أقمتُ مهرجانات أدبية حاشدة في لبنان، وأستراليا. حائز على العديد من التكريمات
الدكتور جميل ميلاد الدويهي للشاعرة رانية مرعي
لقاء مع مجلة كواليس
الإبداع ليس له علاقة باللغة إن كانت فصحى أو عامية أو بالإنكليزية أو الصينية
سؤال: بداية حواري معك لن يكون سؤالًا . أترك لك الكلام لتخاطبنا من القلب إلى القلب
ج- أشكرك من كل قلبي شاعرتنا الجميلة والغالية، على إتاحة الفرصة لي، لأعبّر عن ذاتي في هذه المقابلة. وهي تتويج لبداية لقاء معك، وأنت الشاعرة المغرّدة على أشجار الإبداع. وأرجو أن يطول اللقاء، ويكون أكثر من مقابلة، بل يكون حواراً ثقافياً وحضارياً لا ينتهي
المخاطبة من القلب إلى القلب، تعني البراءة والطفولة المتمردة على الزمان. وهكذا نحن، أشجار تعلو وتثمر، لكنها لا تفارق طفولتها. والشعراء لا يزالون يحتفظون بدفاتر العمر الجميل، يكتبون عليها أحاسيسهم وأحلامهم. وأنا من هذه الطائفة المتنورة التي تريد أن يكون العالم كلّه واحة للمحبة والسلام. لا نسعى إلى جوائز نوبل في أدبنا، بل إلى جوائز بسيطة، تشبه هدايا العيد، ملفوفة بورق لامع… يقدمها إلينا الناس، فترضي شغفنا وعشقنا للكلمة. فألف تحية لكل من يصنع السلام ويزرع غصناً أخضر في حقل المعرفة، ويقدم للبشرية أمثولة الحبّ الصادق الذي يرتفع بالإنسان والإنسانيّة كلّها
سؤال: الفصحى والعامية، هل يتواجهان في كتاباتك أم يتكاملان في التعبير عن الفكرة؟
جواب: لم أفكر مرة واحدة بأن هناك إشكالية في اللغة، فقد يكتب المرء باللغة الهندية أو الصينية ويبدع. وعرفت أدباء يخطئون في اللغة، لكنّهم أدباء جيّدون. أحب الكتابة لأنها تمثل عصارة فكري وتجاربي، ومرآة تنعكس عليها رؤيتي للحياة. وأكتب بالفصحى والعاميّة وبالانكليزية أيضاً، فليس ما يعيب في التعدد والتنويع، بل هما غنى
نحن نترجم الفكرة ونبعثها من غفوتها حيّة وناطقة. وقد أثيرت خلافات حول اللغة، لا جدوى منها، لأنّ الأساس هو الإبداع… ولا أرى أيّ تصادم في طرق التعبير، طالما الإبداع يتمتع بصفات الرقيّ والجمال، ويصل إلى الناس
سؤال: نشرتَ أكثر من 45 كتاباً في أنواع الأدب المختلفة من شعر وقصّة وفكر وتأريخ وباللغتين العربية والانكليزية. كيف ساهم هذا المزج بين الحضارتين في عملية التلاقح الفكري والثقافي؟
-جواب: نعم، لدي رصيد كبير في النشر، وعندي أيضاً مجموعات لم تنشر بعد، ولست أدري إذا كانت الحياة تتسع لها جميعاً. ومن أهم أسُس مشروعي “أفكار اغترابية” التنوّع في المضامين والأشكال أيضاً. فلا أستقرّ على حال، وأُعمِل ريشتي كما تعمل الريح ريشتها في الطبيعة، فتنحت وتغيّر… تارة تكون رقيقة، وتارة تثور وترفض الواقع. كتبت الشعر بثمانية أنواع، وعرضت مرّات كثيرة نماذج عن أنواعي. ولا أعتقد أن أحداً سبقني إلى هذا التنويع من قبل، كما كتبت القصة القصيرة والرواية والفكر والتأريخ والنقد. فالكتابة عندي مشروع متواصل لا يهدأ، ولا يمرّ يوم إلا ويكون لي فيه شيء من العطاء الأدبي والثقافيّ. والمزج بين الحضارة الشرقية والمدنية الغربية علّمني الكثير، فحملت خصال الشرق وقيمه، وحملت أيضاً مفاهيم الحرية والحق والعدالة والمساواة من الأرض الجديدة التي احتضنتني. وأبلغ مثل على هذا التلاقح بين الشرق والغرب في كتاباتي، ما تجدينه في قصصي القصيرة، مثل “ورقة رابحة” ، و”الهارب”، حيث المناخ غربي والبطل شرقي، متشرد في الشوارع، ضائع من أحلامه. وكذلك في روايتي “الإبحار إلى حافة الزمن” التي أكون فيها البطل “ريتشارد” الذي يقيم في العراء تحت جسر سيدني، وتسوقه الأقدار إلى تسمانيا، الولاية – الجزيرة، حيث تكون له مغامرة مثيرة وحابسة للأنفاس. وحالياً أقوم بنشر “قصص من أستراليا” في مجلتي “أفكار اغترابية- أدب وثقافة”، في محاولة لنقل القصص والأساطير من أستراليا إلى عالمنا العربي. وعلى الرغم من هذا، فإنّ العديد من أعمالي تحتفظ بهويتها الشرقية واللبنانية خصوصاً، فكأنّني لم أفارق بلادي. أعيش همومها، وقضاياها… ومن يقرأني في تلك الأعمال لا يخطر في باله أنّني هاجرت إلى أستراليا منذ 32 سنة
سؤال: تقول "”عندي خوف على الشعر وله ما يبرره". هل نفقدُ دورنا المجيد في حركة الشعر؟
جواب: أقول ذلك من باب الحرص، وليس من باب النقد، فقد هجرت النقد منذ زمن طويل عندما رأيت وسمعت من يشيدون بأعمال لا ترقى إلى مستوى يمكن الحديث عنه. فالشعر في زماننا هذا ساحة مفتوحة، لا حسيب فيها ولا رقيب. وقد بلغ عدد الشعراء في الشرق اليوم إلى حد لا يُطاق، وفتحت وسائل التواصل الاجتماعي الباب أمام كلّ من يريد أن يعبّر عن أفكاره. بعد رحيل محمود درويش ونزار قباني وسعيد عقل، لا أستطيع أن أعثر، إلا قليلاً، على شعر له قامة عالية… هؤلاء وغيرهم كثيرون طبعوا العصر بطابع إبداعي، وقد نجد قصائد ذات قيمة الآن، لكن بشكل عام، هناك هبوط في المادة، وهذا ما يجعل زماننا يتأرجح في حركة غير صحيحة… ولهذا قلت وأقول: “عندي خوف على الشعر”، وقد يلومني كثيرون على جرأتي في هذا الموضوع، كما يتعرض للوم كل مَن يقول لشاعر إنه غير شاعر، فالحقيقة جارحة، خصوصاً للذين يؤمنون بأن الدنيا بألف خير، ولا يشكو من الواقع إلا المتشائم أو الأعمى
سؤال: كل عمل هو عصارة فكر وروح الشاعر والكاتب. ولكن انطلاقًا من قوله تعالى {وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } أطلب منك اختيار الكتاب الأكثر تعبيرًا عنك لتحدثنا عنه؟
جواب: سألتني الصديقة الغالية الإعلامية ندى فريد، في كتابها “سألتُه فباح بأسرار الأعماق” السؤال نفسه، فأجبتها بأنّ جميع كتبي غالية عندي، ما عدا كتب البدايات، قبل عام 1990، فتلك كانت محاولات مبكرة فرضتها ظروف الهجرة والانتقال من بيئة إلى أخرى، والتشظي، وموجة حزن لم تنته بعد على فراق الوطن وأهله. وأعتقد أن كتابي “في معبد الروح” هو أيقونة بين أعمالي، وبعده “تأملات من صفاء الروح”. كلاهما يشبه الآخر. وعلى الرغم من أن الغالبية من الناس ترى أن “في معبد الروح” هو كتاب يميّزني في رؤيتي الفكريّة، فإنّ “التأملات” لا يقل عنه قيمة، لكن قدَرَه أنه نُشر بعد سنة من كتاب “المعبد”، فلم يحظ بالمديح نفسه. أما أنا فأفضّل “التأملات” لأنه أكثر حرارة وتركيزاً على مواضيع إنسانية وحضارية. وقد نشرت الكتابين باللغة الإنكليزية. وطبعت “في معبد الروح” ثلاث مرات لأن الناس يطلبونه في مهرجاناتي، والإقبال عليه أكثر من أي كتاب آخر
سؤال: مشروع أفكار اغترابية يساهم في إصدار الكتب من تصميم الغلاف، إلى جمع النصوص، وتصحيحها حتّى الدفع بها إلى المطبعة. كيف ومتى بدأ المشروع الذي يُعدُ بحق نهضة اغترابية نوعيّة؟
جواب: صحيح، أنا أساعد الأدباء في تظهير أعمالهم، لأنني حريص على حركة أدبية، دُعيت بـالنهضة الاغترابية الثانية. أفعل هذا منذ بدأ المشروع عام 2014، أي بعد أشهر من عودتي إلى أستراليا. ولا أزال أحقق للعديد من الأدباء أحلامهم. كما أرعى أمسياتهم. وقد يعتقد البعض أن هذا الأمر ليس فيه إرهاق، لكنه مرهق ووراءه جهد وتعب وسهر. وقد أصل إلى يوم أحتاج فيه إلى الراحة، وهو ليس ببعيد. وسأركز فقط على أعمالي وأعمال زوجتي الأديبة مريم بدءاً من شهر حزيران المقبل… على أن يبقى الموقع والمجلة في خدمة مَن يرغبون في نشر إبداعاتهم
سؤال: جائزة الأديب جميل الدويهي تقدَّم سنوياً للعديد من الأدباء والمبدعين والأكاديميين. ما هي شروط الحصول على هذه الجائزة؟
جواب: جائزة “أفكار اغترابية” التي أرادها بعض الأصدقاء في أستراليا، تحمل اسمي أصبحت نهجاً سنوياً يترافق مع أحد مهرجاناتي أو احتفالياتي الحاشدة في سيدني أو في ملبورن. شروط الجائزة بسيطة كمثل بساطتي، فلا استمارات طويلة وعريضة، ولا معايير قاسية، بل المهم أن يكون المتقدم إلى الجائزة مبدعاً، وله دور في الحركة الأدبية أو الثقافية أو الأكاديمية. وهذه السنة سنقدمها إلى مجموعة من الأساتذة، لكننا ننتظر انحسار موجة الوباء والإقفال المرافق لها. كما سنفتح الباب أمام الترشح للجائزة في عام 2022. علماً أن الجائزة غير مادية، بل هي معنوية وتعبير عن فعل محبة من أفكار اغترابية تجاه المبدعين في كل مكان
سؤال: العديد من الأدباء حول العالم كتبوا محاكاة لأعمالك ونسجوا على منوال قصائدك. هل يمكن القول إنّك أسست مدرسة شعرية أدبية ممهورة ببصمة الدكتور جميل دويهي؟
جواب: في مكان ما، يمكن أن يكون ذلك صحيحاً، ولكن سواء أكنت مدرسة أم لا، فإنّني أفرح عندما يكتب أحد قصيدة أو نصاً من وحي أعمالي. ولربما يكون لدي الآن مجموعة نصوص كُتبت بإلهام من كتاباتي، تصلح أن تكون كتاباً. أقول ذلك للدلالة على كثرة هذه النصوص. ومن ناحية أخرى، هناك في أستراليا من يعتبرون أفكار اغترابية مدرسة، ويلتزمون بأسس الكتابة فيها: اللغة المهذبة، والأدب الصادق المعبر عن الإنسان… والمزج بين النثر والروح الشعرية بروح صافية… فأفكار اغترابية واحة للأدب الراقي، ويعترض بجرأة على ما يسود بعض الشعر من ألفاظ سوقية بذيئة وشتائم… فالأدب مرآة لصاحبه، وشهادة طبية مدموغة عن حالته النفسية، وشخصيّته بحلوها ومرّها
سؤال: أترك لك الختام مع قصيدة تهديها لقرّاء كواليس
جواب: أود في الختام، وقبل القصيدة أن أشكرك يا قصيدة معلقة على أستار الوعد والحبّ والخير. وإلى لقاء دائم مع صورتك الشعرية النابضة بالحياة. كما الشكر الجزيل لمجلة كواليس والقيمين عليها، راجياً لهم كل التوفيق والازدهار
واسمحي لي أن أهديك قصيدة من نوع التفعيلة العامية، بعنوان
“كلما طلعتْ عا خيمْتي”
رح ضلّ إمشي هيك
وحْدي بالزمانْ
لا نار
لا رعيان
لا في ورْد لابس أرجوان
كلّ المرَق
متل المدينِه الما بِقي منها صَدَى
وما في حَدا
راحو اللي كانو يوشْوشوني عالهَدا
وهيدا النهر تا تعرْفو
وحْدي اخترعتو
وفكرْتي هيّي الأساس
شو راح ناس
وشو بعد بيروح ناس
يا هالدِّني ما زعلتْ
ما نرفزتْ
ما شارعتْ
عطّلت الحواس
وبيسْألوني ولاد
كانو عالطريق
عم يلْعبو
مينَك إنتْ؟
قلت: الخطايا
والحريق
ما بْتعْرفو قدّيش روحي مْكسّره
متل القلم
يللي انكسر بالمحبَره
ومين اللي بدّو يشتْريني
بعد ما نعْسو الشجر عالقنطَره
وتْسكّر السوق العتيق؟
لا تخاف يا ناطور هالبرْج الحَزين
عندي المسافه
البَين روحي وبين جسمي كلّها
وتياب عندي من عبير الياسمين
وعندي القبايل
والرماح العاليين
والناس يللّي ودّعوني
من قبل ما نلْتقي
تخيّلت إنّو بعد مدّه بيتركوني
وكلّ شي بيبقى صوَر
حدّ الرصيف منتّفين
خبّيت كلّ دفاتري
الفِيها قصايد حُبّ
وغْلقت البْواب
ما بْريد إنّو إسمع
ولا شوف كذبه واقفه حدّي
متل حَيْط الضباب
كافر أنا بكلّ المشاعر صرت
لازم تصْلبوني عالكتاب
يا ريتني عصفور تا ضيّع طريقي بالسَّما
ومَع سنديان الجرْد إحكي بالوَما
والكان واللي صار
وهْموم البشرْ
ما عود أتذكّر
وَلا إسمع خبر
وكلما طلعتْ عا خيمْتي
ينزل وَحي من الليل عا منجَيرتي
ويصير بدْبُك متل أخْوَت هالقمَر
***
تحية كواليس
لا أعرف من أين أبدأ، فكلما كنت أنتهي من قراءة سطر يقتحمني عنوان، فكثرت العناوين في بالي وتزاحمت
الدكتور جميل ميلاد الدويهي يقطر شعراً رقيقاً شفافاً حتى وهو ينتقد الشعر الذي بدأ يفقد طريقه، وهو يتعرض لمجزرة ترتكب في حقه، فكثر من يسمون أنفسهم أو يسمونهم بالشعراء ومات الشعر على أيديهم إلا قلة ما زالت تناضل من أجل أن يبقى نبض القلب وتراً لمشاعر لا يليق بها إلا الرقة والحنين
وحتى أختصر إنفعالاتي التي تشابكت أتمنى من كل القلب أن نبني جسراً بيننا فتصبح كواليس بموقها وقريباً إن شاء الله بصفحاتها الورقية واحة للقصص الإغترابية والشعر الإغترابي ليكتمل وجودنا الإنساني كمقيمين بنصفنا المحلق في دنيا الإعتراب وما يقاسيه من قهر وحنين وليسمع منا ما نقاسيه من ظلم وتدمير لوظن كان لهم وما زال فضل إنقاذه على مر الأزمات
أما غزله اللطيف العفيف النظيف بالشاعرة رانية مرعي فقد كان تعبيراً لما تستحقه خاصة وأنها تسخر كل قدراتها لخدمة الكلمة التي بدأ عرشها يهتز بتصميم غادر وخائن ومجرم بحق الحضارة الإنسانية التي حملتها الكلمة وما زالت عنواناً لكل المراحل مرها وحلوها فرحها وحزنها
يبقى أن أقول: أسئلتك الشاعرة الغالية رانية مرعي فجرت ينابيع رقراقة وزقزقة عصافير مغردة وحزن جميل لا يليق إلا بشاعر ولد ليكون شاعراً
شكراً لهذه المتعة بجمال الكلمة ورقتها
فاطمة فقيه
مقابلة مع الشاعرة جولييت أنطونيوس - لبنان
استضافت الشاعرة اللبنانية المميزة السيدة جولييت أنطونيوس، عبر أثير إذاعة "دريم إف إم"، وضمن برنامجها "حكي قصايد"، الأديب المهجري د. جميلا الدويهي، في مقابلة شاملة استمرت أكثر من ساعة، وكان حوار صادق وبناء وصريح على الهواء مباشرة، بين أستراليا ولبنان، تخللته مداخلات من عشرات المستمعين. وتمحور اللقاء حول الاغتراب، ودور مشروع الأديب الدويهي "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الراقي في تعزيز الحركة الأدبية في أستراليا، وأنواع الأدب التي يكتبها ويتميز بها وطبعت مسيرته الإبداعية الغنية
قدمت الشاعرة أنطونيوس الأديب الدويهي قائلة
عادي جداً في حياتك أن تتعرف على صحفي مرموق، أو روائي أو كاتب، أو أستاذ جامعي أكاديمي، أو موثّق، أو شاعر يكتب الفصحى والعامية، أو ناقد، أو مترجم، أو ناشط... أمّا أن تلتقي بكل هؤلاء في شخصية واحدة، فيمكن أن تعتقد أن هذا مستحيل، وربما يكون ضرباً من التخيل... لا، ليس تخيلاً. فضيف اليوم هو كل هؤلاء، ولهذا السبب لم أجد تعريفاً له، لأن اسمه يختزل كل التعريفات. ولست أبالغ إذا قلت إنه هو التعريف الآخر لمفهوم الأدب وكلّ الفنون المتفرعة منه. باختصار، هو الكلمة التي لبستْ الروح وصارت إنساناً. إنسان لا يتعب من الخلق، فقد وهب نفسه وتجربته وخبرته لكل سائل حبر. لا يتوقف عن ابتكار طرق جديدة لفرح البذل. هو الواهب والهِبة، هو الشاعر والقصيدة، هو المهاجر والوطن... هو الذي انتدب نفسه لهذا النفس الجميل من العطاء. أسّس "أفكار اغترابيّة" ليجمع ما تشتت من خلجات الشعر المنتشرة في خاصرة الأرض، وليخوض معها معارك اللغة العربية، حيث لا صوت لها في بلاد الاغتراب. هو المغترِب الذي ما تخلى يوماً عن لبنان. حفظه في قلبه وفي قلمه، حتى أنجب من حبره كوناً من الإبداع سماه لبنان... لا تنتظروا مني أن أعدد إصداراته أو التكريمات التي حصل عليها، أو الإنجازات التي حققها في مختلف البلدان، وصولاً إلى أستراليا، فلا الوقت يسمح... ولا الورق يتسع
وفي مستهل اللقاء وصف الدويهي الشاعرة أنطونيوس بالشاعرة الجميلة، ذات الإحساس المرهف، وقال إنه يتابعها ويسمعها ويتمتع بجمال شعرها، كما وجه تحية إلى صديق العمر الجميل الإعلامي ميشال دمعة، وإذاعة دريم إف إم والمستمعين. وقال: "إن لبنان في المهجر بخير، لكن بالنا مشغول عليكم. نحن نبكي وأرواحنا تبكي على ما يجري في لبنان. وليت عندنا مسؤولين يسمعون ويصغون لهذا الشعب المسكين، ويخرجونه من هذه الأزمة الكبيرة، أزمة الجوع التي لم يحدث مثلها إلا في الحرب العالمية الأولى"
وتمنى الدويهي أن تصحو الضمائر ويكون عند الحاكمين إحساس بالمسؤولية، ويعرفوا أن السياسة هي خدمة، والأوطان ليست مشاريع استثمار وعمل وغنى وثروات طائلة، هي مكان يعيش فيه الغني والفقير، الكبير والصغير بكرامة. وقال: ما زلنا نامل. وكل المغتربين قلوبهم معكم، وليتنا نستطيع أن نصعد إلى طائرة ونذهب إليكم لمساعدتكم
وعن تأثير فيروس كورونا على أستراليا والجالية اللبنانية، وعلى نشاط مشروعه الأدبي "أفكار اغترابية"، قال الدويهي إن العالم كلعه تأثر بالفيروس، لكن أستراليا هي من أنجح الدول في حصر هذا الوباء، ولولا بعض الارتفاع في الإصابات في ملبورن، لكانت أستراليا حافظت على الرقم صفر إصابة. وبالنسبة للجالية اللبنانية لم تكن هناك إصابات تذكر في صفوفها. وأضاف: في العمل الثقافي، جمدنا كل نشاطاتنا تقريباً، من مهرجانات وأمسيات، سواء في في سيدني أو في ملبورن، لكن حوّلنا اهتمامنا نحو إصدار مجموعة من الكتب، دفعنا بها إلى المطبعة، فلدينا الآن 7 أو 8 كتب ستصدر تباعاً خلال العام الجاري
وعدد الكتب التي ستصدر هذا العام: "بنفسج ناطر تا ترجع الضحكه" للأديبة مريم رعيدي الدويهي، "هذا الأديب من بلادي - كتبتُ عن جميل الدويهي" للأديبة كلود ناصيف حرب، "عاشقان تحت خيمة ياسمين" للأديبة كلادس القزي، مجلة تتضمّن وقائع الجلسة الحوارية حول كتاب الدويهي الفكري "هكذا حدثتني الروح"، بالإضافة إلى ثلاثة كتب للدويهي: "نقوش على خريف الغربة - شعر فصيح"، "حدثَ في أيام الجوع - رواية"، و"نصوص فلسفية" باللغة الإنكليزية... كما أشار إلى كتاب سيصدر عن مشروع "أفكار اغترابية" في أوائل عام 2021 للأديب سليمان يوسف ابراهيم بعنوان: من سليمان يوسف ابراهيم إلى جميل الدويهي وأفكار اغترابية
وأشار الدويهي إلى أن كثيرين نشروا من خلال "أفكار اغترابية"، البعض ما زالوا معه، والبعض غادروا. وهو لا يلتفت إلى الوراء، وليست عنده تكيّة، ولا يلزم أحداً بالبقاء في مشروعه
وسألت الشاعرة أنطونيوس: لماذا هاجرتَ من لبنان؟ فأجاب الدويهي: غادرت لبنان في ظروف سياسية عام 1988، وكانت الأجواء ضاغطة على كل إنسان يفكر بحرّية أو يقول كلمة حق. إضررنا للهجرة... وكنا نخطط لكي نعود إلى لبنان في غضون بضع سنوات، لكن كما ترين، فالاحوال لم تتحسن. وقد عدتُ مرتين إلى لبنان (1997و2004) ولكن لم أوفق في البقاء، وعدت إلى أستراليا
ووصف الدويهي صعوبات الهجرة، من عذاب وتشرد ومعاناة: لقد تشردنا في خيام الريح، وهم يعيشون في قصورهم وأبراجهم العاجيّة، ويرتدون ربطات العنق، ويسيرون بين الجائعين... لا أعرف كيف يستطيع مسؤول أن يضحك أو يبتسم أو يغني وهو يمشي في جنازة، وكيف يستطيع أن يترفّه وعائلته وحاشيته والناس يموتون على الطرقات في ظواهر غريبة لم نر مثيلاً لها في تاريخ العالم
وأوضح قائلاً: في العديد من مجاعات العالم السابقة كان الناس يهربونن من الموت جوعاً، ويحاولون أن يعثروا على لقمة خبز لكي ينجوا بأنفسهم من الموت، ونحن نقتل أنفسنا لكي لا نجوع... هذا لم يحدث في تاريخ الأمم والشعوب
ورداً على سؤال: هل الناس في أستراليا يستمعون إلى الشعر؟ قال الدويهي إنه يقيم مهرجانات في سيدني يحضرها المئات، وهذا يدل على أن الناس في أستراليا يحترمون الأدب والتراث، وبالأخص أعمالي التي يحبونها، وهذا من فضل ربي
وأشارت الشاعرة أنطونيوس إلى ما نشره الدويهي على صفحته مؤخراً، حيث أثبت 17 نوعاً من أنواع الكتابة التي مارسها، وسألته عن النوع الذي أضاف إليه بصمة خاصة، فأجاب: هذا أصعب سؤال طرح عليّ في حياتي الأدبية، فكأن أحداً يسألني من تحب أكثر من أولادك؟.. أنا أميل إلى الأنواع الأدبية أكثر، ولا أميل إلى كتابة التاريخ والمقالة، والأكاديميا التي أكتبها لأنني أكاديمي... الأنواع الأدبية مثل الشعر، القصة القصيرة، الرواية والفكر تعني لي الكثير
وأوضح الدويهي فكرة وصفها بالغالية على قلبه والثمينة، وهي أنه عندما يثبت هذه الأنواع، فهو يريد أن يقول: هذه أستراليا، البلاد البعيدة، التي لم يكن الناس يعتقدون أن فيها أدباً متنوعاً وفريداً. سيدني تحولت الآن إلى مدينة ثقافية عربية. وأحب أن يعرف النقاد الذين قد يكتبون ويؤرخون هذه الحقيقة، وأن يذكروها في ما يذكرون
ولماذا توقفت عن الكتابة النقدية؟ أوضح الدويهي: انكفأت عن كتابة النقد مثل أغلب النقاد الذين يعرفون النقد. انكفأت لأنني رأيت أن النقد لم يعد نقداً، بل أصبح نقد صداقات، وتبادل مجاملات، والغريب أنني أرى نقاداً يكتبون عن شعر لا يفهمونه. فهم يمدحونه ويشيدون به، وبصاحبه، ولو سألتهم: ماذا فهموا من النص؟ لا يستطيعون الإجابة. ورأيت أيضاً أن البعض يستعين بأصدقائه وأقربائه والذين يزورونه في بيته لكي يكتبوا عنه ويمجدوه، وهم ليسوا نقاداً في الأصل، وهذا ما دفعني إلى ترك الساحة للآخري، وأنا أكمل في مسيرتي الأدبية
وعن دور المرأة في حياته وأدبه، قال إنه كتب الكثير عن المرأة، وتعاطف مع قضاياها، ودعا إلى أن يكون دورها كاملاً في المجتمع، "كتبت كثيراً عن المرأة، خصصاً في أعمالي النثرية والفكرية، حيث دافعت عنها ورفضت التمييز بحقها، وعلى سبيل المثال، كتبت نصاً بعنوان "غبي من يقول إنها كذلك" في كتابي "تأملات من صفاء الروح"، أقول فيه إن المرأة إذا أخطأت يخطئ الرجل معها، فإذا قلتم عنها ذلك تقولونه عن الرجل أيضاً... وهذا منطقي وصحيح
ووصف الدويهي الحبّ بأنه أجمل شيء في الحياة، "هو نغمة سماوية ترقص القلوب لها وتفرح الأوراح، ولولا الحب ماذا كنا سنكتب؟... الحب هو الذي يحرك المشاعر ويجمّل، فتصوّري حياة من غير حبّ... إنها مجرد صراء قاحلة، أو غابة مهجورة من كل شيء، من اللون، والاخضرار والجمال
ورداً على سؤال قال الدويهي: إن في العالم العربي الآن ملايين "الشعراء" وليس الآلاف منهم. لكن الشعراء الشعراء قلائل جداً، وهذا أمر طبيعي يحدث في كل العصور الأدبية
وأثناء اللقاء القى الدويهي عدة قصائد عن الوطن والحبّ، وأشار إلى أن جائزة "أفكار اغترابية" للعام 2021 ستقدم مبدئياً إلى 7 مستحقين، بعضهم مبدعون، والبعض الآخر قدموا خدمات جليلة لنهضة الأدب والثقافة
الأديب اللبناني المغترب د جميل الدويهي شلح من أرز لبنان
بادرو الحجة - سدني
المقدّمة الآنية بصوت الإعلامية الأديبة كلود ناصيف حرب
"برنامج شلوح الارز بيستضيف نُخبه من أبناء الجالية، من كلّ المجالات والاختصاصات، تا يحْكو عن حياتهن وإنجازاتهن، في ديار الاغتراب، وكيف صارو بالأرض البعيده شلوح أرز من هاك الجبال العالية، وسُفرا للبنان وراء البحار
البرنامج استضاف هذا الاسبوع الأديب اللبناني المغترب د. جميل الدويهي وهذه نبذه عن الضيف العزيز
جميل الدويهي من زغرتا – لبنان إلى سيدني – أستراليا، مسيرة عمر. طفولِه كبرتْ وكبر معها الحبر وصار مَساحة كبيره، كتُب... وقناديل مضويّه، ومعابد روح أبوابها مشرّعة للخير والصلا. من شاعر بأنواع سبعة، إلى كاتب قصّة، إلى تأمّلات مفكّر يرتدي عشب الأرض، ومؤرّخ يكتب باللغتين، وباحث أكاديميّ وأستاذ جامعي، وإعلاميّ بارز... قيمة الإنسان عندو هيّي الأساس بكلّ أعمالُه. داعية سلام ومحبّه وتسامح، فتَح معبد روحُه لجميع الشعوب، لأنّو الله واحد والإنسان واحد، والخالق ما بيفرّق بين أولاده
أطلق مشروع أفكار اغترابية للأدب المهجري الراقي، من كمشة حلم، وصار المشروع أكبر من حلم، صار حكاية عابره للحدود والقارّات
هيدا هوّي الأديب الدكتور جميل الدويهي، شِلح من شلوح الأرز، من إهدن القدّيسين والأبطال ورجال الفكر. أخدتُه الريح العنيده عا شطوط ورا البحر البعيد، وهونيك كانت الكلمه، وكان الإبداع، وكان التمرُّد عالألم. وكان عبقري لبِق من بلادي، كل ما ابتعد عن مطارح الولاده، بيكبَر حلم الرجوع، وبتكبر عا باب بيتو وردة الحبر اللي ما بتكسرها العواصف، ولا بيمْحيها خريف
برنامج شلوح الأرز من إعداد وإخراج بادرو الحجّه"
يمكنكم مشاهدة الحلقة كاملة عبر صفحة الموارنة في سدني وموقع لبنان في اوستراليا. على هذا الرابط https://www.facebook.com/bedrohage/videos/1348795121888539/
مقابلة د. جميل الدويهي مع إذاعة إس بي إس
عن - في معبد الروح
وأفكار اغترابيّة
نشر في 4 كانون الثاني 2016
أجرت إذاعة 2000 إف إم- سيدني لقاء إذاعياً مع صاحب كتاب "في معبد الروح" الأديب اللبناني المهجري الدكتور جميل الدويهي. أجرى اللقاء الأستاذ بادرو الحجة بإدارة الدكتور علاء العوادي مدير الإذاعة ومشاركة الزميلة جمانة والأستاذة مريم الدويهي زوجة الأديب اللبناني
استهل اللقاء الدكتور علاء العوادي بالقول: شهادتي مجروحة بالأديب جميل الدويهي الذي يسمونه على نطاق واسع بشاعر التأمل والحرّيّة، وهذه القامة الأدبية غنيّة عن التعريف، وقد شرّفنا بحضوره في استوديوهات 2000 إف إم. والدكتور الدويهي هو من القُدامى في هذه الإذاعة، منذ أيام الأستاذ نبيل طنوس -رحمه الله. واليوم سنلقي الضوء على كتاب الدويهي الجميل - في معبد الروح
وأعطى الدكتور العوادي الميكروفون إلى الزميل بادرو الحجه الذي قال في مقدمته
عيديّة كبيرة، مع أديب، شاعر، صحافي و إعلامي كبير من أبناء الجالية
من عائلة لبنانية- زغرتاوية عريقة أعطت لبنان والعالم رجال دين، فكر وأدب حيث تركت بصمة بيضاء في عالمنا هذا
إنه الدكتور جميل الدويهي الذي نحاوره اليوم حول موسوعته الأدبية الرائعة، وندخل معه في هذه الأعياد المجيدة معبده الخاص ونجول معه في ٣٧ محطة من دستوره وشريعته التي تقمّص من خلالها شخصية الكاهن ومرشد للسلام والمحبة
أستاذ جامعي عاصر الكبار وانتقد البعض منهم، ذاق طعم الاغتراب والحرمان وابتعد عن وطن الارز ونبع مار سركيس ومعبد يوسف بك كرم - أهدن، لكنّ سيدة زغرتا رافقته في كل خطواته الناجحة في الاغتراب
مؤخراً أحدث تظاهرة فنّية وأدبية في الجالية حيث وقّع وأهدى لأبناء الجالية أربعة كتب شعرية وأدبية وتاريخية بينها رائعته في معبد الروح
الإذاعة العربية 2000 إف إم تستقبل اليوم من ترك بصمته الأدبية والاعلامية في أرجائها
نرحب بمدير تحرير جريدة "المستقبل" الاسترالية وصاحب موقع "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الدكتور جميل الدويهي
جميل: أهلاً وسهلاً ومرحباً بك، شكراً على هذه المقدمة الجميلة، شكراً دكتور علاء العوادي والأستاذة جمانة، أشكر هذه الإذاعة وأتمنى لها دوام التوفيق، وإن شاء الله تبقون في هذا النجاخ دائماً. وهذه الإذاعة تشعرنا بالحنين والشجن لأنّنا نحن من المؤسّسين الوائل لها مع الراحل الكبير الأستاذ نبيل طنوس. إن شاء الله تكون نفسه في السماء ونتذكره دائماً بالخير. أستاذ بدرو أنا ممتنّ لك على هذه المبادرة اللطيفة، وأهنئك بإطلالاتك الإعلامية المميزة، وأهنئ الجالية بالأعياد المباركة، وأتمنى أن تعود على الجميع بالخير والسعادة دائماً
بادرو: أرحب أيضاً بالسيدة مريم الدويهي. وراء كل رجل عظيم امرأة. وهي مثقفة وأديبة. وأعيّد عائلتكم الصغيرة والكبيرة من أبناء الجالية
جميل: نحن العظمة ليست لنا. نحن أناس التواضع والمحبّة والفكر. وكلّ شيء نفعله هو من فضل الله تعالى الذي أعطانا. في كل إبداعاتنا نحن منتحلو صفة، لأنّ الصفات الجميلة والعظمة هي ملك لله تعالى
بادرو:أريد أن أدخل معك إلى معبدك الخاص "في معبد الروح"، في فترة الأعياد بالذات، وقد تعمّقت في قراءة هذا المعبد، وكم نحن في حاجة في هذا العصر إلى أن نأخذ العبَر من الكتاب. 37 محطّة تقمّصتَ فيها دور الكاهن. بشّرت بالخير في هذه الظروف الصعبة التي نمرّ بها. 37 محطّة أعتبرُها دستوراً لو سار الجميع بحسب دعوته نصل إلى الكمال
جميل: يا ليتنا نستلهم من الكتاب وممّا جاء به المفكرون والكتاب العظام الذين مروا في العالم. من أول التاريخ دعا الفلاسفة والمفكرون إلى الخير والمحبة والسلام، لكن للأسف العالم اليوم يتخبط في دمار ومشكلات كبرى. وقد حاولت أن أضع من خلال الكتاب حجراً صغيرً في بناء المجتمع، فليتنا نقرأ ونصغي إلى ما ورد في الكتاب, فلو طبّقنا فعلاً الأفكار الواردة فيه لكنّا ابتعدنا عن كثير من المشكلات
بادرو:37 محطة في 100 صفحة. إذا بدأت بقراءة الصفحة الأولى لا تستطيع أن تتوقف عن القراءة حتى آخر الكتاب. وكلّما قرأتَ نفذتَ أكثر إلى الأعماق والأبعاد. سؤالي: بعد هذه الموسوعة الأدبية الرئعة أليست عندك مسؤولية كبيرة في نشر كتاب آخر؟
جميل: طبعاً. كنت أقول دائماً إنّ "في معبد الروح" يخيفني، لأنني أعتبره من أهمّ أعمالي، وقد سميته على موقعي للأدب الراقي "أفكار اغترابية": "رائعة جميل الدويهي"، وهناك من يقولون: لماذا يسمّي كتابه رائعة؟ لي الحقّ في أن أقول إنه رائعة لأنّه أهمّ عمل عندي. هو رائعة أعمالي، ولم أقصد بكلمة "رائعة" أنه أفضل من كتب الآخرين
بادرو: أنت تتعرّض لكثير من الحملات الإعلامية. الشجرة المثمرة تتعرض دائماً للرشق بالحجارة
جميل: للأسف، للأسف، للأسف، للأسف... هذا هو الواقع المرير الذي نعيشه كل يوم، ونتعذّب من أجله. بدلاً من أن يبارك بعض الناس الأعمال الجيّدة، ويقدّرون الكاتب الذي سهر وتعب وأبدع، تظهر بين الفينة والأخرى فقاقيع صابون في المجتمع. أحد الأشخاص يروّج أنّ "في معبد الروح" فيه اقتباس. "أضحك من هَيك ما بقا يصير". الكتاب كتبته بطريقة الاسترسال الشعري، ولم يكن لديّ مصادر ومراجع. وليست هناك جملة يمكن أن يقول أحد إنني أخذتها عن أحد، إلاّ إذا كانت في معرض الردّ على الفلاسفة والمفكرين. مثلاً إذا كنت أرد على جبران أو غوته أو نيتشه، فمن الطبيعي أن أذكر ماذا قالوا لكي أمهّد لما أريد أن أقوله. وهذا ليس اقتباساً. وفي كتابي ناقشت العديد من الفلاسفة والمفكرين. وأحب هنا أن أوضح قضية مهمّة جداً وهي أن جبران خليل جبران اقتبس. وفي كتابه "النبي" كثير من الاقتباسات عن كتاب الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه "هكذا تكلّم زرادشت"، وعندي بحث أكاديمي منشور على موقعي للأدب المهجري الراقي "أفكار اغترابية" عن اقتباسات جبران الفكرية. كما أحبّ أن أذكر لك معلومة قد تكون تُنشر لأول مرة، وهي أن جبران خليل جبران كتب أقصوصة عن مدينة فيها بئر، وتأتي ساحرة في الليل فتلقي قطرات من سائل غريب في تلك البئر، وعندما يشرب أهل المدينة من البئر يصبحون مجانين، أما الملك والوزير فلم يشربا من البئر فظلاّ عاقلين، فتظاهر الناس معتبرين أن الملك ووزيره مجنونان، فاضطر الاثنان أن يشربا من البئر، فرضي الناس وقالوا: عاد ملكنا ووزيره إلى الصواب. هذه القصة مأخوذة عن أسطورة قديمة قد تكون من التيبت على الأرجح، وقد كتبها أيضاً توفيق الحكيم في مسرحيته الشهيرة "نهر الجنون" كما كتبها الأديب العالمي باولو كويلو في روايته "فيرونيكا تقرّر أن تموت"... ثمّ نحن نتذكر المذهب الكلاسيكي حيث كان الاقتباس من أسس المذهب وكانت الأكاديمية الفرنسية تراقب أعمال الكتّاب، وتفرض عليهم أن يأخذوا نصوصاً من الميثولوجيا اليونانية أو الرومانية أو الفينيبية ويعيدوا صياغتها، وقد خالف بيار كورناي بعض الأسس الكلاسيكية وأدخل على مسرحيته "السيد" إبداعات جديدة، فتعرض لانتقادات شديدة. وصلاح لبكي اقتبس في كتابه "من أعماق الجبل" أقصوصة كاملة من غير أن يغيّر حرفاً واحداً فيها، عن راباندرانات طاغور، هي قصة "طليق وسجين"، نقلها لبكي بالترجمة إلى العربية... فلماذا يا أهل الخير تتضايقون من "اقتباسي" وأنا لم أقتبس أصلاً. (الغريب أنّ بعض الناس يصوّبون على الكتاب وهم لم يقرأوه، ولم يعرفوا ماذا في داخله)
جمانة: الكتاب "في معبد الروح" جميل فعلاً
جميل: ثم يأتيك واحد ويقول: أنت مخطئ. حسناً، ناقشني في هذا الخطأ. 30 أو 40 أستاذ جامعة قرأوا كتاب "في معبد الروح" وهو منشور على موقع الأدب المهجري الراقي "أفكار اغترابية"، لم يقل أحد لي أنت مخطئ في أي مكان، لأنّ ما أطرحه هو أفكار وآراء أؤمن بها
جمانة: طبيعي أن يكون هناك واحد أو اثنان ينتقدان، وتكون أنت واثقاً مئة في المئة من أنّ ما كتبته صحيح
جميل: طبعاً، ذا قال أحدهم أنت مخطئ في القواعد واللغة أو قلت إن الشمس تشرق من الغرب أو جعلت الصحراء العربية في المحيط المتجمد الجنوبي، فأنا لا أعتب، بل أعتذر، ولكن لا يستطيع أحد أن يعترض على كلام مثل هذا يُقال لأول مرة في التاريخ: "قد تظنون أن الفصول أربعة ولكنها في الحقيقة فصل واحد يرتدي ثياباً مختلفة". هذا رأيي
بادرو: المشكلة الكبيرة التي نعاني منها هي أنّ الإنسان الناجح يُحارب دائماً. أريد أن أخوض معك في موضوع حسّاس جداً. الوصية عن السلام التي أوصيت بها في العظة الخيرة. نحن على أبواب سنة جديدة، ونأمل أن يعمّ السلام وطننا الذي تهجرنا منه، فالسلام له شأن كبير عندنا
جميل: بالطبع. لقد بدأت الكتاب بالسلام وأنهيته بالسلام، وهنا أريد أن أشير إلى أن 10 آلاف مفكر قبلي تحدثوا عن السلام، فهل ممنوع أن أتحدث أنا عنه؟ وإذا كان 10 آلاف فيلسوف تحدثوا عن المحبّة والخير والأخلاق ، فهل يحظر عليّ الخوض في هذه المواضيع بلغتي الخاصة ومقاربتي الشخصية؟ وهل علينا أن نضع المواضيع في ثلاجة ونقفل عليها ونمنع الناس من أن يخوضوا فيها؟
جمانة: بالطبع لا. كل إنسان له رأيه ورؤيته الخاصة
جميل: أنا لا أوافق كثيرين من المفكرين على آرائهم، ومن بينهم جبران خليل جبران في مواضيع التقمص 7 مرات، والحلولية، والخير والشرّ، ولكني أحترم آراءه، فهو عنده وجهة نظر وأنا لديّ وجهة نظر. ثمّ هناك في كتابي مواضيع كثيرة جديدة يمكن التركيز عليها بدلاً من اختراع سلبيات، فعن الزمن أقول: "لا تنتظروا من الزمن أن يسير معكم إلى الأمام، بل الأجدى أن تسيروا معه راضين، ولا تنظروا وراءكم، لأنكم منذ الولادة تسيرون إلى الوراء"، وعندما يأتي إليّ الناس ويشتكون من غضب البحر والعناصر أقول لهم: أحبّوا الزهرة وأحبوا الأشواك... أمّا عن مناقضة العِلم فإنّ الناس جميعاً يعتقدون أنّ الكون ناشئ من تراب وهواء ونار وماء، وفي كتابي أقول: "ما أدراكم ماذا يوجد في المكان الذي لا تصل إليه عقولكم وأفئدتكم؟". في رأيي قد تكون في الكون موادّ لا نعرفها، فنحن نعرف ماذا يوجد على الأرض وفي الكواكب التي اكتشفناها، ولا نعرف ماذا يوجد في الفضاء الخارجي وماذا وراء الكون ووراء الأبعاد. وفي كتابي قسّمت الخير إلى 3 مراتب، في تجديد لرؤية الخير: إذا أطعمتُم من طعامكم إنساناً جائعاً تكونون خيّرين في عيون الله، أمّا إذا أعطيتم الآخرين قبل أن تأكلوا فتكونون أفضل من الخيّرين، وإذا كنتم جائعين وطرق على بابكم جائع فأطعمتموه ولم تأكلوا أنتم، فإنّكم إذّاك أفضل من أفضل الخيّرين
بادرو: هل تقرأ لنا وصيّتك عن السلام؟
جميل: فاصنعوا سلاماً يا إخوتي، وليكن سلاماً يدوم لأبنائكم وأحفادكم، وازرعوا في كل حقل شجرة سلام، وأضيئوا في كل بيت شمعة للسلام، وصلّوا صلاة المجد لإله السلام، وإذا سمعتم ذات يوم إله الحرب يصرخ إليكم، فاخرجوا إليه حفاةً عُراة، واطردوه من بينكم، وإذا رفض الرحيل، فاطرحوه أرضاً وعفّروا وجهه بالتراب، واقطعوا لسانه لكي لا يبقى له صوت، ولن تكون لي في ما تبقى من حياة غبطة أكبر من غبطتي بإله السلام الذي يعيش معكم ولن يخرج من بينكم بعد الآن
بادرو:هاجرتَ كثيراً، لكنّ الوطن يبقى معك وفي كتاباتك، ولم تغب عنه ولا لحظة. أنت تتقمّص الكاهن القروي، وتخيّلتك في زغرتا أو إهدن، وكنت تقدّم هذه العظات من هناك
جميل: طبعاً الهجرة صارت جزءاً من حياتنا، وأنا أكتب عن الهجرة، ولكن بأفكار أعمق من معنى الرحيل والانتقال من مكان إلى آخر. قلتُ في عظة الهجرة ما معناه أنّكم إذا ذهبتم إلى بلد فاحترموا أهله وقوانينه ونظامه، ولا تنشئوا أنظمة خاصة بكم، وإذا مررتم بالقرب من مقبرة فصلّوا على الأموات وإن كنتم لا تعرفونهم، ولا تسألوا: مَن هم؟ وما هي دياناتهم؟... إذن تحدثت عن الهجرة في معنى أعمق من معناها العادي
بادرو:تحدثت كثيراً عن المسامحة، ونحن في عصر نحتاج فيه إلى هذه القيمة
جميل: المسامحة قيمة مهمّة. سمّيتها قنديل المعرفة
بادرو: لنتحدّث قليلاً في الماورائيات. هل غاص الدكتور جميل الدويهي في الماورائيات كما غاص فيها جبران خليل جبران، واكتشف جزءاً يسيراً من خفايا الكون؟ وماذا وراء الرحيل؟ وهل يحقّ لنا أن نبحث في الماورائيات؟
جميل: بالتأكيد يحقّ لنا، ولا شيء يمنعنا عن ذلك. لكن لكلّ إنسان أسلوبه, الفكر مفتوح والله أعطانا الحرية لكي نفكر ولا ننغلق. بالعكس، إذا انغلف الإنسان ولم يفكّر يضيع ويتوه. وإذا فكّر بطريقة عقلانية يهتدي. أعطيك مثلاً: إذا قلت لي إن عقلي لا يحتمل وجود الله، أستغرب منك، لأنّ العقل لا يحتمل فكرة عدم وجود الله. لا يمكن في نظري أن يكون هناك شيء غير مولود. فولتير نظر إلى الساعة المعلّقة في صدره وقال: "لا أعتقد أنّ هذه الساعة قد وُجد ت من غير صانع صنعها"، فكيف لهذا الكون الغريب والعجيب والمركّب والمعقّد أكثر من الساعة ببلايين المرّات أن يكون قد صُنع من غير صانع؟ هذه طريقتي واعتقادي، وقد يأتي إليّ إنسان ملحد ويقول لي: أنت مخطئ، فأصحّح له وأقول: لك رأيك ولي رأيي
بادرو: بعد الغوص في الماورائيات، إلى ماذا توصّلت؟
جميل: توصّلت إلى أنّ الله موجود. كتبت في كتابي "في معبد الروح" أنّك تجده في كلّ ما حولك. أنظر إلى نفسك، إلى ما يحيط بك. إلى فكرك وروحك، إلى السماء والكواكب، إلى الوردة والبحر... وكلّ ما تراه أمامك
بادرو: هل تؤمن بالتقمّص مثل جبران خليل جبران؟
جميل: جبران آمن بالتقمص 7 مرات. هو حدّد العدد. وفي أوّل نص من كتاب "المجنون" بعنوان "كيف صرت مجنوناً"، يأتي السارق (ملاك الموت) ويأخذ عن الحائط الأقنعة السبعة التي تقنّع بها جبران في حيواته السبع، فيركض في الشوارع صائحاً: اللصوص الملاعين سرقوا أقنعتي. فيهرب الناس منه في كلّ اتجاه. وكان هناك فتى على سطح منزله يقول: أنظروا أيها الناس، هذا (جبران) مجنون، فنظر جبرن إلى الفتى ورأى الشمس، فلم يعد في حاجة إلى أقنعته. الشمس هي رمز الإله، وجبران رأى الإله فلم يعد يحتاج إلى الأقنعة. هذه هي الحلوليّة التي لا أؤمن بها أيضاً. أرفض أن يكون الإنسان هو الله والله هو الإنسان. فلو عاش الإنسان 10 ملايين مرة لا يستطيع أن يكون هو الله، فالخطيئة تبقى في الإنسان والله لا يخطأ
بادرو: هل تشعر بأنّك تتعب في إيصال أفكارك؟ وهل الجميع يفهمونك؟
جميل: هناك الكثيرون فهموا "في معبد الروح”. وهناك أناس قالوا إنني فيلسوف وأنا لست فيلسوفاً، ولكنهم فعلوا هذا من حبتهم وعاطفتهم، الكتاب فيه فلسفة، وفيه أفكار فلسفية، وأناقش فيه بعض الفلاسفة، وأتفلسف أيضاً، ولكن لا أسمّي نفسي فيلسوفاً. الدكتور ناجي نصر وضع كتاباً بعنوان "سعيد عقل فيلسوفاً"، وجبران سمّي بالفيلسوف، وأمين الريحلاني كان يُلقب بفيلسوف الفريكة، ولكنّ هؤلاء مفكرون
بادرو: أبرأيك ليس هناك فلاسفة؟
جميل: الحكم على الفلسفة يأتي فيما بعد. نحن لا نحكم على أنفسنا. لكن اسمح لي أن أقول إنه لأمر معيب أن يغضب البعض إذا سمعوا أحدهم يطلق عليّ لقب فيلسوف. أو كما سمّتني الأستاذة ليندا اللقيس غصن "نابغة العصر"، وأن تقوم القيامة من جراء ذلك. يعني إذا قال لي أحدهم: صباح الخير، أو كيف حالك؟ أو أنت شاب وسيم، أو أنت فعلت شيئاً جيداً، أو إذا حصلت على كأس فضية، أو فزت في الرياضة... فماذا يغيظ بعض الناس؟ ولماذا يتدخلون في موضوع فتنة؟ ولماذا يتصلون هاتفياً بأصحاب الرأي ليمنعوهم، ويسألونهم: لماذا قلتم ذلك "يللي ما بْتعرفو وما بتفهمو الفلسفة؟"... يا أخي المتصل أنتَ من أساء إليك؟ ومن تعاطى في شؤونك؟
بادرو: هذه هي الغيرة
جمانة: طبعاً هذه الغيرة بعينها
جميل: اسمحوا لي فقط أن أستغرب
بادرو: هناك كثيرون من الناس عندما علموا بأننا سنستضيفك في هذه الحلقة المميزة، أظهروا أنهم يحبونك في لبنان وأستراليا، ووقفوا معك في وجه تلك الحملة التي تعرّضت لها مؤخراً، وهم شبهوا "في معبد الروح" بكتب عظيمة مثل كتاب "النبي"، وكتب أخرى هي دساتير للعالم. أنا أعتبر "في معبد الروح" كتاباً كبيراً ومميزاً شاء من شاء وأبى من أبى
جميل: لقد برهنَ الناس عن محبتهم لي وبرهنتُ أنّني لا أيأس في أمسيتي، مهرجان الأدب المهجري الراقي. كانت الأمسية حاشدة بشكل كبير وجديد
بادرو: كنّا موجودين نحن فيها
جميل: الشهود موجودون ولا أحد يوقف الإبداع. ألقيت في المهرجان 5 أنواع من الشعر من أصل سبعة أنواع أكتبها، وكنت أشرح للجمهور طريقة كل نوع. وكان البرنامج الفني والأدبي مميّزاً إلى أبعد الحدود. ويهمني أن أذكر هنا إ أن الكثيرين كتبوا عن "في معبد الروح" وسيصدر كتاب بعنوان "كتبوا عن في معبد الروح" وستكون هذه المقابلة جزءاً من الكتاب. وقبل أن أنسى اسمحوا لي أن أشكر جميع الناس وجميع المحبين. هؤلاء نحيا بهم ومعهم. لو كنت أديباً أو مسرحياً أو مغنياً وليس عندي جمهور فلا أعني شيئاً. الناس هم الذين يخلقون الأديب والمفكر والفنان خلقاً ثانياً، وإلا فسنضطر إلى أن نجلس في الغرفة ونقفل الباب علينا ونتحدث إلى أنفسنا. أما الذين يثيرون فقاقيع الصابون، فهؤلاء ينضحون بما فيهم، وسيذكرهم التاريخ ذات يوم
علاء: طبعاً هي ضريبة النجاج دكتور. هذه قضية معروفة
جميل: صدقني، لن أترك شاردة وواردة إلا وسأسجّلها ليكون الناس على علم. فالعدل يجب أن يسود، وإذا لم نسعَ نحن لإحلال العدل فالباطل سينتصر، ولن ندع الباطل ينتصر علينا
بادرو: حققت ظاهرة أدبية وفكرية في "سيدة لبنان" عندما وقعت 4 كتب وأهديتها مجاناً إلى الناس. كان هناك عرس أدبي وشعري. وكانت الصالة مليئة بشكل كامل. ونحن شهود أنا والدكتور علاء العوادي
جميل: أشكر حضوركم وكنتم نوراً على نور. وإن شاء الله في الأمسية المقبلة سنأخذ معنا كل هذه الإذاعة إلى الحفل... كانت أمسية مميزة جداً وكان قلبي مليئاً بالفرح. وأحب أن أوجه تحية أيضاً إلى جميع من ساعدوني أو عرضوا علي المساعدة، وبالأخص الأستاذ جوزيف خوري رئيس تحرير جريدة "المستقبل" الذي كان راعياً للحفل ووضع كل إمكاناته لإنجاح المهرجان. وأشكر جمعية بطل لبنان يوسف بك كرم الزغرتاوية الذين وضعوا إمكاناتهم بتصرفي وجميع الأحزاب والروابط والجمعيات والمطربين: السيدة أنطوانيت الدويهي، الأستاذ طوني يونس، الأستاذ جان خليل، الأستاذ ألكس حدشيتي والمتكلمين جميعاً ومقدّمة الحفل الأستاذة كلود ناصيف حرب
د. علاء: وراء كل رجل عظيم امرأة. فالسيدة مريم الدويهي لها دور كبير في مسيرة زوجها الأدبية
مريم: نحن نشكركم كثيراً على هذه الشهادة الجميلة. وجودكم دائماً معنا وإعلامكم هو الذي يكمل مسيرة الشاعر ونجاحه. إن شاء الله تبقون على نجاحكم وتألقكم، وفي الأيام المقبلة سنقوم بنشاطات أخرى ويكون لكم وجود فيها تعتز به
د. علاء: نحن على قناعة سيّدتي بأنّ لك دوراً كبيراً
مريم: نحن ما فعلنا أكثر من قدرتنا. ونحاول أن نضيء شمعة في هذا المغترب. وكلّ خطوة للنجاح أو أمر إيجابي يكون الله راضياً عنه، ويضع البركة فيه
بادرو: حضرتك شمعة أيضاً في الجالية لأنّك أعطيت الإلهام للدكتور جميل لكي يكتب هذه الموسوعة. بالطبع عندما كان يكتبها كان يطلعك على 37 محطّة. أيّ محطّة استوقفتك أكثر؟
مريم: بصراحة، كل موضوع يعالجه في الكتاب له وقعه واهميته وطعمه. لا أستطيع أن أفضل عظة عن الأخرى. أحب هنا أن أقول إن جميل عنده الاجتهاد دائماً وهو لا يكلّ ولا يملّ عن العطاء. ليس عنده وقت للراحة، ودائماً لديه شيء ليفعله. يخلق شيئاً من اللاشيء، ولا يحبّ أن يضيّع دقيقة هباء في حياته. وفي النهاية الله هو الملهم ونحن أداة نكمل هذه الرسالة
علاء: لكن هذا شيء يتعبك. أليس كذلك؟
مريم: هذا شيء يتعب بالطبع، ولكن بالنتيجة هو عطاء لأجيال وأجيال وينفع البشرية، ولو كان على حساب صحّة جميل ونفسه. هو يتعب بفرح
جميل: شكراً لكِ مريم وأنا أعتزّ بك
مريم: هذه الإذاعة تعزّ علينا كثيراً، وكان جميل يعدّ ويقدم فيها العديد من البرامج، وكان نصيبي منها برنامج "دنيا العلوم" الذي كنت أقرأه من وراء هذا الميكروفون
جميل: اسمحوا لي أن أوجّه تحية إلى السيدة زوجتي على نضالها معي في الحياة وتعاوننا دائماً، وعلى النور الذي وضعته في حياتي، ومهما حاولت أن أعبّر عن أهمية هذا النور فلا أستطيع أن أفيها حقّها عليّ. وأوجه تحية لابنتيّ ربى وليال على مساعدتهما، وإلى كلّ المحبّين في الجالية وخارج الجالية. ولديّ بشرى مهمة وهي أن موقع الأدب المهجريّ الراقي "أفكار اغترابية" تخطّى 18 مليون موقع حول العالم ليكون في السبعة أو الثمانية ملايين الأولى، وهذا الإنجاز أمر مهمّ لي. وأوجّه دعوة لكلّ أديب، شاعر أو مفكّر يريد أن ينشر أعماله لتكون في متناول أكبر عدد من القراء حول العالم . والبشرى الثانية هي أن 4 كتب ستصدر لي في أواخر عام 2016، من بينها "في معبد الروح 2"، و"في معبد الروح" بالإنكليزية، وسأرسل قريباً جداً إلى المطبعة كتاب "حاولت أن أتبع التهر... النهر لا يذهب إلى مكان" وهو كتاب شعري – نثري في أسلوب حداثيّ أنشر منه للمرة الأولى. وهكذا في كل عام سأقدم -إن شاء الله- كمية من الكتب على مستوى عال من النوعية
علاء: نريد أن تعدنا دكتور جميل بلقاء آخر مطوّل وشرف لنا أن تحضر إلى إذاعتنا
جميل: شكراً لكم. وإن شاء الله ستكون لنا لقاءات أخرى
مقابلة الأديب جميل الدويهي مع الإعلامي صالح السقاف من إذاعة إس بي إس
نشر 20 تشرين الأول 2015
أجرى الإعلامي من إذاعة "إس بي إس" الأستاذ صالح السقاف مقابلة مع الأديب والشاعر اللبناني المهجري الدكتور جميل الدويهي، قبيل مهرجان الأب المهجري "أمسية لا تفكري صار الهوى ذكرى"، تناولت العديد من المواضيع الأدبية والفكرية، فأكد الدويهي في مستهل اللقاء وفي موضوع "الأدب المهجري الراقي" أن الرقي هو من أهداف الإنسان الطموح الذي يحب العمل الجيد والمتقن. "وشخصياً أحذت شعاراً في موقعي "أفكار اغترابية" "لأدب مهجري راق" لأضع هدفاً أمامي وهو توصيل الكلمة الراقية والنبيلة التي تعبر عن الإنسان والإنسانية، وسأحاول كل جهدي لأصل إلى أدب إنساني فاعل ومميز، ليس بمفردي، فلكل إنسان الحق أن يضع هدفاً أمامه ويعمل من أجله. وشعاري "لأدب مهجري راق" سأعيش من أجل تحقيقه وسأبذل كل جهدي للوصول إليه
وسأل الأستاذ السقاف عن تسمية "أفكار اغترابية" فقال الدويهي إن العنوان ينطلق من لفظتين: الأولى هي الفكر، فالفكر أهم من الأدب، وهناك فرق كبير بين أديب ومفكر. سقراط وأرسطو وأفلاطون وغوته وجبران والريحاني ونعيمه كانوا مفكرين. وأنا أحب الفكر كثيراً وأسعى في أعمالي الآن وفي المستقبل لأن أطلق فكرة جميل الدويهي، بكل تواضع، وهي فكرة إنسانية تبحث عن إنسان جديد، عن العدالة في المجتمع والمحبة والخير والسلام، والذين قرأوا كتابي "في معبد الروح" يعرفون ماذا أعني في كلامي، وبعد "في معبد الروح" هناك "في معبد الروح -2" بعنوان آخر. اللفظة الثانية هي لفظة اغترابية، فهذا يتعلق من أننا أهل الاغتراب، وصرنا مهجرين أكثر من مرة من بلادنا، وتسعون في المئة من أبناء الجاليات في العالم هم مهجرون وليسوا مهاجرين، هذا الاغتراب له حق علينا أن نوصل صوته وكلمته وأن نكون سفراء ورسلاً له، وأنا لا أفصل بين الوطن والأغتراب، فالوطن يعيش في قلوبنا، ونحن متعلقون بالوطن، ولكن لأننا نعيش في بيئة جغرافية محددة بعيدة عن الوطن استخدمتُ لفظة "اغترابية"، وهي لا تُفسد للود قضية
وأشار الدويهي إلى أن موقعه "أفكار اغترابية" لا يعني أن الأعمال التي تنشر عليه هي فقط لأقلام مغتربين، فهناك من يرسلون مواد إلى الموقع من لبنان ودول أخرى، وهي تنشر أيضاً
وسأل الأستاذ السقاف عن مجموعة "لا تفكري صار الهوى ذكرى"، هل هي قصائد جديدة أم نشرت من قبل؟ فأجاب الدويهي: إن بعض القصائدد نشرت من قبل في صحف وعلى مواقع إلكترونية، والكتاب هو واحد من أربعة كتب ستقدم هدايا في الأمسية، ولكن الأمسية باسم "لا تفكري صار الهوى ذكرى" باعتبار أنه آخر كتاب صدر للدويهي
وسأل السقاف عن التناقض في مواضيع الغزل عند الدويهي، فتارة هو يقول للمرأة
يوم وحيد لن أحبّك بعده حتى تزول الأرض أو تقع السما
ومرة يقول لها
فيروز غنت لي قمر من مشغره وحدّ القمر ممنوع إنِّك توقَفي...
فأشار الدويهي إلى أن التناقض ناتج عن الظروف وتغيّر الزمن والمواقف المختلفة، قد تقع حادثة أو مشكلة أو يكون هناك موضوع مختلف عن الآخر. ونحن ننوّع دائماً. يسألني الناس دائماً: هل كل هذه القصائد حقيقية، فأجيب: نحن نخترع ونؤلف ونتخيل أننا في مواقف معينة، فنكتب عنها، وأحياناً نصدق
وقال الدويهي: كل شعر كتبته في حياتي هناك شعراء كتبوه ولا أدعي الريادة ولا أنني أول من كتب. كتبت القصيدة التقليدية العمودية، وقصيدة التفعيلة، والقصيدة المدورة الفصيحة، وقصيدة الزجل، وقصيدة الشعر المنثور، وأطلقت مؤخراً نوعاً سادساً في أستراليا هو القصيدة المدورة العامية. وسيستمع الناس في أمسيتي إلى هذه الأنواع الستة. أما أن أقول إن قصيدة النثر مثلاً أنا أبدعتها فهذا غير صحيح لأن الكثيرين كتبوها، وأنا أكمل الطريق، أما النوع السادس الذي هو القصيدة المدورة العامية فأعتقد أنني أول من أطلقه في أستراليا
وعلق السقاف قائلاً: إنه مصدر للفخر في بلاد الاغتراب أن يكون الشاعر جميل الدويهي هو أول من أطلق القصيدة المدورة العامية، ولكن أين تجد نفسك في الأنواع الستة؟" فأجاب الدويهي إنه لا يعرف أين يقع بين الأنواع الستة، فهو أحياناً يختار النوع الذي يكتبه عشوائياً، ولا يخطط عندما يذهب إلى الكتابة بخصوص النوع الذي يختاره، ولفت إلى أنه كتب الرواية، وستطلق رواية "طائر الهامة" التي كتب عنها الكثير في الأمسية، وكتبَ القصة القصيرة، وكتاب "في معبد الروح" هو كتاب فكري، كما له كتابان بالانكليزية، "وكل مرة أكتب بها لا أعرف مسبقاً ماذا أريد أن أكتب
وقال الدويهي إن لديه حوالي 26 كتاباً. والكتب الأربعة التي سيقدمها هدايا في الأمسة هي "لا تفكري صار الهوى ذكرى"، و "طائر الهامة" وهي رواية إنسانية كتب عنها الكثير ولم يكتب عنها الكثير، وكتاب "في معبد الروح" الذي كتب عنه الكثير أيضاً ولم يُكتب عنه الكثير، وكتاب عن تاريخ إهدن باللغة الإنكليزية (أشهر المعارك الإهدنية في التاريخ)، وإهدن هي مدينتي التي أعتز بها وبتاريخها . وكل من يحضر الأمسية في 23 تشرين الأول سيختار الكتاب الذي يريده كهدية من غير مقابل موقّعاً مني ويأخذه إلى بيته
وأشاد السقاف بهذه الفكرة الجديدة التي لم نرها من قبل. وقد يكون الهدف منها تشجيع الناس على القراءة. فأجاب الدويهي: طبعاً هذا من أهمّ الأهداف التي وضعتها نصب عيني، والهدف الثاني هو الترويج للأدب المهجري الراقي النبيل الذي يعبر عن الإنسان والأفكار الإنسانية. في كل أدبي لا تجد كلمة نابية، ولا كلمة متهتكة ولا كلمة خليعة، والحمد لله، وعندما أتغزل أتغزل بشفافية، وعندما أتحدث عن المرأة تكون الكلمات لطيفة غير جارحة لمشاعر المرأة لأن المرأة مقدّسة ولا أمسها بأي تجريح أو خدش أو أي انتقاص لكرامتها. نحن نسعى لأدب مهجري راقٍ، وأنا أدعو الناس لحضور الأمسية، والحصول على الكتب مجاناً ليحصلوا على زاد من الأدب المهجري الراقي
وأشار الدويهي إلى البرنامج الفني في الأمسية حيث ستُغني مطربة مهرجانات إهدن السيدة أنطوانيت الدويهي، والأستاذ الفنان طوني يونس، والأستاذ الفنان جان خليل، من كلمات الدويهي، مع موسيقى صديق الروح الموسيقي ألكس حدشيتي، وستكون هناك كلمات قصيرة جداً (الكلمة لا تتعدى دقيقتين) بتقديم من الإعلامية المميزة الأستاذة كلود ناصيف حرب
وسأل الأستاذ السقاف عن الكتاب الأفضل بين كتب الدويهي الستة والعشرين، فقال: الكتاب الأول الذي اعتبره أفضل كتبي الشعرية هو "وقلت أحبك" لأنه شعر معذِّب، هو الشعر المدور الفصيح الذي يجري كما تجري القصة، على سطر واحد، لكن على تفعيلة ووزن واحد. وفي النثر قال الدويهي إن أفضل كتبه هو "في معبد الروح" الذي لم يأخذ حقه كما يجب ولكنه، من أفضل الكتب التي أصدرتها في حياتي وسأصدره باللغة الإنكليزية إلى جانب اللغة العربية
وعن الحركة الأدبية قال الدويهي إنها حركة ممتازة ورائعة وجميلة. وأنا أشدّ على يد كل إنسان يكتب كلمة أو سطراً أو قصيدة، وكل الناس أحباء لنا، يعطيكن العافية ونحن جميعاً نكمل بعضنا
وفي الختام شكر الدويهي إذاعة "إس بي إس" والأستاذ صالح السقاف الذي جاء من مكان بعيد لكي يجري هذه المقابلة: وأرجو من الله أن يقدّرني لأردّ لك الجميل، ولكن أنت أخ وصديق بالروح وأرجو لك التوفيق والنجاح في حياتك وفي جميع أعمالك
مقابلة مع الإعلامية نادين شعار من إذاعة صوت الفرح
أجرت الإعلامية المميزة الأستاذة نادين شعار ، وعبر إذاعتها المميزة "صوت الفرح"، لقاء إذاعياً شاملاً مع الأديب والشاعر والمفكر والأكاديمي والإعلامي المهجري د. جميل ميلاد الدويهي، تناول حصاد العام الماضي، ومختلف النشاطات التي يقوم بها الدويهي حالياً على المستوى الثقافي من ضمن مشروعه للأدب المهجري الراقي. وقدّمت الأستاذة نادين الدويهي بالقول:
لقاؤنا هو لقاء عزيز ننتظره منذ مدة. لقاء مع شخصيّة رائعة ومميزة بين أبناء الجالية اللبنانية والعربية في أستراليا. له عدة بصمات وأعماله العديدة تشهد له في مجال الأدب والثقافة. وشعره مميز جداً، ومهما تكلمت عنه تبقى شهادتي مجروحة لأن أعماله تخبر عنه، ولا يمكن أن نقرأ له من كلماته إلا وتدخل القلوب دون استئذان لا بل نحفظها ونرددها. له العديد من الكتب والمؤلفات. وأخيراً أصبح مديراً لتحرير جريدة المستقبل الأسترالية. يسعدنا أن نستضيف الدكتور الشاعر جميل الدويهي.
وبدأت الأستاذة نادين اللقاء بسؤال الدويهي عن كيفية جمعه بين الثقافة والأدب والإعلام والدراسة الأكاديمية، فأجاب:
"ظروف الحياة هي التي تفرض على الإنسان أن يتعدد في عناصر العمل. وأحب أن أذكر هنا أنني أعمل حالياً مديراً لتحرير جريدة المستقبل، وأوجه تحية إلى صاحب الجريدة ورئيس تحريرها الصديق والأخ العزيز الأستاذ جوزيف خوري، الذي هو أيضاً قامة إعلامية مميزة وكبيرة، وهو تاريخ في الإعلام وعميد من أعمدته في أستراليا. حقيقة أنا اشتغلت في الإعلام من باب العيش، واشتغلت في الأدب والثقافة من خلال الشغف، ولا أضيع دقيقة من حياتي إلا وتكون عندي فكرة في عقلي أود أن أقولها أو أن أكتبها، وهكذا استطعت التوفيق بين الجانب المعيشي وجانب الشغف الذي يتملكني.
وتحدّث الدويهي عن مهرجان الأدب المهجري الراقي – أمسية "لا تفكري صار الهوى ذكرى" في 23 تشرين الأول الماضي واصفاً إياها بالحدث الحاشد والكبير، "وكانت فعالياتها مميزة إن كان من أغان من كلماتي، أو الكلمات التي ألقيت، كما أنني ألقيت 5 أنواع شعر مختلفة، وكنت أشرح للجمهور الفرق بين تلك الأنواع، فكل نوع يختلف عن الآخر من حيث اللغة والشكل. فاللغات في شعري تتعدد وتختلف بين قصيدة وأخرى. وقد كنت سعيداً جداً بالنجاح الكبير في المهرجان، وإن شاء الله جميع مستمعي "صوت الفرح" سيكونون مدعوين إلى المهرجان المقبل وسيكونون معنا”. وأضاف الدويهي أن كل شيء في المهرجان كان منظماً وراقياً ومعدّاً بإتقان، ومميزاً بكل تفاصيله.
وقال الدويهي أيضاً: "قدمت 4 كتب هدايا إلى الضيوف الكرام، ولم يصدق أحد أنني سأفعل ذلك، وتساءل البعض: هل من المعقول أن يذهب أحد إلى أمسية ولا يدفع ثمناً لكتاب؟ وكنت قلت إن كلّ ضيف سيأخذ كتاباً من أصل أربعة، ولكن الكثيرين طلبوا 4 كتب وأعطيتهم 4 كتب. ما بخلتُ على أحد، وعاد الضيوف إلى بيوتهم والفرح في قلوبهم وعلى وجوههم”.
وأشادت الأستاذة الإعلامية نادين شعار بكتاب "في معبد الروح" وقالت إنها قرأته وهو جميل جداً، فأشار الدويهي إلى أنّ هذا الكتاب يخيفه لأنه قد لا يستطيع ذات يوم أن يكتب مثله أو أفضل منه، "وأنا أطمح دائماً إلى ألافضل، ولكنني سأحاول، وسأطلق 4 كتب في عام 2016 أيضاً إضافة إلى "كتبوا في معبد الروح" الذي سيضم جميع المقالات التي كتبت عن الكتاب”.
وأشاد الدويهي في معرض حديثه بالإعلامية الأستاذة نادين شعار التي وصفها بالأديبة والمثقفة التي تنشر الفرح عبر "صوت الفرح" وفي كل أعمالها، وتزرع السعادة في قلوب الناس.
وخلال الحديث تطرق الدويهي إلى أنّ كتاب "في معبد الروح" يحتوي على دعوة إلى السلام والمحبة والمصالحة، كما أنّ قصّة "طائر الهامة" تحمل هذه الرسالة أيضاً إذ ينتصر فيها الحبّ على الثأر، وتجني سلوى الحاقدة ثماراً مرّة وتحصد بذور الخيبة والفشل. وتسأل الإعلامية نادين شعار الدويهي: هل ترى نفسك روائياً م شاعراً؟ فيقول إنه بدأ بمحاولاته الشعرية الأولى في عمر مبكر، وكانت كتاباته في مادة الإنشاء تعلّق في المدرسة لكي يقرأها الطلاب، وكانت علاماته في الإنشاء 17 من 20، وكانت العلامة 16 خطاً أحمر. وكان يقلّد قصائد الزجل وبعض القصائد بالفصحى لمحمود درويش ونزار قباني وغيرهما. وقد وجد نفسه في الشعر حتى السنوات العشر الأخيرة تقريباً حيث أكتشف أن ليس عليه أن يحصر نفسه في الجانب الشعري فقط، فتوجه إلى القصة القصيرة "أهل الظلام" و "من أجل الوردة"، ثم إلى الرواية "الذئب والبحيرة" و "طائر الهامة"، وتوجه بعد ذلك إلى الفكر بعد أن درَّس في جامعة سيدة اللويزة لمدة 9 سنوات مادة "الفكر الإنساني والأدب"، وكانت نتيجة هذا التوجه كتاب "في معبد الروح"، وبشّر الدويهي بأن عام 2016 سيشهد ولادة "في معبد الروح 2"، و"في معبد الروح" باللغة الإنكليزية.
وسألت الإعلامية نادين: هل تستطيع أن تغوص في مواضيع أعمق مما عالجته في معبد الروح؟ فأجاب الدويهي: “في معبد الروح تطرقت إلى مواضيع عميقة جداً، ومن الصعب أن أجد مواضيع أعمق منها، ولن أبحث عن مفكر أو فيلسوف يميل إلى التشاؤم مثلاً لكي أناقشه، وقد ناقشت في كتابي أفكار جبران خليل جبران، أمين الريحاني، جان جاك روسو، غوته وغيرهم... ووجدت عندهم آراء ومواضيع لا تعجبني ولا تنسجم مع أفكاري، مثلاً موضوع التقمص 7 مرات عند جبران، وموضوع الشيطان عند غوته في مسرحية "فاوست"، حيث اعتبر المفكّر الألماني أن الله تآمر مع الشيطان للإيقاع بفاوست، وعند الريحاني مقالة يرى فيها أن الشيطان مسؤول عن تطور الفكر البشري والحضارة...
وفي السياق ذكر الدويهي أنه لا يتصور كيف أن إنساناً يقول إن عقله لا يحتمل فكرة وجود الله، فالمنطق أن العقل لا يستطيع تحمل فكرة عدم وجود الله. ولكن الدويهي أكّد أنه يحترم آراء المفكرين وينحني لهم إجلالاً وإكباراً لأنهم قامات عالية، "ولكن أنا اخترت بعض الأفكار التي لا تناسب قناعاتي، مثلاً: كيف يساعد الشيطان إنساناً؟ في كتابي "في معبد الروح" أقول إن الشيطان يشبه ورقة بيضاء سكبْنا عليها الحبر فلا يبقى فيها شيء من البياض، فالشرّ لا يمكنه أن يدعو إنساناً إلى الخير بل يسعى به إلى مهالك الإثم والرذيلة والشرور”.
وفي مجال آخر، تطرّقت نادين إلى موضوع المؤتمرات الاغترابية في لبنان، فأعرب الدويهي عن أسفه لأن تلك المؤتمرات تركز فقط على عنصر المال والثروة والمشاريع وقلما تلتفت إلى الأدب والفن والثقافة، وقال: "عندنا أدباء ومفكرون كبار في جميع دول العالم ويكتبون بلغات غير عربية، وهؤلاء مهمشون ولا يلتفت إليهم أحد”.
وسألت الأستاذة نادين شعار الدويهي عن أسفاره الكثيرة وعودته مؤخراً إلى أستراليا، فقال: "أنا أحب أستراليا والناس فيها، وكل مرة كنت أغادرها بسبب ظروف الحياة. تخرجت بشهادة دكتوراه من جامعة سيدني في عام 1998، ولم يُسمح لي بأن أدرِّس في الجامعة ساعة واحدة منذ ذلك التاريخ، وهذا الأمر هو أيضًا "حزّورة" في حياتي لم أتمكّن من حلّها، ولا أتأمّل في أيّ يوم أو في أية ساعة أن يُسمح لي بالإفادة من شهاتي وخبرتي في التعليم الجامعي والبحث الأكاديمي في أستراليا. وعندما توجهت في المرة الأخيرة إلى لبنان درّست 9 سنوات كأستاذ متفرّغ في جامعة سيدة اللويزة، وها أنا أعود الآن إلى أستراليا والجالية التي أحبها”.
وأعرب الدويهي عن فخره واعتزازه بأداء أبناء الجالية في جميع المجالات، وحيّا كل إنسان على عمل الخير وعلى الإنجازات السياسية والاحتماعية والثقافية والاقتصادية، "وقد حصل العديد من أبناء الجالية على ميداليات وهذا أمر نهنئهم عليه. أما على الصعيد الثقافي فقد فرحتُ لأن 22 كتاباً نُشرت في عام 2015، ولكن أرجو أن يفرح لي الآخرون عندما أنشر كتاباً مثلما أفرح لهم، نحن في مجرّة هائلة تتسع للجميع ولا أحد يقول للآخر: ابتعد لكي آخذ مكانك، أو أنا أريد الريادة والأولية وليس أنت. طبعاً طبعاً طبعاً نحن لا نيأس. اليأس غير وارد. عندي قاموس حذفت مته بالخط الأسود العريض كلمة "يأس"، فالانتقادات العشوائية والملاحظات السيئة لا أقف عندها. عندي مشروع ثقافي فكري أعمل عليه وأكمله في أعمالي وعبر موقعي "أفكار اغترابية” للأدب المهجري الراقي”.
وشدد الدويهي على الفرق بين كاتب وأديب ومفكر. ورداً على سؤال قال: "عندي نقد محكَّم من قبل لجان جامعية، وأعمالي النقدية الأكاديمية منشورة في عدة مواقع على الإنترنت. وعلى موقعي "أفكار اغترابية" نشرت مقالات عن جبران خليل جبران، سعيد عقل، فؤاد سليمان، المتنبي، امرئ القيس وغيرهم... وعندي نص نقدي أتمنى على الجميع أن يقرأوه عن اقتباسات جبران الفكرية، فقد اقتبس جبران من عدة مفكرين وأدباء وفلاسفة، وفي كتاب "المجنون" لجبران نصّ بعنوان "الملك الحكيم" يتحدث عن ساحرة تأتي إلى مدينة وترمي في بئرها عدة قطرات من سائل غريب فيشرب الناس ويجنُّون. غير أن الملك ووزيره لم يشربا من البئر فلم يجنَّا، فثار الناس وعيّروا الملك والوزير بأنهما مجنونان، فاضطر الاثنان إلى أن يشربا من البئر، وأصبحا عاقليْن في نظر الناس فقالوا: لقد عاد ملكنا ووزيره إلى رشده. هذه القصة مقتبسة عن أسطورة قد تكون جاءت من التيبت، وقد كتبها أيضاً توفيق الحكيم في مسرحيته "نهر الجنون"، كما كتبها الأديب العالمي باولو كويلو في روايته "فيرونيكا تقر ر أن تموت"”. وخلص الدويهي إلى أن الاقباس ليس عيباً وهو موجود في الأدب على نطاق واسع.
وأردف الدويهي: "إذا أردنا أن نردّ على مفكّر كبير، فكيف نردّ عليه إذا لم نعرض أفكاره ونشرحها ونناقشها؟ وهل يكون هذا اقتباساً؟"
وقالت الأستاذة نادين: "إن هذه الاكتشافات والمقارنات تنتج عن معرفة عميقة، فكم أنت مطلع على أعمال الكتاب والشعراء والفلاسفة القدماء والجدد؟!”
وكشف الدويهي عن دراسة أكاديمية لم ينشرها بعد اكتشف فيها تأثُّر أمين الريحاني بمفكر أوروبي من خلال نص وجده في كتاب "الريحانيات"، وقد كُتبت الآلاف من المقالات عن الريحاني وسُمّيت مؤسسات باسمه ولكن لم يكتشف أحد هذه النقطة بالذات.
وشدّدت نادين على أهمّية القراءة لدى الأجيال، فقال الدويهي "إن الحق لا يقع على من لا يقرأون فقط، فهناك كتب لا تُقرأ، ولكن هذا لا يمنع أن يختار الإنسان كتاباً جيداً ويقرأه ويزيد من ثقافته، فالمكتبات مليئة بالكتب التي تقدّم نفسها مجاناً”.
وعن نقد الأعمال الأدبية التي صدرت مؤخراً ذكر الدويهي أنه كتب دراسة نقدية عن ديوان الشاعر الدكتور مروان كساب "دموع الخريف" وهي بعنوان "الرومنطيقية قطرة في المحيط المرواني"، منشورة على موقع "أفكار اغترابية" للأدب المهجري الراقي.
وبعد أن ألقى الدويهي القصيدة الأولى من ديوانه العامي "لا تفكري صار الهوى ذكرى" لفتَ إلى أنها من نوع "الشروقي"، وهو مختلف عن الزجل وإن يكن كثير من الناس يعتبرون "الشروقي" من الزجل. وقال: "أنا أحب الشعر العامي وأكتبه من باب التنويع، فليست كتاباتي محصورة في نوع واحد فقط. وأكتب من جميع الأشكال المتوافرة لأنني اعتبر أن الأديب لا يستطيع أن يكون أديباً إلا إذا عدّد ونوّع، فقارني مثلاً بين حقل مزروع بنوع واحد وحقل آخر مزروع بعدة أنواع”.
ووجّه الدويهي أخيراً تحية إلى زوجته مريم التي تسمع كل قصيدة يكتبها، "وهي أوّل إنسان يسمعني". وبعدما وصفت نادين المبدع بأنه "يصنع الشيء من اللاشيء" سألتْ: هل أنت شاعر إرتجالي؟ فقال: "لست كذلك، ولم أحاول يوماً أن أكون شاعراً ارتجالياً، حيث أنّني أفضّل النصّ المكتوب، وبصفتي ناقداً أعيد النظر فيه وأغيّر فيه عدّة مرّات قبل أن أنشره".
(2022)
لا مال عند الدويهي ولا خيل. عنده الحبر والأسطورة التي لا تصدّق. ولا عجب أن تتسع العيون، وتكبر القلوب، وينقسم الناس بين مؤيّد ومعارض، وهو ينام ملء جفونه عن شواردها، لا. بل هو يسهر ليقدم المزيد، متجاوزاً الخطوط والملاحظات وعلامات الاستفهام والاستنكار أحياناً. هو الصابر الصامت الذي يرتفع من قمم إهدن إلى قمم الخلود… ولا يعنيه إلا صوت ضميره ونبض إيمانه بأنّ ما يفعله هو الصحيح، وليكسر الفخار بعضه.
بستان الإبداع، الشريك في المؤتمر إلى جانب منتدى لقاء، تحدث إلى الدويهي عن المؤتمر، فكان هذا الحوار:
1- كيف تقيّم الإقبال على المؤتمر؟
- شكراً لمحبتك أميرة كلود، واهتمامك بالمؤتمر، وحضرتك شريكة في أعماله… وهذا الموقع هو من باب الوفاء، لأنك نبيلة ومخلصة وتستحقين كل تكريم. عن الإقبال على المؤتمر، يمكنني القول إنه فاق التوقعات. قبل موعد 10 شباط لتسليم الأوراق نشرتُ 12 ورقة، وما زال عندي الكثير. وهذا يبيّن ثقة الناس، خصوصاً وراء البحار بموقع أفكار اغترابية ودوره الريادي، وأحقيّة أن يكون رائداً لمدرسة أدبية اغترابية، ليس من باب الاستئثار، بل من باب المقارنة، سواء من حيث التضحيات الجسام، والمنشورات التي فاقت 90 كتاباً، أو من حيث تعدد الأنواع الذي يتفرد به المشروع، ليس في أستراليا وحدها أو في المغتربات، بل في الشرق العربي أيضاً.
2- هل كنت تريد إقبالاً أكثر؟
- أكثر من هذا؟ ربّما، فلا مانع عندي في المزيد، وأنا مستعد أن أحتضن وأنشر أكثر من كتابين إذا اقتضى الأمر. ثلاثة أو أربعة… من يدري؟ وستصل نسخ من الكتب إلى المشاركين والجامعات، كما ستكون منشورة على صفحتي، وصفحات منتدى لقاء وبستان الإبداع، وموقع ثقافيات، وموقع ألف لام، وموقع أفكار اغترابية للأدب الراقي، وصفحة أفكار اغترابية للأدب الراقي على فايسبوك. وأسجل هنا شكري الجزيل للصفحات والمواقع التي تنشر، ووسائل الإعلام التي اهتمت بالمؤتمر، والوسائل التي اعتبرت أن لا ضرورة لتغطيته، ونحن لا ننظر إلى الوراء.
3- كيف كانت المشاركات من أستراليا؟
- لا بأس بها، لكن المشاركات من الخارج كانت أكثر بكثير، ولا أتحدث عن الظروف هنا، من ثقافية وأكاديمية ومؤسساتية… لكني في النهاية راض تمام الرضا، و أنا مهتم كثيراً بمن يحضر ويشارك.
4- يقوم منتدى لقاء بجهد إعلامي كبير، بشخص رئيسه الدكتور عماد يونس فغالي وأمينة سره الدكتورة سحر حيدر. ما رأيك بهذه الإطلالات الإعلامية المواكبة للمؤتمر؟
لو وجدت لغة من عالم السحر وعبقر، لما اكتفيت بها للتعبير عن امتناني لمنتدى لقاء، والدكتورين الغاليين عماد يونس فغالي وسحر حيدر. والشكر يمتد إلى كل من كتب كلمة أو ألقى ضوءاً على أعمال المؤتمر. ونحن نحتاج إلى أي جهد ممكن، ليس الآن فقط، بل كل يوم، لأن مشروعنا متواصل ولا يهدأ. وليس عندنا حدث هو آخر الطريق، فطالما أن الحياة حياة لدينا مشاريع وخطط مستقبلية. وأنوه هنا بمن يؤمنون مسيرتنا ويواكبوننا، ويعلنون أنهم جزء من المشروع. وليس هناك من شيء في هذا العالم محط إجماع، ولو كان الاجماع تحصيلاً حاصلاً لما صلب السيد المسيح ولا اضطُهد الأنبياء. لذلك أقول كل مرة: لا أنظر إلى الوراء، بل إلى الأمام… وأفرح في عليّة أورشليم الجديدة، عاصمة الثقافة العربية، كلما رأيت أصدقائي معي، يأكلون من خبز التقدمة ويشربون من خمرة الإبداع… وهذه المرة من تلاميذ العلية امرأتان نبيلتان، مريم رعيدي الدويهي وكلود ناصيف حرب.
-النهضة الاغترابية الثانية، ماذا تعني لك؟
تعني لي التحدي الصعب في حياتي. أنا تعرضت كثيراً في مسيرتي الأدبية. وسأكتب عن تجربتي في كتاب "أشجار الملح". هناك من يخالفونني الرأي، ولا يخطر في بالهم أنني أخالفهم الرأي أيضاً، ولست ملزماً بإملاءات تأتي من أناس لم يقدموا ربع ما قدمته. وكم أحب أن تكون هناك دراسة مثلاً، مثبتة بالوثائق والأعمال، تثبت لي أين كانت الرواية المهجرية وأين أصبحت؟ وأين كانت القصة القصيرة؟ وأين كان الفكر قبل "في معبد الروح" و"تأملات من صفاء الروح"، و"بلاد القصرين"، و"هكذا حدثتني الروح"، ورجل يرتدي عشب الأرض؟ ومن قبلي من الشعراء يرقّم أنواع شعره؟ ومَن قبلي اشتغل في كل هذه الأنواع في فرادة لا غبار عليها؟ ومَن قبلي نشر أكثر من تسعين كتاباً، له ولغيره، في أبعد أصقاع الأرض؟
عندما يجيبني أحد عن هذه الأسئلة، أعرف من هو رائد النهضة الاغترابية الثانية، وأعترف بأن نوعاً واحداً من الشعر يكفي لتأسيس هذه النهضة، فأعتزل وأتراجع عن مفهومي، علماً أن اصطلاح "النهضة الاغترابية الثانية" هو تشريف وتكليف أيضاً، غمرني به د. كلوفيس كرم رئيس اللجنة الثقافية في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وأستاذ جامعي في جامعة ساكرمنتو - كاليفورنيا، والأستاذ محمد العمري في أستراليا، ولم يكن اختراعاً مني. ولكي أكون واضحاً أكثر، فإن الاعتراض لا يشمل هذا الاصطلاح فقط، بل اصطلاح "الأدب الراقي"، وطُرح عليّ السؤال ذات مرة: هل يعني أن الآخرين لا يكتبون الأدب الراقي؟ بالطبع أكون ساذجاً وضعيف الفكر لو قلت إن غيري لا يكتب الأدب الراقي، لكن هذا اسم مشروعي، كمن يسمي ابنه "جميل" وهو مثلي غير جميل، أو ابنته "ذكيه" وهي مثلي أيضاً غير ذكية. ومن جهة أخرى، نعم هناك أدب غير راق، هو أدب الشتائم والإقذاع والانحطاط والفجور الجنسي والتكلف والتصنع والركاكة، ونحن لا علاقة لنا بهذا الاتجاه ولا بمن يطربون له ويرفعونه إلى مصاف الملوك. من يقرأ كل أعمالي الشعرية والنثرية لا يقع على لفظة واحدة تخدش الذوق، فهل هذا هو الرقي أم التشهير وتشبيه الناس بالحيوانات والحشرات هو الرقي؟
- المهرجان الخامس، المؤتمر، الجائزة… استحقاقات مؤجلة، فإلى متى؟
صحيح. المهرجان الخامس تعرّض للتأجيل مرتين، وصرت أخجل من الإعلان عن موعده ومكانه مرة ثالثة، وأنتظر حتى أتأكد من أن الظروف ملائمة لعقده، وكل همّي أن يتكرم الحاصلون على الجائزة بطريقة لائقة يستحقونها. والمؤتمر هذا يواجه الحالة نفسها، لذلك أنشر الأوراق تباعاً تمهيداً لنشرها في كتابين أو ثلاثة، إلى أن يحين موعد عقده وجهاً لوجه. وعندما أقارن بين خسائري وخسائر الدول والشعوب والاقتصادات، أشكر ربّي على كل شيء، فقد مات ملايين الناس، وتعطّلت المصالح وخسرت الشركات البلايين، ولست أهمّ من هؤلاء جميعاً. أعتقد أن الوباء سيزول بعد سنة من الآن، فجميع الفيروسات السابقة عاشت 3 سنوات، ثم تحولت إلى أعراض خفيفة وزالت. وربما نكون في وضع أفضل قبل ذلك، وسيتم كل شيء كما ينبغي أن يكون.
- على بطاقة الدعوة، ذكرت أنه المؤتمر الأول. فهل تخطط لمؤتمر ثان؟
في جعبتي عدد من الكتب ستصدر هذا العام، كما جلسة حوارية عن روايتي الرابعة "حدث في أيام الجوع"، وبعدها أفكر في المؤتمر الثاني، ولا ضرورة أن يُعقد المؤتمر كل عام، فهو يحتاج إلى تحضير وتخطيط، وليس كالأمسيات التي يمكن أن ينجزها المرء في أسبوع أو أسبوعين.
- حصلتَ مؤخراً من بستان الإبداع على لقب "عميد أدباء المهجر"، ومن اللجنة الثقافية للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم على "قلم قدموس"… كيف تنظر إلى هذا التكريم؟
تكريم من بستان الإبداع هو لقب أعتز به، حصرياً لأنه نتيجة مقارنة، وقد ذكرت حضرتك على الشهادة أن اللقب منح لي نتيجة المقارنة، وهذا أمر أساسي بالنسبة إلي، لكي لا تُسجّل اعتراضات، أو حالات شجب واستنكار. أما قلم قدموس، فمبادرة طيبة من د. كلوفيس كرم الذي يعتز بأنه في سفينة قدموس الاغترابية، بل هو قدموس آخر، وكلاكما يفتخر بأنه في قلب أفكار اغترابية.
-كيف تنظر إلى المؤسسات الثقافية اليوم، وإلى دورها؟
نبارك للجميع، لكن ننظر ونسمع… فليس كل من حمل قلماً هو أديب، وليس كل من أنشأ مؤسسة هو رائد في الفكر والحضارة. كلها تعمل من أجل الخير، لكن بعضها للأسف، وهو قليل جداً، تحول إلى منصة للتصويب على المبدعين وتقزيم أعمالهم، وحشرهم رغماً عن أنوفهم في قمقم المساواة السحري الذي لا يعلم إلا الله مَن أوجده، وكيف تم اكتشافه في مغارة علي بابا… وكأن المطلوب، في بلادنا فقط، أن يكون أينشتاين في درجة واحدة مع سلّومة الأقرع. ولهذا كثر التطبيل والتزمير لأعمال ضعيفة، وساد صمت رهيب حيال أعمال جليلة وتعكس القيم والفكر الراقي والإنسانية الخيرة... للأسف أكرّرها.
- دور وزارة الثقافة، كيف تقيمه؟
في أستراليا لا أمدّ يدي ولو انكسرت، فالقرش الذي قد يصلني من الدولة لدعم مشروعي أتنازل به للفقراء والمحتاجين والأمهات اللواتي بلا أزواج أو عمل، والمرضى والمشردين… هؤلاء يستحقون أكثر مني، ولذلك أصرف على مشروعي من لحمي الحي، وأنا مغتبط بذلك. أما في لبنان، فمن الطبيعي ألا أمد يدي، ولكن الدعم المعنوي هو أقل المطلوب، وليس عندي جهاز للعلاقات العامة لكي أتغلغل في دهاليز الدولة، والحمد لله أن ساعي البريد بين أستراليا ولبنان لا يقصّر معي، وقد يوصل أخباراً مغايرة للواقع. وأحياناً أقرأ في وسائل إعلام أخباراً عن أعمالي تخالف ما حدث، أو تقدم خبراً غير صحيح أو تمت صياغته بطريقة ملتوية لإبعاد صفة الإبداع والتفرد عني. في النهاية، لا أحتاج إلى جسر يوصلني إلى أي مكان، كما أرفض "الواسطة" وهي مطلوبة بإلحاح في لبنان كشرط مبدئيّ… وكل ما أسعى إليه بعصاميتي وروحي القوية أن يكون لي دور في التاريخ، وقد أنجح أو لا أنجح.
- الأدباء، الشعراء، الأكاديميون… كيف ينظرون إلى أفكار اغترابية؟
تقصدين هنا أم في الخارج؟ من الخارج تصلني رسائل من أدباء وأكاديميين وأساتذة جامعات، يعبرون فيها بصراحة عن فخرهم في أن يكونوا في هذا المشروع، ويكبر قلبي بهؤلاء الأساتذة، كما يكبر كلما التفتَ باحث أو مهتم إلى أدبنا المهجري في أستراليا. ولكنني في الوقت نفسه أخاف، وأضع يدي على قلبي، وصرت انجز كثيراً من الأمور بسرّيّة لم أكن أرغب بها، فبدلاً من أن أعرض إنجازاتي في عين الشمس، صرت أحجبها، أو أحجب بعضها على الاقلّ.
- كلمة الختام لك. فماذا تقول؟
أشكر الله على كل شيء، وأفكارنا جزء من أفكاره، ونحن صغار أمام مجده العظيم، وشكرًا لك أميرة كلود ولبستان الإبداع ومنتدى لقاء، وكل الأستاذة المشاركين في المؤتمر، والمحبين أينما وُجدوا. وأرجو أن يتكامل العطاء الحضاري بين المقيم والمغترب، لنشكل معاً حالة ضوئية، قد لا تظهر آثارها الآن كما يجب، بل بعد سنوات طويلة. كما أرجو أن يكون لهذا التعب المتواصل تقدير في المجتمع والوسط الثقافي وفي الإعلام أيضاً. وفي كل الأحوال ستصل القافلة إلى مكانها المنشود، والنهر سيجري إلى الخضم الأكبر طال الزمان أم قصر.